• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : أدب الفتوى .
                    • الموضوع : هل في الشهادة خسارة؟ .
                          • الكاتب : زينب العارضي .

هل في الشهادة خسارة؟

 رأيتُها على غيرِ حالها، تغرقُ في صمتِها، وخلف عينيها تتجمعُ الأسئلة، بادرتُها بالسلام ثم أردفتُ قائلةً: أين هي أختي؟ وفي أيِّ الأمورِ مُنشغلة؟ 
ردَّتْ السلام بابتسامة خَجِلة، ثم أردفت قائلةً: مرحبًا بمن تُبدِّدُ بمَحضِرها عني كلَّ وحشةٍ وغفلة، أهلًا بك عزيزتي في عالمي الذي يعجُّ بالإبهام، وأفرَجَت لي كي أجلسَ إلى جوارِها.
وما أنْ استقرَّ بي المجلس حتى قالت لي: يا زينب أنا مُتألمة جدًا! 
وضعتُ يدي على يدِها وقلتُ: ليسلمْ قلبُ أختي من كلِّ ألمٍ، خيرًا إن شاء الله؟
قالت بحسرةٍ وآهة: لِمَ علينا أنْ نُقدِّمَ الشهداء؟ ألا يُمكِن أنْ لا نُفجع بعزيزٍ؟ هل ينبغي أنْ نفقد قاداتِنا وأحبتِنا كي ننتصر؟ ألا يُعدُّ ذلك خسارة؟ كيف لنا أنْ نُعوِّضَ...
قاطعتُها قائلةً: مهلًا أيتها الحبيبة رويدُكِ... فهمتُ ما ترمين إليه، فاسمعي وتأملي، وسلِّمي لله (تعالى) ولا تعجلي، فطريق الأحرارِ مُعبَّدٌ بالدماء، ونهج الأخيار مليءٌ بتضحيات الأفذاذ الشهداء، وإنَّ من ايجابيات الشهادة في سبيل الله (تعالى) أنَّها لا خسارة فيها أبدًا، فهي تجارةٌ مُربحة وصفقةٌ رابحة؛ وذلك لأمور:
1- إنَّ الشهادة على المستوى الشخصي للشهيد هي فوزٌ عظيم، بل هي من أعظم وأرقى صور الفوز والانتصار بالنسبة للشهيد؛ لأنَّه استطاع أنْ يتخلص من أسر الدنيا ويُقدِّم روحه لله (تعالى).
2- أمّا بالنسبة للأمة والمجتمع الذي استُشهِد فيه الشهيد فهو ربحٌ أيضًا؛ لأنَّ شهادته ودماءه ستتحولُ إلى حِصنِ عِزٍّ ورفعة ومنعة، يمنعُ كُلّ عدوٍ غاشم من أنْ يتطاول على هذا المجتمع أو حتى يُفكر بالنيل منه أو الاعتداء عليه.
3- الشهادة في قاموسنا ليستْ موتًا يفرضه العدوّ، وإنَّما هي اختيارٌ واعٍ وأمنيةٌ يسعى لها المجاهد المخلص ويبذل في سبيلها الكثير.
4- إنَّ دماءَ الشهداء تُزلزِل العدوّ وتصنع النصر وتستجلب الألطاف الإلهية.
5- شهادةُ القادة والنخب ليستْ خسارةً بالمعنى المستقبلي لمسيرتِنا؛ لأنَّهم ضحّوا في سبيل ما آمنوا به، ولا شكَّ أن دمهم سيُعطي زخمًا وقوةً للمسيرة فهي تتغذى من دماء الشهداء.
6- هدفُنا يا عزيزتي من جهادِنا ليس الحفاظ على أنفسِنا، أو تحقيق مكتسباتٍ لنا لتكون الشهادة خسارةً بالنسبة إلينا، فهدفُنا هو تحقيقُ الأهداف الكبرى التي أرادها الله (تعالى) والتي من أهمِّها صيانة الرسالة والحفاظ على المُقدّسات وصيانة أمن المجتمع و...، وهذا يتحقق بالشهادة. 
7- إنَّ دماءَ الشهداء توقظُ النائمين والغافلين وتستحِثهم للبناء والعمل والاصطفاف في ميادين الحياة لصُنعِ المستقبل.
8- إنَّ الشهداء يُعيدون تشكيل الحياة بزَخمٍ أكبر وبإبداع أعظم لتبقى الشهادة هي المُعادل الموضوعي للحياة، فلا حياة بلا شهداء ولا شهادة، فهم يسقون الأرض بالدماءِ فتورقُ وتُثمِرُ شجرة الحرية والكرامة، وهم وحدهم القادرون على هزيمة الذُل والخنوع وتحرير الإرادة المُكبَّلة وبناء الأمجاد.
هُنا رنَّ هاتفي فقطعَ سلسلةَ حديثي مع صديقتي، آهٍ إنَّها أمّي التي تريد أنْ تصطحِبَني إلى مجلس عزاء جارتِنا أمِّ الشهيد علي.
قالت: ومن هو علي؟ ولِمَ عليكِ الذهاب؟ 
علي: طالبٌ جامعي، هو من شُهداء فتوى الجهاد الكفائي، شابٌ بذل زهرة عمره وضحى ببريق شبابه لنُكمِلَ حياتنا بأمنٍ وسلام وهناء؛ لذا فإنَّ حضور العزاء، هو أقلُّ وفاءٍ لدماءِ الشهداء.
استويتُ قائمةً وطبعتُ قُبلتي على وجنةِ زميلتي وصديقتي، التي أشرقَ وجهُها وهي تودِّعُني على أملِ أنْ نلتقيَ مرةً أخرى؛ لإكمالِ الحديث عن هؤلاء العُظَماء، الذين قدّموا أنفُسَهم قربانًا لرسالة السماء، ودفاعًا عن المقدسات ورغبةً في أنْ نحيا بسلامٍ وأمان دون ذُلٍ وهوان.
قلتُ لها وأنا أمسك بيدها بحنوٍ ومحبة: ينبغي أنْ أذهب الآن، أيتُها الحبيبة يطولُ الكلام ولا ينتهي الحديث عن هؤلاء الكرام، الذين تدمع عليهم العيون، وتحترق عليهم القلوب بنار الحُزن ، ولكنْ رغم هذا وذاك هم مَدعاة فخرٍ واعتزاز لأهلِهم ولأسرِهم ولأحبتِهم، فهنيئًا لهم الفوز العظيم، رزقنا الله (تعالى) ما رزقهم، وجمع بيننا وبينهم، في جوارِ أحبتِه وسادات خلقه محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.



  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153797
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 04 / 05
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14