وردتني مساء هذا اليوم رسالة من أحد الأصدقاء المحترمين يعرض فيها معاناة الناس من جرّاء انعدام الكهرباء في البلاد ، فكتبتُ له هذه الأسطر جواباً على رسالته الكريمة ،وأنقلها هنا مع إجراء بعض التعديلات غير الجوهرية :ـ
هل تقدر أن تنسى الكهرباء؟ بالتأكيد سيكون جوابك النفي . قد يكون نسيان الكهرباء أقل كلفة من النفي ،والعاقل يسعى لتحقيق الأشياء الأقل كلفة .
رب سؤال يثور : هل يستطيع الإنسان أن يموت باختياره (ليس الانتحار؛وإنما الموت بالاختيار) سيكون الجواب النفي أيضاً ،ولو علم المجيب أنّ كلفة الموت بالاختيار لا تساوي شيئاً أمام كلفة النفي ، لآثر الموت باختياره على البقاء مع النفي !!
قد يكون السبب باستمرار انقطاع الكهرباء هو الحديث المستمر عن انقطاع الكهرباء !!
وقد نكون بحاجة أن نكفر بجميع الأرباب التي نصبناها لأنفسنا حتى لا نعبدها من دون الله !
رُبّ سائل يسأل ما علاقة الحديث عن الكهرباء بموضوع العبادة ؟
سيكون جوابي حينئذٍ مبنيٌّ على فكرة أنّ العبادة تعني الامتثال لأوامر المعبود ،ولا فرق في أن يكون هذا المعبود هو معبود حق ، أو معبود باطل .ولذا نجد أن الله ينهى بني آدم من عبادة الشيطان ،كما في سورة يس ( ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان) .
إذن ملاك العبادة هو الامتثال للمعبود والإذعان له والتصديق بوعوده .
نحن صدقنا، أو قل عشنا حلماً أننا سنرى (الكهرباء) قبل رحيلنا عن هذه الدنيا ،فتصديقنا هذا امتثال وإذعان ،وتلك هي العبادة ، أو ضربٌ من ضروبها !
يتحدث القرآن عن عبادة بني الإنسان لشيء اسمه الوثن ، والوثن هذا هو فكرة تستقرُّ في الأذهان ، وقد يكون الوثن من صنعنا نحن ، أو من صنع غيرنا .
يقول الحق تعالى : {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }العنكبوت17.
انظر إلى لفظة ( إفكاً) .. الإفك غير الكذب ، الإفك هو مقلوب الحقيقة . عبادة الوثن (الامتثال له والتصديق به والإذعان إليه) تساعد على خلق الإفك ابتغاء رزق يتخيل حصوله عابد الوثن من هذا المعبود الباطل !
هذا القول في هذه الآية هو قول أبينا إبراهيم صلى الله عليه وآله لقومه عبّاد الفكرة الخاطئة التي هي الوثن ، ذلك المعبود الذي جعلهم يصدقون بشيء آخر عملته أيديهم وهو الصنم ، فالأصنام هي وليدة الوثن وليس العكس ، على اعتبار أنّ الوثن معبود ذهني ؛ إنه فكرة ، ثقافة ، آيديولوجيات ، والصنم معبود حسي خارجي .
قد يكون انقطاع الكهرباء امتحان عسير لنا ، هل نعبد الله ، أم نعبد الكهرباء ؟!
ليس أمامنا طريق إلاّ الكفر بعبادة الوثن الجديد ،وأعني به الكهرباء !!
كيف نكفر بالكهرباء ؟
سؤال يبحث عن إجابة ،والإجابة تكون :فلننسى الكهرباء أنها تأتينا يوماً ، فشكراً لوزارة /وزراء الكهرباء .. |