اقتربت من بحر التيه أسرابهم، حجبت أشرعتهم السوداء وجه شمسي، تحملها رياح هوجاء بربرية، مهاجرة من بلاد الضغائن..
قالت لي الغربان: يا ولدي انك سترحل
وستهجر حماماتي البيضاء ابراجها
نهبو صولجاني، ثم نصبوا فوق قلاعي أعمدة المشانق
قالوا: سنمزق اسمك العتيق ونذروه كالهشيم المحتضر، وسنطعم رافديك أشلاء وجماجم..
فأنبئني ياولدي، هل ستهجرني حقا وترحل..؟
أرحل..!؟ أوَ تراني ارحل..؟ ومنك وجودي يا اصل الوجود..
أرحل..؟
هذا يعني أن يتبدد رسمك من تضاريس ذكرياتي، ثم أتخلى عن ألوان عشقي إياك كي أنساك..
وكيف أنساك..؟! وأنت من ضمّني مهداً، فتقاسمت حروفك أطرافه الأربعة..
ولثمت حبك من صدر الحنية، وأنا أتصفح وجهها الودود، فأراك فيه..
يا وصية، استأمنها والدي يوم ودّعنا، تكبله سلاسل الجبروت، حتى توارى تحت ثراك..!
يا عنفواناً، اشد به أزري، حين ترصدني النوائب..
يا قرص شعير، يطعمني بكرة وعشيا..
ومن مناهل عيناك الزرقاوتين، تستلذ عروقي عذوبة الأيام..
كيف ارحل، وانت أجمل ما خلقه الله فأبدع..؟! حتى وان استترت ملامحك الأزلية خلف اعمدة الظلام الدفين..
انت وان جرحتك اسنة الدخلاء.. لايسلبك هذا شرف الزعامة
يا من رأى فيك العبيد حلم الحرية
يا قلعة الانبياء، ويا عرين الليوث الهاشمية..
فطبْ نفساً يا سيدي وقرّ عيناً، لا تخشَ رحيلي يا سيد أقداري، فأجنحتي تجهل فن التحليق إلا برحاب هواك..
تُبلى الاساطير، وتُملّ الحكايات، وحكايتك يا وطني لا تنتهي أبد الدهور..
حكاية ازهرت على شفتَيّ مخضرةً، ومن بين ركام الخطوب، ورائحة الموت والقنوط، تغنيت بها انشودة اسميتها: أمل...
أنا محتاج الى الأمل.. فتعال نصنعه معاً
انا بعزم ارادتي.. وانت بصبرك ياوطن..
فلن يطول الانتظار.. فلك مع الفتح القريب موعد..
ولغدك شمس لن تغيب..
|