أحياناً تُستنسخ بعض الصور لوقائع تاريخية لوجود جهة ما للتشابه ، أو ربما في أكثر من جهة
فتراها تتكرر بين فترةٍ وأخرى
لكن المسميات تتغير ، وإلا الطبيعة البشرية هي نفس الطبيعة .
لذلك نرى القرآن الكريم يتحدث عن قصص الأقوام الغابرة لأخذ العبرة منها ، لأن الدنيا نفس الدنيا ، والمناصب نفس المناصب ،
والصراع نفس الصراع بين الخير والشر ، والحق والباطل ، والنزعات الإنسانية نفس النزعات ، وإن اختلفت الثقافات ، وتغيرت العادات أو التقاليد .
فالإنسان هو نفسه الإنسان سوى كان في زمن آدم أم في زماننا
فأول صراع بين الحق والباطل ، والخير والشر كان بين ولدي آدم ( هابيل وقابيل )
والذي أدى إلى هذه الجريمة البشعة هي نوازع الشر التي هيمنت على نفسية ( قابيل ) فاقدم على قتل أخيه ، كما يحدثنا القرآن في تفاصيل تلك الحادثة حيث يقول :{۞ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ 27 لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ ۖ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ 28 إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ :29 فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ 30فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ} [المائدة :[31
وربما يحدثنا القرآن على ما هو أبعد من ذلك ، حيث يبين الصورة النوعية للإنسان ويكشف عن حقيقته في دار الدنيا ، وأنه غداً في ساحة المحشر سوف يُحشر على هذه الصورة .
وأكثر أمة ذكرها لنا القرآن الكريم ، وكرر ذكرها هي أمة بني إسرائيل وذلك لكثرة ما فيها من تمرد وعناد ومخالفات لأوامر السماء وفيها التلون والتملق والمساومة ، وقلب الحقائق ، والمناورة ، ومحاولة الحصول على المصلحة الذاتية والمؤقتة على حساب الكرامة .
فإذا أردنا نموذج لأغلب الأمراض الاجتماعية فالنموذج الواضح هو بنو اسرائيل .
فنرى قصة نبي الله موسى تتكرر في أكثر من سورة قرآنية لتنقل لنا صورة ما عن هذه الأمة وتسلط الضوء على انحراف هنا، أو سلبية هناك ، ومشهد يعبر عن حقيقة ما .
وموقف آخر يغوص في أبعاد هذه النفس ليضع اليد على الداء ويشخصه بدقة متناهية .
وبعد ذلك يعطينا الدواء الناجع لذلك المرض .
ومن الحقائق التي يذكرها القرآن الكريم عن هذه الأمة ، هي العقوبة لأصناف منهم بأن جعل عقوبة المسخ على صورة بعض الحيوانات أو كما ذكرنا بالصورة النوعية ، حيث يقول تعالى : {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة : 65]
وكذلك قوله تعالى : {فَلَمَّا عَتَوْا عَن مَّا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف : 166]
وقال تعالى : {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ مِّن ذَٰلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللَّهِ ۚ مَن لَّعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ ۚ أُولَٰئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة : 60]
والغاية من ذكر وسرد قصص بني إسرائيل هي الحذر من السير على خطاهم فتكون النتيجة نفس النتيجة .
وإن كان أكرم الله هذه الأمة بعدم وجود عقوبة المسخ ، لكن الآية الاخيرة ذكرت ثلاث عقوبات .
العقوبة الأولى : المسخ إلى قردة وقد ذيلت الآية 65 من سورة البقرة ، والآية الأخرى 166 من سورة الأعراف بوصف القردة أنهم خاسئين . لنكتة تقابل ذلك العناد والعتو .
العقوبة الثانية : المسخ إلى خنزير ولا تحتاج للتذييل لأنه حيوان يفتقر إلى النظافة وهو محتقر .
العقوبة الثالثة : عبدة الطاغوت
وهذه العقوبة ليست مسخاً ، لكن قابلة للإستنساخ ، وهذا ما نراه في واقعنا في المشهد العراقي ، فكم ناس تعبد هذه الطواغيت، من رؤوساء أحزاب ورؤساء الكتل ، وكم جربناهم من السقوط إلى الآن مانفعوا هذا الشعب ، وكم قالت المرجعية ( المجرب لا يُجرب )
فهؤلاء الذين يعبدون الطواغيت ، أما آن لهم أن يرجعو إلى القرآن الكريم ليشفيهم من مرضهم هذا، أما آن لهم أن يلتزمو بكلام المرجعية .
أما آن للقلوب أن تستيقظ من نوم الغفلة .
أما آن للعيون أن ترفع عنها هذه الغشاوة .
أما آن لتلك الأسماع أن تُصغي للموعظة .
قبل أن يعقبهم الله بعقوبة المسخ القلبي للقردة والخنازير .
فيُختم لهم بسوء العاقبة .
والحمد لله رب العالمين .
|