• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : همسة يتيمة .
                          • الكاتب : زينب العارضي .

همسة يتيمة

حبست أنفاسي، خفق قلبي، وتدافعت مشاعري، وعجزت عن وصف ألم فراقك كل كلماتي، حينما عصفت فاجعة فقدك بأركاني.. 
لقد رحلت يا أبي وتركت لي رصيدًا من الذكريات، تتصاعد عند استرجاعها من فؤادي الآهات مع الزفرات، ها هي بقاياك في البيت صور وابتسامات، وعيون تنظر ببصيرة وهي ترمق الزمن لتأبى عيش الذل وتتطلع إلى أشرف الغايات، تلك شفاهك لا تزال تتمتم أن النصر آت، وتلك يدك تقبض على السلاح بشغف لترسم لوحة صمود وثبات، تلونت أخيرًا بقاني دمائك التي تعلمت من أبي الضيم (سلام الله عليه) كيف يكون الموت الأحمر ولادة جديدة للإنسان والحياة. 
أبي الحبيب: أنا فاطمتك التي كنت تجلسها كل صباح بقربك، وترفع بكل حنان إلى فمها الطعام ممزوجا بعطفك، أنّا ابنتك المدللة التي لم تكن تعرف النوم إلّا بعد أن تطبع على جبينها قبلة حبك. 
لا زلت يا أبت أخاطب حقيبة ثيابك ووسادة سريرك، لازلت قبل النوم احتضن صورتك، لا زلت يا ابت انتبه من لذيذ نومي كلما اضناني الشوق إليك، وأجلس واضعة يدي على خدي في سكون ظلام يلفه الهدوء لأفكر بك، واحرر شعوري لأطلق العنان لكلماتي بحضرتك، لكن يحول دون حديثي معك سماعي لحشرجات أمي المكتومة، وانين بكائها الصامت، فاسترق النظر، واجيل البصر، فأراها وهي تحدق في البعيد ؛ علها تلمس بقايا نور أو إشراقة ذكرى من زوجها الشهيد، وعندما ينبلج نور الصبح تلملم جراحها وتنهض بعزمها وكأنها جبل أشم، أراها والدمعة تترقرق في عينيها فأرق لحالها ،اقترب لأواسيها فأتفاجأ بصلابتها، تتحدث معي فأدرك بعد ذلك سر دمعتها ، أمي لم تبك لأجلك وان كنت عزيزا، بل إن جرحك يوقد في قلبها حرارة لا تبرد أبدًا؛ لأنها تتذكر دماء زكية، ونفسًا حرة أبية، أبت الذل والدنية وتطلعت بكل شغف للمراتب العلوية، فتسنمت قمم الشهادة القدسية. 
إن جرح أمي ودمعها السخين، لأجل ريحانة المصطفى الأمين أبي عبد الله الحسين (عليه السلام).
لقد علمتني أمي أن الدمع وقود الثبات على الدرب القويم، وصك الأمان على الصراط المستقيم. 
علمتني أن الدمعة ثورة، وصرخة استنكار حرة، تحفظ ذكرى الشهداء، وتحث النفوس على الإقدام والفداء. 
علمتني أن الزفرات جمرات، تتوارى تحت ركام التضحيات، يمكنها أن تشتعل من جديد؛ لتحرق بنارها وأوارها كل جبار عنيد، يبتغي سلب الناس أمنهم وإيمانهم ليحولهم إلى أسرى وعبيد.
علمتني أمي أننا إنما نبكيك؛ لنخلّد ذكرك، وننشر في آفاق الحياة شذا عطرك. 
علمتني أمي أن مسؤولية أسرة الشهيد لا تنتهي برحيله، بل تستمر، متزودة بزاد عطاء الدم الحر، متسلحة بسيرة الحوراء زينب (عليها السلام) سيدة الإباء والصبر، متخذة من حركتها منارًا لإيصال صدى الدماء، وتخليد رسالة الشهداء، متجلببة برداء الكبرياء أمام الأعداء، مستكينة بين يدي الله تعالى تسأله الثبات وسط المحن والآلام، ترجوه العون لنصرة الإسلام، تناجيه في ظلمة الليل أن يسدد خطانا؛ لنكون أسرة جديرة بحمل إرثك الكبير.
هذه هي أمي يا أبي؛ لذا، نم قرير العين فأمي زينبية، صابرة رؤوم وفية، رقيقة معنا، وفي سوح النضال قوية، تصنع من فخر تضحياتك وسجل بطولاتك لنا وسامًا وأعظم هوية.
ابنتك: فاطمة




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154223
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13