• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : قلعة ياسين .
                          • الكاتب : حسن هادي العطار  .

قلعة ياسين

 كل موقف في الحياة لابد له قرين في الذاكرة ينجذب اليه مع اختلاف التفاصيل، اخذتني الذاكرة الى ايام الابتدائية حيث كانت احلامنا بسيطة واكبرها ان تقيم لنا المدرسة سفرة ترفيهية نشترك بها لنلهو بعيدا عن اجواء الدراسة، فإما ان تكون السفرة الى منطقة اثرية او الى متحف او غالبا ما تكون الى متنزه الزوراء للتجول في حديقة الحيوانات.
جذبتني الذاكرة الى اشياء اخرى جميلة ونحن نتحدث اليوم عن سفرة مدرسية فكر بها طلاب الجامعة بعيدا عن روتين السفرات العادية، ويبدو ان الغالبية وافقوا على السفرة، اخذني توق الذاكرة الى ما كانت تعده امي للسفرة من اكلات شهية وتعطيني مصروفا معتبرا، وتوصيني بإرشادات مكررة في كل سفرة: لا تذهب بعيدا عنهم، اسمع كلام المعلم، كن عاقلا في تصرفاتك، وحين اخرج من الدار تبدأ طقوس اخرى محببة الى قلب امي، وهي ان تعبرني من (قلعة ياسين)، وهي قطعة قماش ابيض على شكل وشاح خطت عليها سورة ياسين بماء الزعفران، وهي تجلب الأمان لقلب كل ام تودع ابنها اعدت للحفظ والسلامة.
 هذه الذكريات تثير في نفسي البهجة، وبدأت اسأل روحي: الى اين..؟ أيعقل ان نذهب الى حدائق الحيوانات ونلعب في المراجيح كما كنا، لا طبعا، من المؤكد ان تكون السفرة الى مكان له خصوصية تتواءم مع اعمارنا وافكارنا، رأيت الشباب يتحدثون عن السفرة بحماس، بل رأيتهم يتوسلون دكتور محمود معاون عميد الكلية ان يسجل اسماءهم، فسألتهم: الى اين السفرة ان شاء الله؟
 اجابني احدهم بحماس:ـ الى الجبهة، ربما الجملة فاجأتني، فاعتبرتها مزحة:ـ لكن ماذا نفعل في الجبهة؟ هي فعلا متعة ان نستجيب لنداء المرجعية وان نتحمل مسؤولية بث روح الالفة بين المقاتلين، ان نحفزهم نكبر فيهم روح الانتماء ان نقول لهم: نحن معكم وارواحنا فداء لهذا الوطن، كنا صغارا نبحث عن النزهة اليوم كبر الصغار فصاروا يشعرون بحاجة الى التعبير عن روح الانتماء.
 يا لعظمة الفتوى التي اضرمت فينا روح الانتماء وجوهر المسؤولية، الفتوى المباركة كبرت فينا معنى (يا ليتنا كنا معكم)، شعور جميل ان يتحمل الوعي مسؤولية الارتقاء الروحي، فكرت ببراءة الاطفال، ماذا ستعد لي أمي من اطعمة وبماذا ستوصيني؟ انا الذاهب الى مواجهة الموت لأكون قريبا عن معناي، لأقول للدنيا انتهى زمن الدلال واصبحنا رجالا.
 كبرنا يا أمي، لكننا ما زلنا صغارا امام قلبك الكبير، تعبريننا من قلعة ياسين بمودة، وصار الفارق واضحا بين متنزه الزوراء وحديقة الحيوانات وبين حقول علاس، وجبال حمرين.
اذن لم يبق من الموعد الا ايام ونحن بانتظار عودة الدكتور من الجبهة ليأخذنا معه انا الوحيد الذي سأذهب للمرة الاولى، هناك بعض الامور المحيرة فعلاً: كيف سأقنع امي بمثل هذه السفرة لأجل ان انال دعواتها وتعبرني من قلعة ياسين، وهي تقرأ بعض سور القرآن الكريم؟
 وسط هذه النشوة العارمة وسط الروح، رأيت الجامعة ترفع رايات الحزن، والطلاب يبكون بحرقة قلب، ما الذي جرى يا الهي؟ لقد استشهد هذا البطل الذي ما فارق الجبهات، اقرأ الاعلان بدموع القلب الشهيد الدكتور محمود بشير حمود الجياشي معاون عميد كلية التربية جامعة المثنى، قرر الطلاب اقامة سفرة الى النجف الاشرف واقامة محفل قرآني عند قبره، حزنت امي كثيرا لهذا الخبر المؤلم، شجعتني للمشاركة وودعتني باكية من قلعة ياسين.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154291
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 17
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13