نعيش أمام ثلاثة مراحل :
المرحلة الأولى : مرحلة التطبيع
التطبيع مع من ؟ وكيف وصلنا إلى هذه الحالة ؟
في الحقيقة إن الوصول إلى هذه المرحلة سبقتها خطوات ، ولم تأتِ عن فراغ ، وهذه الخطوات كانت مدروسة .
الخطوة الأولى : خطوة التجويع
إن هناك خطة لتجويعك ، من خلال الحصار الاقتصادي عليك ، وشل الحياة الاقتصادية التي تمتلكها وبكل مرافقها ( الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية ) مشكلة الرواتب ، والعجز المالي ، والأزمة الاقتصادية، ورفع سعر الدولار ،ومقابلها محاولة تخفيض رواتب الموظفين ، أو تأخيرها ، وتلويح الدولة لعجزها عن دفع الرواتب ، كل ذلك مخطط مدروس لخطوات خطيرة تأتي بعدها ، ومحاولة جعلك مشلولا ً اقتصاديات ، حتى تستعطي الآخرين ، وترجو فتاتهم .
الخطوة الثانية : خطوة التشبيع
بعد أن تصل لحالة من الجوع ، وتعيش على مائدة الآخرين، وتستعطي منهم ، فلكي تنهض فالدول العظمى لا تعطيك المال للنهوض لكي تبني وتستقل باقتصادك إلا بشروطٍ وقيود واتفاقيات تجعلك مقيداً بها وتدور في فلكها وربطك بها كما تريد ، حتى لا تقترض إلا منها ، ولا تأتي بالمشاريع إلا منها ، والمواد الأولية إلا منها ، فهي الوصية عليك .
وبنفس الوقت أنت تكون سوق لمنتجاتها .
وهذه الخطوة خطوة التشبيع ، التشبيع بكل النواحي حتى توصلك للتخمة فإذا اتخمتك ، انتقلت إلى الخطوة الثالثة .
الخطوة الثالثة : خطوة التمييع
بأن تجعل شبابك مائع وشعباً مائعاً تستذلهُ الشهوات ، يفكر في اللهو والمخدرات والاباحيات والسفرات والاكلات والقنوات والمسابقات والشعريات والغراميات ، والمسلسلات والمباريات ، فتتحول الأمة إلا إمعة ، امةٌ مقلدة وتابعة ، ويتحول الكثير الكثير منها إلى ببغاوات يردد الكلمات ويقلد الحركات ويتكلم بنفس الألفاظ والمصطلحات .
المرحلة الثانية : مرحلة التضييع
ولها شكلان
الشكل الأول : تضييع الجهود
جهود المقاومة لكل أشكال الغزو ، الغزو الفكري الغزو العقائدي ، الغزو العسكري ،
مثال تضييع الجهود الفكرية لعلمائنا المسلمين الذين قدموا الفكر للبشرية وعلى ضوء نظرياتهم في شتى العلوم قامت الحضارة الغربية الآن .
ومثال تضييع جهود علماء المذهب في تصديهم للغزو العقائدي ، هي حملات التسقيط والتشويه وإثارة الشبهات عليهم ، وكانما هم من أسقط المذهب وخرب عقيدة الناس .
ومثال تضييع جهود المجاهدين في التصدي للغزو العسكري .
المقاومة السنية ( حركة حماس وحركة الجهاد ) في تضييع جهودهم وتسقيطهم
والمقاومة الشيعية ( حزب الله والحشد الشعبي ) في تضييع جهودهم كذلك وتسقيطهم ، وتشويه صورتهم ، كأنهم لم يقدموا شهداء ، ولم يتركوا ارامل وايتام ، ولم يكن هناك معاقين ، ولم يحفظوا المقدسات والاعراض .
الشكل الثاني : تضييع الهوية
تضييع الهوية الإسلامية ، والهوية العقائدية الشيعية ، والهوية العربية
المرحلة الثالثة : مرحلة التركيع
فإذا تمت المرحلة الأولى بكل خطواتها الثلاثة ( خطوة التجويع وخطوة التشبيع وخطوة التمييع ) وكذلك المرحلة الثانية بشكليها ( الشكل الأول : تضييع الجهود ، والشكل الثاني : تضييع الهوية ) فقد سهل الأمر على تطبيق المرحلة الثالثة وهي التركيع .
فالان أصبح الشعب مطيةً طيعةً في أيديهم يسيره التقريع ، وهو متذللٌ مطيع .
ولا ينفع هاهنا الترقيع بين الجمع ما بقي من حضارتك ، وما تستورده من الحضارة المهيمنة ، لأن الشعب أصبح كالغراب لم يحتفظ بمشيته الأصلية، ولا قلد العصفور الذي هو أصغر منه في كل شيء في مشيته .
وقد استطاع العصفور أن ينتزع الشعب من أصله ، وابعده عن حقيقته ، فاضاع المشيتين .
لكن سؤال يطرحُ نفسه في ساحة البحث ماذا بعد التطبيع ؟
|