• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : دقائق في بيت الشهيد .
                          • الكاتب : زينب العارضي .

دقائق في بيت الشهيد

 كانت دموعها تسبق كلماتها، وتتعالى بين كلمة وأخرى آهاتها وزفراتها، وفي نفس الوقت كانت تبتسم باطمئنان وهي تحمد الله المنان؛ أن مَنّ عليها فاختار حبيب قلبها، وقرة عينها وولدها الوحيد لأمر عظيم، وفتح له بابًا لا يفتحه سبحانه إلا لخاصة أوليائه، فاختاره شهيدًا، تلك هي أمّ الشهيد: علي الأنصاري رحمه الله. 

بالفعل تلك الدقائق التي قضيناها في بيتها لم تكنّ عادية، فهناك رأينا وجهًا آخر للرزيّة، وصورة أخرى للبلية، حينما تستقبلها النفوس الحرّة الأبيّة، التي اتّخذت من الإمام الحسين (عليه السلام) قدوة، ومن نهضته هوية.
هناك كانت الكلمات تترجم صدق الانتماء للرسالة والدين، وحقيقة الولاء لآل البيت الطاهرين (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، وتطبيق مقولة لطالما ردّدناها مفتخرين، يا ليتنا كنا معكم سادتي... 
هناك رأينا كيف يمتزج الألم بالوعي والبصيرة، وكيف تدع الأم الرؤوم فلذة كبدها يقرّر نهاية حياته ولحظاته الأخيرة، رأينا الصمود وصلابة الإيمان، كيف يصنع المعجزات في حياة الإنسان، كيف يجعله قويًا في وجه الشيطان، ليرسم طريق العروج للرحمن. 
هناك رأينا زوجته وطفلته التي كُتب لها أن تكون يتيمةً، ومن حنان الأبوّة محرومة، لكنّها بكلّ تُراثه مفتخرةً، وإلى علياء جنانه بعين البراءة ناظرةً.
ومن العجيب المؤلم أن ابنته الصغيرة زينب قد تمسكت به قبل خروجه الأخير، إلّا أنه لاطَفها وقبّلها ثم خرج وعينه تترقب فجرًا جديدًا ينال فيه رضوان الربّ القدير، كانت آخر صورة في مخيلتها هي صورة والدها، وكانت آخر كلمة على شفته هي وصيته بابنته.
ذهب الشهيد كمن سبقه إلى عليائه غير نادم، وخلّف وراءه أمًّا يحق أن يفتخر بها العالم، لما لها من دور في مسيرة ولدها الشهيد قبل نيله وسام الشهادة المقدس، وبعد شهادته في حفظ عائلته وتراثه الأنفس.
رحل الشهيد وترك رصيدًا من الذكريات، لم تكنّ خاصة بأهله وذويه، بل بكلّ من أراد أن يفهم ماذا يصنع حبّ الله وأهل البيت (عليهم السلام) بمريديه.
كان عمله في ميدان النضال مصورًا وموثقًا للبطولات، وامتزجت صوره الأخيرة بدمائه السائلات، لتضع في أعناقنا جميعًا مسؤولية الاستمرار في أداء الرسالة دون التحجج بالموقع والرتبة والإمكانات، فمهما كُنّا، وفي أي مكان وجدنا، لا ريب أن هناك دورًا ينتظرنا، ينادي فينا: أن اخلصوا النية، وحافظوا على سلامة الطوية، لتكونوا أهلًا للرحمات الإلهية، والفيوضات الربانية، التي تبحث عن مستحقيها في زمن عزّ فيه الثبات على درب الصادقين، وفشل الكثير فيه بعدم التمسك بالحق المبين، وبانت في مسرح حياة الكثير منّا الهوة الكبيرة بين الادعاء والتطبيق، والشعارات والمواقف التي تعكس الولاء الصادق العميق.
فشلال الدم الطاهر الذي انحدر من أجساد الشهداء، جعلهم أقمارًا في سماء البطولات والفداء، وغدت تضحياتهم وسير حياتهم نشيدًا يتغنى به الأحرار والشرفاء، وباتت كل كلمة وموقف منهم صارمًا مسلولًا في وجه الطواغيت الجبناء من الأعداء، ومعلمًا يدل المؤمنين على سبيل السمو والارتقاء، وهذا الإرث النفيس لا بد أن نحفظه ونحافظ عليه، ونجعله منارًا للأجيال ونرشدهم إليه، ونبين على الدوام أن رسالة الدم التي امتزجت بزفرات الزوجات، ودموع الأطفال الصغار، ولوعة قلوب الأمهات الصالحات، ينبغي أن تبقى ماثلة أمام أنظارنا، وعلى ضوئها نترجم خطواتنا، ونقطع طريقنا حتى ظهور قائمنا (عجل الله تعالى فرجه الشريف).
 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=154061
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14