صوت مجلس النواب يوم 18/3/2021، على التعديل الاول لقانون المحكمة الاتحادية ( الامر رقم 30 لسنة 2005 ) وقد تضمن قانون التعديل الغاء ثلاث مواد أساسية من القانون آنف الذكر, وقد شمل التعديل كل من المادة ( 3 و 4 و 7 والبند ثانيا من المادة 6 ) . وقد انصب التعديل على نقاط أساسية أهمها ما يلي :
أولا : ان المحكمة الاتحادية تتكون من رئيس للمحكمة ونائب للرئيس وسبعة أعضاء أصليين من قضاة الصنف الاول الذين لا تقل خدمتهم الفعلية عن ( 15 ) سنة, بالإضافة الى ثلاثة اعضاء احتياط غير متفرغين بالمواصفات نفسها . ويتولى رئيس مجلس القضاء الاعلى ورئيس المحكمة الاتحادية ورئيس جهاز الادعاء العام ورئيس جهاز الاشراف القضائي بالتنسيق مع مجلس قضاء الاقليم, اختيار رئيس المحكمة واعضائها من بين القضاة المرشحين, وترفع اسمائهم الى رئيس الجمهورية لإصدار مرسوم جمهوري بالتعيين خلال مدة أقصاها ( 15 ) يوم من تأريخ اختياره .
ثانيا : تختص المحكمة الاتحادية بالاختصاصات التي نص عليها الدستور في المادة ( 93 ), وتم ذكر الاختصاصات نفسها في تعديل القانون .
ثالثا : يحال الى التقاعد بمرسوم جمهوري, كل من رئيس المحكمة الاتحادية واعضائها بعد اكمالهم ( 72 ) من العمر, استثناء من قانون التقاعد الموحد وباقي القوانين الخاصة بهذا الموضوع . ويحال رئيس واعضاء المحكمة الحاليين الى التقاعد بعد إكمال تشكيل المحكمة وفق المادة ( 3 ) من قانونها المعدل .
رابعا : يؤدي رئيس المحكمة الاتحادية وأعضائها قبل المباشرة بأعمالهم, اليمين الدستورية امام رئيس الجمهورية وفق الصيغة المنصوص عليها في القانون .
خامسا : وقد جاء في التعديل القانوني أيضا : يحفظ في تكوين المحكمة التوازن الدستوري بين مكونات الشعب العراقي . ويكون القانون ساري المفعول الى تأريخ 1/4/2023 .
وهناك العديد من الملاحظات الجديرة بالذكر, التي تسجل على هذا التعديل الذي قام به مجلس النواب , في خطوة يشوبها الكثير من الارباك والتناقضات نتيجة الصراعات السياسية والحزبية البعيدة عن المسار الذي رسمه المشرع الدستوري في النصوص والاحكام الدستورية عام 2005 , والتي تتمتع بالسمو والعلو في هرم التشريعات القانونية وحاكمة على ما سواها من تشريعات و
انظمة وقرارات وغيرها . ولعل من أهم النقاط التي تسجل على هذا التعديل الآتي :
- ان الامر رقم 30 لسنة 2005 الذي تشكلت بموجبه المحكمة الاتحادية العليا, قد صدر من مجلس الوزراء في وقتها, بناءً على المادة 44 من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 . وبعد التصويت على دستور العراق الدائم لسنة 2005م ودخوله حيز التنفيذ, أصبح هو الدستور هو القانون الاسمى والاعلى في العراق وملزما في انحائه كافة بدون استثناء ( المادة 13 / اولا ) . ويجب ان يتم تكييف كل النصوص القانونية المعمول بها وفق أحكامه هذا من جهة, ومن جهة اخرى لا يجوز سن قانون او تشريع يتعارض مع الدستور, ويعد باطلا كل نص قانوني يخالفه أو يتعارض معه ( المادة 13/ ثانيا ) .
- لقد نص دستور العراق لسنة 2005 على المحكمة الاتحادية العليا من حيث التكوين والتشكيل والاختصاصات وطبيعة القرارات في المواد ( 92 و 93 و 94 ) , وأحال المشرع الدستوري الى مجلس النواب سن قانون يحدد وينظم تفاصيل المحكمة الاتحادية من حيث عدد أصناف اعضاء المحكمة ( قضاة, وخبراء فقه اسلامي, وفقهاء القانون ) وطريقة اختيارهم وعمل المحكمة, ويتم التصويت على القانون آنف الذكر بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب .
- ان التعديل الاول الصادر من مجلس النواب على قانون المحكمة الاتحادية ( الامر رقم 30 لسنة 2005 ) هو إجراء يتعارض من حيث الاصل مع المسؤولية الدستورية الأساس التي أوجب الدستور فيها على مجلس النواب سن قانون يحدد وينظم عمل المحكمة الاتحادية وعدد أعضائها وطبيعة أصنافهم وفق الهيئة والتشكيل التي نص عليها الدستور في المادة ( 92 / ثانيا ) . هذا وقد أهمل مجلس النواب هذه المسؤولية الدستورية منذ ان اصبح الدستور نافذا والى الان أي خلال ( 16 ) سنة, بصرف النظر عن الاسباب والمبررات السياسية والحزبية والصراعات الدائرة في الوسط النيابي والسياسي التي جعلته يخالف الدستور ويبتعد عن مسؤوليته بموجب ( المادة 92 ), ويلجا الى تعديل قانونها السابق الذي هو في طبيعته يتعارض مع احكام الدستور من حيث تشكيل المحكمة ومكوناتها وكذلك الاختصاصات الموكلة اليها .
- ان الغاء المادة ( 3 ) من قانون المحكمة (الامر رقم 30 لسنة 2005) , وتشريع مادة بديلة عنها تضمنت ان المحكمة تتكون من : رئيس ونائب للرئيس وسبعة اعضاء من قضاة الصنف الاول . تعد مخالفة دستورية صريحة لنص المادة ( 92 / ثانيا ) من الدستور التي نصت على : تتكون المحكمة الاتحادية من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون , يحدد عددهم وتنظيم طرقة اختيارهم وعمل المحكمة بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب . ولا تتكون من القضاة فقط كما جاء قانون التعديل .
- ان المشرع الدستوري اشترط في التصويت على قانون المحكمة الاتحادية بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب, وذلك لأهمية الدور والموقع الذي تتمركز فيه المحكمة الاتحادية في الحياة السياسية والقانونية ، وهذه الاغلبية الموصوفة التي اشترطها الدستور هي تخص سن القانون وكذلك تنسحب على تعديله ما دام الموضوع الذي ينظمه القانون هو موضوع واحد ومحدد يتعلق بالهيئة القضائية الموسومة بالمحكمة الاتحادية العليا . وقد خالف مجلس النواب هذا الشرط الدستوري عند تعديله قانون المحكمة وتصويته بالأغلبية وليس بأغلبية الثلثين من أعضاءه .
- كان الأحرى بمجلس النواب بل الواجب الدستوري, أن يسلك المسار القانوني والدستوري في تشريعاته وقراراته, بالذات في قضية هي من أهم القضايا ذات الأثر القانوني والسياسي والاجتماعي, المتمثلة بالمحكمة الاتحادية العليا التي تمثل العدالة الدستورية في هيكل الدول . لكن المؤسف حقا أن يسير مجلس النواب في مسار لم يرسمه الدستور والقانون , بل رسمته الصراعات السياسية والخلافات الحزبية وأحيانا الاهواء والمزاجات الشخصية, في تعامله مع مسألة كبيرة وخطيرة وهي تشكيل المحكمة الاتحادية العليا في العراق .
|