• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : النجف الأشرف آخر قلاع الروحانية التوحيدية .
                          • الكاتب : د . علي المؤيد .

النجف الأشرف آخر قلاع الروحانية التوحيدية

عالمنا اليوم غارق بالتنوع و التعدد في الأمزجة و الاتجاهات والميول والمعتقدات، ولكنه يشترك بسمة وصبغة عامة وغالبة هي السمة المادية للحياة.

عالمنا مهووس بالمظاهر و البهرجة والمأسسة، والسلطة والسيطرة والتحكم، والثروة والقوة والشهرة، والسياسة والسلاح والنفوذ، والتكنولوجيا والتقنيات والإعلام، والعظمة والفخامة والتفوق.

المعايير والمقاييس والانطباعات، والمستويات والفوارق والتمايزات، كلها تبدأ بالمادة وتمر بها وتنتهي إليها.

الأهم في عالمنا اليوم هو ما تملكه من أرصدة ونفوذ وسلطة مادية تمكنك من البقاء والتفوق والتحكم بالآخرين قبل التحاور والتفاهم والتعايش معهم وفق مبادئ سامية أو غايات نبيلة أو أخلاقيات فاضلة.

إن الأديان السماوية وغير السماوية، الملل والنحل العديدة وقعت بطريقة وأخرى في شباك عالمنا المادي فبدأت تكيف نفسها وفق متطلبات عصرها من حيث العمارة والمظهر، أو المأسسة والنظام، كما الخطاب والحركة. ففقدت بذلك شطرا كبيرا من قنوات تغذية المجتمعات البشرية روحيا، لأنها أصبحت تشابههم في الشكل والمحتوى، مع تدني قدراتها على معالجة الخواء والفراغ الروحي والمعنوي لمعتنقي مبادئها و تعليماتها.

لا يختلف اثنان ان البشرية اليوم بحاجة إلى إعادة التوازن الروحي والنفسي والمعنوي من خلال جرعات بصرية وسمعية، ملموسة ومحسوسة، تعيد لذاكرتها إمكانية الجمع بين المادة والمعنى في إطار واحد ومتعادل ومعتدل.

البشرية اليوم بحاجة إلى أمثلة ونماذج حية ومتوفرة تستمد منها عالم المعنى المفقود والمحصور في أسطر الكتب وسرديات التاريخ وحكايات الماضي؛ أمثلة تبرهن على إمكانية أن تكون الكلمة نافذة ومؤثرة لا من خلال المادة فحسب بل من خلال الواقع الممزوج بالمعاني الصادقة والمظاهر السامية البسيطة القريبة إلى القلب والروح والنفس.

كثرت الانتقادات التي وجهت للنجف الأشرف يوم زارها البابا فرنسيس، في أنها استقبلت الرجل الأول في الفاتيكان ببساطة مفرطة ومظاهر غارقة في الزهد، بعيدا عن مستلزمات الاستقبال الفاخر المعتاد للقادة العظماء ورؤساء الدول والملل.

كما انتقدت النجف في أنها لم تلجأ كما ينبغي لاستثمار الحدث إعلاميا لإظهار القوة والمكنة والسلطة التي تمتلكها في التأثير على أتباعها.

كل ذلك وغيره من الانتقادات لم تلقى ردا أو دفاعا أو توضيحا من النجف الأشرف كما كان يتوقع منها، بل جاء الرد سريعا ومن دون توقع من طائرة البابا العائدة إلى فاتيكان في قوله إن “السيستاني نور ولقد أفادني روحيا، إنه رجل الله، وجدت رجلا عظيما وحكيما وحليما ومتواضعا ومحترما هناك“.

هكذا وصف البابا فرنسيس لقائه بالسيد السيستاني في جملته العميقة (لقد أفادني روحيا)، ليفك بوضوح ألغاز بساطة المظهر ونفوذ الكلمة لدى الرجل الروحاني الأول في عالمنا المادي، كما أسباب ابتعاده عن وسائلنا وأدواتنا المعتادة للترويج والتسويق الشخصي والمؤسسي.

السيد السيستاني برهن في لقائه مع البابا أن النجف الأشرف تحمل بقايا الروحانية التوحيدية في العالم لتكون آخر قلاعها وخزينها الأول.

لقاء النجف الأشرف دل على إمكانية الجمع بين المادة والمعنى، الزهد والنفوذ، البساطة وسلطة الكلمة، وإمكانية إعادة التوازن للحياة البشرية مرة أخرى ومن دون مستلزمات و تشريفات و مبالغات و مقدمات غارقة في التنظيم والتحضير.

إن رسالة النجف الأشرف الروحية للعالم يجب دراستها والحفاظ عليها وبلورتها، لتكون منارا حاضرا ومتجسدا لمن يبحث عن المعنى والروحانية والسكينة قبل المادة وتعقيداتها و متعلقاتها.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=152923
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2021 / 03 / 10
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12