كان العراقيون ميالين إلى الألعاب الرياضية باعتبارها من متممات الحياة اليومية، ولكن لم تنظم بالشكل الذي نراه اليوم، بل كانت بصورة مختصرة ترمز إلى تغذية الجسم، وكان أبناؤها يمارسون رياضة كمال الأجسام والمصارعة في الزورخانات، والزورخانة هي حفرة عميقة مدورة في الأرض يجري فيها اللاعبون مختلف الحركات برفع أشكال متنوعة من قطع الحديد وتكون حركات اللاعبين فيها بإيقاعات خاصة تتناغم مع قراءة المقامات العراقية الحماسية عليهم حيث تراعى الوحدة الإيقاعية من قبل (المرشد) أو (الماندير).
والزورخانة كلمة فارسية مركبة من كلمتين هما (زور) تعني قوة، و(خانة) تعني المكان أي مكان القوة. وهناك مصادر تاريخية كثيرة تحدثنا عن قادة الإسلام العظام بأنهم كانوا يزاولون المصارعة ولهم مواقف معروفة بها. وقد كان للمصارع البغدادي في أماكن الزورخانة يومئذ منزلة خاصة في نفوس أهالي بغداد إذ كانوا ينظرون إليه نظرة إكبار وتقدير، كما إن هؤلاء المصارعين كانوا يبتعدون عن ملذات الدنيا وموبقاتها وكانوا خيرين ومؤمنين، ولا ينزلون الحفرة إلا وهم على وضوء كامل من كل الجوانب، وقبل البدء بالمصارعة أو الألعاب الخاصة بالزورخانة كانوا يؤدون بعض المدائح النبوية والأدعية والتمجيد وبعدها يذكرون الإمام علي (ع) ويستمدون القوة منه، ولهم طقوس خاصة ومراسيم عند النزول إلى الحفرة، وقد انتعشت الزورخانة وازدهرت ازدهاراً واسعاً أيام الملكية .
وفي كربلاء كانت هناك زورخانة المخيم مقابل مدرسة المخيم وزورخانة سوق النجارين وبعض الزورخانات الأخرى ونتيجة للسمعة الطيبة التي وصلت إليها الزورخانة، باعتبارها جزءاً لا ينفصم من حياة الكربلائيين اليومية لما كانت تتضمنه من جوانب دينية وأخلاقية عالية فقد كان جوها يسوده دائماً الورع والتقوى والخشوع وكانت بحق مدرسة كبيرة لتعليم تلامذتها الخصال الحميدة والشجاعة والتحلي بأعمال الخير والفضيلة ومساعدة الآخرين مهما كان شأنهم ومنزلتهم.
|