عقيدة راسخة، إيمان وتقوى، التزام وانتماء، عناصر كوّنت نفوساً أباة، تضافرت مجتمعة لتكوّن منظومة فداء لأرض المقدسات، وللحفاظ على دين الله تعالى. فما إن أعلن النداء - الإلهيّ المضمون - من قبل المرجعية المعظمة متمثلة بسماحة آية الله العظمى السيّد السيستاني (دام ظله الشريف) بفتوى الدّفاع المقدّس، حتى هبّ الشرفاء للتلبية، إنّه الامتحان وساعة الصفر، إنّه موقف الثبات ونقاء الاعتقاد.
لقد غصت مراكز التطوع بالمنتسبين، وإذا دققنا النظر فيهم ولو كشف لنا الغطاء لرأينا أحباب الله أناساً اصطفاهم، واختارهم للسمو إلى ملكوته، نبحث في صفاتهم المشتركة فنصاب بالذهول، قد نجد طفلاً لم يتجاوز الحلم، وشيخاً تعينه عكازه على المضي، وقد نجد الفقير والغني، والمتعلم والإنسان البسيط كلهم سواء، ندرك تماما أنّ هذا الأمر غير متاح لكل البشر.
نعم الأبواب تفتح للانضمام إلى الركب، ولكن يسبق ذلك تربية نفوس عظيمة وتهذيبها والتهيؤ للنداء، حينها ينادي سيّد الشهداء أصحابه والسائرين على دربه، يقرأ الإخلاص في قلوبهم والخشوع في وجوههم، وتخليهم عن كل شيء في سبيل الله تعالى.. هنا ندرك أن الدرس قد تعمق في النفوس وأثمر، يروق لنا أن نتعمق في تلك النفوس لنصل إلى حقيقة وكنه الإخلاص، ونقف عاجزين.
الحشد منظومة عشق لا مثيل لها، هم فئة مؤمنة أتوا من كل حدب وصوب، وجهوا وجوههم شطر الخلود، فنالوا خير الدنيا والآخرة.
كربلاء اليوم تشبه كربلاء الأمس، تتوالى الأعوام والحقب، ولا يختلف أعداء الله إلا بالشكل، ولكن مضمونهم واحد، شياطين الأرض هم، لكن رجال الحشد أبطال أشاوس يشبهون الأصحاب في الذود عن العقيدة وفي إعلاء كلمة الحق وإزهاق الباطل، هم رجال حسينيّون نشؤوا في مدرسة الحسين (عليه السلام)، نهلوا من معين الشهادة، نالوا أعظم المقامات في تربية النفس وتهذيبها، وها هم يثبتون أنهم جاهزون، تكبر في قلوبهم كربلاء يودون لو أنّهم عاصروا سيّدهم ومولاهم، ولو أتيح لهم ذلك لناصروه، هم صادقون؛ لأنهم لم يتوانوا عن نصرته، فهذا إمام زمانهم (عج) حاضر شاهد على بذلهم، ومهما كثر المعادون لهم ولعقيدتهم، فإن الثبات هو نبراسهم، يرون ما نعجز نحن عن رؤيته، هم يرون بواطن الأشياء في حين أن الحجب أبعدتنا عن تلك الأنوار ولازلنا في طور التهذيب.
لقد تأسوا بالحسين (عليه السلام) فصبروا على يتم أبنائهم من بعدهم، وكأن صوته (عليه السلام) يتردد على مسامعهم: (أنتم أهل للنصر)، لقد اختبرت قلوبكم فوجدتها صابرة، والنصر منكم وإليكم، وأنا بانتظاركم التحقوا بي بعد أن تطهروا الأرض بدمائكم الزكية، وقولوا لأبنائكم: لا تحزنوا، فما عندكم ينفد، وما عند الله باق، إنّه موقف مشرف وحدث استثنائي ظهور الأنصار في إخلاصهم وتفانيهم لإمام زمانهم، الأمر الذي يؤكد بأنّ مهما كان العدو شرساً، فالإيمان هو السلاح الفتّاك، وهذا السلاح لا يمتلكه الأعداء، غاية ما يحصلون عليه أسلحة مدمرة قصيرة المدى؛ لأن مداها لا يصل إلى النفوس والعقيدة القلبية.
إذن هم عاجزون، الهزيمة توقع بهم أينما حلّوا، حساباتهم أخطأت، فنالوا ما يستحقّون، لم يدركوا أن من يقاتلونهم محصنون.. نعم، فكل الأسلحة غير قادرة على اختراق عزيمتهم، فهزموا مقابلهم شر هزيمة.. الحشد المبارك وإن أتته طعنات من الخلف وذلك يثبت أنه في المقدمة، تحية لصمودكم يا من رفعتم راية العز.. هنيئاً لكم ما نلتم.. ايها الشهداء سلام عليكم، وعلى دماء طاهرة رفعتكم قاب عز أو أكثر.
|