• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : روزبة بن خشفوذان (سلمان المحمدي رضوان الله عليه) .
                          • الكاتب : سماهر الخزرجي .

روزبة بن خشفوذان (سلمان المحمدي رضوان الله عليه)

بين المروج الخضراء وأريج الورد، تفتحت عاقلتي ونمت.. كنت كالفراشة أنتقل من غصن لغصن من وردة لوردة، استنشق رياحين الطبيعة.. فقد ولدت لأب من بلاد فارس ومن دهاقينها، وكان من  كبار الزرادشتيين في أصفهان..
كان له نفوذ وسلطة على بعض الفلاحين، فهو يملك بعض المزارع، لذا كنت ما انفك عن التجوال فيها، لكن هذه الحرية لم تدم لي طويلاً، فقد كنت الابن الأثير لأبي، حتى حبسني في البيت كما تحبس الجارية.. كانت الأيام تمر ثقيلة جداً، فلم أكن من قبل قد اعتدت على التقييد..!
فبرقت لي بارقة أمل لأبدد وحشة أيامي، فأصبحت اجتهد في المجوسية حتى صرتُ خادماً  في بيت النار..
مرت الأيام حبلى بالأحداث، وربّ حدث صغير يغير مسار الحياة برمته..!
في يومها أرسلني أبي إلى ضيعة له، وفي طريق رحلتي مررتُ بكنيسة النصارى، فدخلت عليهم، استولت على عاقلتي صلاتهم، فسألتهم عن أصل هذا الدين..؟ 
قالوا: في الشام.
في طريق العودة، كانت نفسي تصارعني في الهرب إلى الشام، فهربت من أبي إلى الشام، حتى قدمت عليها، فدخلت على الأسقف، فتوددت إليه وصرتُ أخدمه، وأتعلم، فقد استمال قلبي بطيب  خلقه..
وما كادت تمر الأيام، حتى فاضت روحه على يدي، بعد أن طلبت منه أن يوصي بي لأحد، فقال: قد هلك الناس، وتركوا دينهم إلا رجلاً بالموصل فالتحق به..
حثثت الخطى، وفي قلبي تتماوج الفرحة، الأرض أطويها بين قدمي جذلاً مسروراً، وكيف لا، وسوف أصفي نفسي من كدورات الدنيا وشوائبها، فما مرّت إلا أيام ولحقت بذلك الرجل، فمكثت معه أياماً استسقي من علومه، فما إن دنا أجله، حتى أوصى بي إلى رجل قال إنه الوحيد الذي بقي على الطريقة المستقيمة في (نصيبين).
ثم مكثتُ عنده سنيناً حتى احتضر، فبعثني إلى رجل بعمورية من أرض الروم، فلحقته، وكنت كالفصيل اتبعه باحثاً عن دين الحق، فلما حضرته الوفاة كالذين سبقوه، طلبت منه أن يوصي بي من هو على الحق لأتبعه، فكان لي ناصحاً أميناً، فأشار لي بإصبعه المرتجف:
هناك في أرض العرب تزهر الأرض بنبي مبعوث بدين إبراهيم، فيهاجر إلى أرض بين حرتين لها نخل، فرحتُ أسأله بلهفة: فما علامته؟
فأجابني وهو يباعد بين أجفانه التي تكاد أن تنطبقا على هذه الدنيا: يأكل الهدية، ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة.
فرحتُ أشد الرحال شوقاً، فمر بي ركب من قبيلة كلب فخرجت معهم، كنت فيهم كأحدهم، فما إن وصلنا وادي القرى حتى غدروا بي فباعوني إلى يهودي، فبقيت نيراً من الزمن تحت رق العبودية أعمل فى زرعه ونخله..!
كثيراً ما تأتي النعمة مغلفة بالبلاء، فما أكرم عطايا الرب، فما مرت أيام إلا وأقبل ابن عمّ له فابتاعني منه، وحملني إلى المدينة، هناك حيث يسكن النبي المبعوث، فصرت أتحين الفرص للقياه، وأناجي الرب ليعجل لي اللقاء به، فما لهذا القلب من قرار، حتى لقيته ذات يوم مع أصحابه جالساً، خامرني شعور غريب، مزيج من الفرح والهيبة التي ملأت نفسي من رؤيته، فرحتُ مهرولاً أحمل بيدي طبقاً من رطبٍ على أنها صدقة، كنت أرقب بدقة تصرفاته، فرأيته قد أمرَ أصحابه بأن يأكلوا ولم يأكل هو؛ لأنها كانت صدقة، فقلت في نفسي: لقد تحققت واحدة من العلامات، كان ذلك في قباء.
توالت الأيام وقلبي لا يسكن من وجد شوقي له، حتى لقيته في المدينة، وقدمت له رطباً على أنها هدية، فأكل منه، اغرورقت عيناي بالدموع، فبعد رحلاتي الطويلة سأحظى برفقة النبي المبعوث.
 وشاءت الأقدار أن ألتقي به في بقيع الغرقد، وهو يشيّع أحد اصحابه، سلمت عليه واستدرت خلفه، فرأيت ختم النبوة بين كتفيه الشريفتين، لا أعلم كم من الوقت مضى وأنا منكب عليه وأقبله وأبكي، إنه كان أشد شوقاً لي مني، فكانت تلك اللحظة هي بداية ولادتي حيث أسلمت علي يديه، واشتراني من صاحبي فأعتقني.. وصرت سلمان المحمدي لشدة تعلقي بمحمد وآله الطيبين الطاهرين، حيث منحني النبي الأكرم (ص) وسام الفخر الأبدي: (سلمان منا أهل البيت)(1).
الأيام عذبة رقيقة كنسمة هواء رغم قساوة العيش وشظف الحياة، إلا أن مرافقتهم ومجاورة أهل البيت (عليهم السلام) تبدد كل تلك الغيوم القاتمة المحملة بالأرزاء...
لقد قرب موعد الرحيل، ولقد تزودت لها -فخير الزاد التقوى- فشددت رحالي ورحتُ أحثُ الخطى للحبيب في عليائه، كما حثثت الخطى سابقاً للقياه...
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كشف الغمة: ج1/ ص395.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=153343
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13