• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : قراءة في كتاب .
                    • الموضوع : قراءة في رواية ( الفتيت المبعثر ) للروائي محسن الرملي .
                          • الكاتب : جمعة عبد الله .

قراءة في رواية ( الفتيت المبعثر ) للروائي محسن الرملي

الروائي يخوض في واقعية التفاصيل الدقيقة في عمق المأساة العراقية في زمن الدكتاتورية . يتناول جوانبها المتعددة , وهي بمثابة شظايا حارقة تحرق من تقع عليه , من كل جانب وصوب , منها القضايا الاجتماعية والسياسية , التي تحرث في تخريب العائلة العراقية والشخصية العراقية , وتتطرق بالتفاصيل الى سلوكية قائد النظام ونهج سلطته في البطش والتنكيل بالرأي السياسي المعارض , ويتناول هوس النظام المجنون في اشعال الحروب الكارثية . كما يسلط على الدعاية الترويجية لقائد النظام بالمدح بالعظمة والتمجيد في مبدأ ( أذا قال صدام قال العراق ) ومسألة غسل الادمغة لتكون جاهزة لمحرقة الحرب , أوالدفاع عن القائد ببغاء ورعونة , بأن الكوارث التي تحدث وتعمق الجرح العراقي , تصبح مادة تهريجية بزعم انها انتصارات لم يشهد لها تاريخ العراق من قبل , وتحليل النص الروائي وتشخيص رؤيته ومنطلقاته الفكرية, في محاور احداث النص الروائي , هو عائلة ( الحاج عجيل ) واولاده السبعة , هذه العائلة هي نموذج لعائلة العراق الكبيرة , التي ترسخ تحت رحمة حكم دموي بوحشية بشعة .وبكل تأكيد ان شخصية المؤلف تتستر خلف شخصية السارد أو الراوي لحكايات التراجيدية العراقية . واستطاع ان يهرب من العراق حتى وصل الى اسبانيا , لكن ظل يحمل هاجس العراق في صدره وقلبه . يريد ان يحكي هذه المأساة لكي يطلع عليها الرأي العام ولكن ( لمن سأحكي , مادام الناس هنا في مدريد لايعرفون شيئاً عن هذا الذي اقوله ؟ وخاصة أنه كلام لا يتعلق بكرة القدم , أو مصارعة الثيران , أو حتى فضائح الممثلات , ولكن لابد لي من استعادة وجه عمتي على الاقل ) ص9 . ولا يمكن ان يفصح عن الذين يساقون الى طاحونة الحرب , ولا عن زنزانات التعذيب وموت واعدام السجناء , حكايات حزينة ومريرة يقودها القائد الارعن . يسوق المتن الروائي بلغة سردية سلسة وجذابة تشد القارئ الى احداثها المؤلمة , في مقدمة الرواية . كتب أهداء الى شقيقه الشهيد حسن مطلك , الذي اعدمه النظام بذريعة اشتراكه في المحاولة الانقلابية ضد رأس النظام . وكان الراحل من الأدباء الشباب الطموحين والمبدعين , ويملك طموح وشجاعة متفانية بالوطنية , جاء في الاهداء : . . الى روح شقيقي حسن مطلك . لانه ....... بعض هذا الفتيت المبعثر .

ومما هو جدير بالذكر بأن الرواية حازت على جائزة أركنسا الامريكية عام 2002 . والخوض في تفاصيل المتن الروائي لابد التعريج على الشخوص المحورية في الرواية , وهم اولاد ( الحاج عجيل ) :

× شخصية محمود : الشاب المنسي المنطوي على نفسه , ولا يعني شيئاً , سواء كان موجوداً أو غير موجود . هرب عن طريق شمال العراق حتى وصل الى اسبانيا وضاعت اخباره .

× شخصية أحمد : التلميذ الجاد والمثابر في مواصلة دراساته , حتى اصبح قاضياً وحاول تطبيق عدالة القانون , في بلد تغيب فيه العدالة والقانون , لذلك سجن واعدم بعد ذلك .

× شخصية الفنان والرسام قاسم : مثابر في أشكال الفن والخط العربي والرسم . يدرك بوعي ناضج حقيقة الدكتاتورية وارهابها المتسلط , ويكره القائد المجنون بالارهاب والحروب , يرسم كل شيء موجود حوله , الطبيعة , اهل القرية , السجناء . عمته ( وردة ) التي يعتبرها أجمل مرأة في القرية , بل اجمل مرأة في العالم , وحتى رسم الحمار الذي يطلق عليه أسم السابع , إلا رسم صورة القائد , لانه يكرهه ولايطيق نظامه الدكتاتوري , رغم الترهيب والتهديد . وحتى والده يضغط عليه بقوة واجبار , ان يرسم صورة القائد الذي يمجده بالعظمة والتبجيل , لانه قائد وطني عظيم . ويعتبر حب الوطن من حب القائد . . يحاول في كل وسيلة ضاغطة ان يجبر ابنه ( قاسم ) ان يرسم صورة القائد . بدعوى انه رسم كل شيء حتى الحمار السابع ( ولكنك رسمت كل شيء , حتى السابع ) ص47 . يجيبه بأنه حاول عدة مرات ففشل بذلك , لانه لا يحمل قناعة نفسية بالقائد , ويغضب الاب ويزمجر بالسخط والوعيد , بأنه لا يحب الوطن , لان حب الوطن من حب القائد , يثني على يد ابيه ويقبلها باحترام ( - لا يا أبي . لا تظلمني . أقسم لك . أنني احب بلدي مثل حبك له . مثل حب جدي , لكنني أكره هذا الرجل ) ص48 . فيصرخ به غاضباً وهو يشير الى زوجة ابنه ( أسمعتِ يقصد القائد , وما الفرق ؟ القائد هو الوطن والوطن هو القائد ) ص48 . ويظل مصراً على موقفه بعدم رسم صورة القائد . يزج بالسجن وبعد ذلك يعدم . أن شخصية ( قاسم ) تتقاسم مع شخصية الشهيد الراحل حسن مطلك . من حيث الجرأة وبالغض ورفض الدكتاتورية , والرأي الصريح والشجاع , وبالتالي الاثنان نالهما عقاب السجن ثم الاعدام .

× شخصية العمة ( وردة ) تمثل شجاعة المرأة العراقية في الطرح الرأي وكرهها للنظام والقائد , وتعتبره مجرم . هو الذي بعثر شمل العائلات بالتشتت والمنافي . وكانت تحترم سلوك ( قاسم ) ابن شقيقها , وهذا يصرح لها برأيه بكل حرية ويقول لها ( - أنه كائن دموي يا وردة , يعني حنفيش , سيهلكنا )ص59 . بالضبط مثل ماجاء بالاشارات الرمزية في رواية ( دابادا ) للشهيد حسن مطلك . بأن هذا الدكتاتور مثل القنفذ في ابره الجارحة والدامية ( القنفذ موجود على الرغم من أنوفنا , نجده متكور , اشواكه في كل الجهات والارض كروية , الحياة من كل الجهات . اذا مد يدك الى القنفذ , من أية جهة تشاء , قد تقطع اصبعك على الرأس , أو على الفم تحديداً , قد تقع على البطن او المؤخرة ) ص13 . وفي نهاية المطاف تتزوج ( وردة ) وتتمنى ان تنجب اولاد تسميهم كلهم بأسم قاسم .

× شخصية سعدي : الشاذ جنسياً , عندما يطلب رأيه بأي شيء كان ومهما كان , يقول هذا حلو أو غير حلو , ويعتبر الحرب ( مو حلوه ) ويهرب من الجيش ويقول ( الجيش لا يعجبني والحرب ليست حلوه ) ص36 . ولكن بعد فترة من الزمن من غيابه يظهر في وسائل الاعلام والتلفزيون , يحمل لقب : رئيس أحباب القائد .

× شخصيات الاخوة الاخرين , يجندون بالحرب ويرجعون توابيت . عبدالواحد . أحمد , حتى عبود المجنون . مما يشعر الاب ( الحاج عجيل ) بالحزن والاحباط والخيبة من القائد , ويتحول الحب العظيم للقائد , الى كره وبغض وحقد .

نتيجة استمراية محرقة الحرب دون ان تتوقف , وبحاجة الى وقود دائم , قرر القائد اصدار قرار ( عفاء السجناء العسكريين من العقوبة واعادتهم الى وحداتهم , واعفاء السجناء السياسيين من الحياة واعادتهم الى بطن أمهم الارض ) ص71 .

وكذلك اجبار العوائل التي اعدمت فلذات اكبادهم . ان يدفعوا ثمن الرصاصات التي قتلتهم , وكذلك دفع اثمان تكاليف حبال المشانق , التي تم استيرادها وكلفت الدولة بالعملة الصعبة .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=150664
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 12 / 12
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14