كشفت وثيقة رسمية صادرة عن وزارة النقل، مفاتحة الجانب الصيني للاستعلام عن موقف الصين فيما يتعلق برغبتها بانشاء ميناء الفاو، وذلك بعد تعرقل المفاوضات بين الجانب العراقي والكوري المشرف على تنفيذ المشروع، فيما أكدت لجنة الخدمات النيابية، الاثنين، ان وزارة النقل ستوقع عقود مشروعي ميناء الفاو الكبير والقطار المعلق في بغداد، عادة المشروعين بانهما الاكبر في البلاد.
وفاتح العراق رسميا الصين حول امكانية تنفيذ ميناء الفاو الكبير من قبل الشركة الصينية Cmec التي سبق وان قدمت عرضا لانشاء ميناء الفاو الكبير عام ٢٠١١.
وقال الخبير النفطي نبيل المرسومي إن “العرض الصيني قائم على طريقة تسليم المفتاح وبكلفة ٦ مليارات دولار تدفع على شكل نفط خام بعد ٦ سنوات من افتتاح الميناء وبسعر يوم التحميل علما ان سعر الفائدة لتي طلبتها الشركة الصينية هي واحد بالالف وضمان سيادي من وزارة المالية ويكون العمل وفق التصميم الايطالي”.
ومن مميزات العرض الصيني أنه اعطى الحق للعراق ان “يقوم بتعيين شركة استشارية عالمية لمراقبة التنفيذ”، وبين المرسومي أنه “مع ان العرض قد تم رفضه آنذاك من قبل الجانب العراقي، إلا ان الشركة الصينية على استعداد لتجديد العرض مرة اخرى”، معتبرا انه “عرض مثالي بالنسبة للعراق الذي يعاني حاليا من ازمة مالية خانقة ومن ثم فإن القبول بالعرض الصيني من شأنه ان يوفر للعراق نحو نصف مليار دولار كان يتوجب دفعها الى شركة دايو الكورية للبدء في تنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير”.
من جانبه قال عضو لجنة الخدمات النيابية مضر السلمان، يوم الاثنين، إن “الفترة المقبلة ستشهد توقيع عقد أكبر مشروعين في العراق، وهما مشروع القطار المعلق الذي ستكون له بصمة في العاصمة بغداد، وميناء الفاو الكبير”، مضيفا أن “هنالك شركة فرنسية قدمت على مشروع القطار المعلق منذ فترة، وتمت دراسة المخططات، وآلية الدفع والبناء والإنشاء مع وزارة النقل”، مؤكدا أنه “تمت المباشرة بإعداد الإحالة إلى هذه الشركة”.
وأشار إلى أن “مواقف وزارة النقل جيدة، من خلال الإصرار و المضي في هذين المشروعين المهمين”، موضحا أن “نتائج التفاوض ستكون إيجابية في مجال توقيع العقد خلال الايام القليلة القادمة”، مبيناً أن “الأموال المرصودة للمشروع، ستتم من خلال القرض الفرنسي، الذي تم عرضه على العراق “.
في سياق متصل ذكر وزير النقل ناصر حسين بندر الشبلي، إن “وزارة النقل لا تزال مستمرة في التفاوض مع شركة دايو الكورية”، لافتا إلى ” وجود خلاف مع الشركة الكورية بشأن المبالغ والمدة”، مضيفا أنه “وزارة النقل لديها خط ثان للتباحث مع شركة صينية، والأسبوع المقبل سيشهد حسم القرار على أيهما يجري التوقيع لتنفيذ مشروع ميناء الفاو الكبير”.
من جانب آخر أكد الشبلي أن “الترانزيت في قيد الدراسة ،وتم عقد اجتماع بشأن هذا الموضوع، وأنه سيتم عقد اجتماع آخر لتحديد وقت المباشرة بالترانزيت، والأجور الخاصة به”.
أما عضو لجنة الخدمات النائب برهان المعموري، بدوره قال ان “هناك قناعات نيابية ان الشركة الكورية يجب ان تمضي باكمال مشروع ميناء الفاو الكبير”، عادا ان المماطلة والترويج للاستعانة ببعض الشركات الصينية سيعيدنا الى المربع الاول على غرار السنوات السابقة التي حفلت بعدم وجود ارادة حكومية وسياسية لاكمال هذا المشروع الحيوي “.
واضاف ” لدينـا اجتماعات نيابية مستمرة مع وزارة النقل وتم تكليف ممثل قانوني من قبل مجلس النواب للتنسيق مع الوزارة لمتابعة التفاوض مع الشركة الكورية “، مبينا ان ” شركة دايو بامكانها اكمال مشروع ميناء الفاو وهناك بعض المبالغ تمت اضافتها للعقد ، لذلك خلال استمرار التفاوض مع الشركة الكورية سيتم حل الخلافات الجزئية البسيطة “.
إلى ذلك دعت النائبة عالية نصيف منظمات المجتمع المدني والمثقفين والأكاديميين الى دعم فكرة إحالة مشروع ميناء الفاو الكبير الى شركة صينية بدلاً من دايو الكورية، نظراً للمميزات التي تتفوق فيها الشركة الصينية على الكورية من حيث النوع والجودة وسرعة الإنجاز وانخفاض التكاليف.
من يعرقل مشروع ميناء الفاو؟
“خور عبدالله” عبارة عن ممر مائي يفصل بين ميناءي “مبارك الكبير الكويتي” و”الفاو الكبير العراقي”، واتفاق “خور عبدالله” وُقع بين البلدين عام 2012 والذي صدّق عليه العراق عام 2013، خرجت أصوات برلمانية من بغداد مؤخراً تطالب بإلغائه بسبب ضيق القناة الخاصة به؟
الاتفاق قسّم القناة ما بين جزيرتي “وربة” و”بوبيان” الكويتيتين، وشبه جزيرة “الفاو”، وتمتد إلى داخل الأراضي العراقية لتشكل “خور الزبير” والذي يقع فيه ميناء “أم قصر”.
وبحسب إدعاء الكاتب والباحث العراقي علاء اللامي، فإن “ميناء الفاو” سيكون تحت رحمة ميناء مبارك الكبير والذي سيهدد بإغلاق الممر المائي المؤدي إليه أو إعاقة الممر فيه. وللتدليل على حجته تلك أرفق خريطة ملونه من الجو تظهر فيها المياه العميقة في الخور باللون الأزرق وتتبع الكويت، بينما المياه الضحلة باللون الأبيض تتبع العراق!
وإمعاناً في التضليل، وزيادة في تشويه الحقائق، دعا إلى إطلاق “مشروع الجزيرة الصخرية” وإدماجه مع “مشروع ميناء الفاو الكبير” والذي سيوفر مساحة تبلغ 350 كيلومتراً مربعاً، تمتد داخل مياه الخليج العربي لمسافة 250 كيلومتراً إضافة إلى مدن تجارية وسياحية ومحطات أخرى بكلفة تتراوح بين 8.12 مليارات دولار!
وبالرغم من استئناف شركة “دايو” الكورية الجنوبية، تنفيذ أعمالها في الميناء، بعد “العملية المشبوهة” لانتحار مدير الشركة والتعديلات الكثيرة التي جرت على تصاميم الميناء، إلا أنه يعتبر في “حكم المجمَد” نظراً للعراقيل والمشكلات التي واجهته منذ عام 2010 والموافقة عليه والبدء به، وهو لا يزال يراوح مكانه، ولم ينجز منه إلا جزء يسير يتعلق بكاسر الأمواج والذي تكلف بحدود 591 مليون دولار واستغرق خمس سنوات!
مضى على المشروع عشرون عاماً، أي قبل البدء بمشروع ميناء “مبارك الكبير” بأربع سنوات! بعدما وضع العراقيون آمالهم عليه، باعتباره سيغير خريطة النقل البحري في المنطقة الخليجية وسيكون ضمن عشر موانئ عالمية!
يكتسب هذا الميناء ميزات إستراتيجية قد تجعله نقطة التقاء بأوروبا من النافذة التركية، لكن أحياناً حساب البيدر لا يتوافق مع حساب الحقل كما يقولون.
البيئة السياسية في العراق مهيأة لإشاعة نظرية “المؤامرة” ورمي المسؤولية على أطراف خارجية، وستجد آراء وتحليلات تصب في هذا الاتجاه، وترمي بأحجارها الثقيلة على الكويت والإمارات والسعودية ومصر وإسرائيل وأميركا، هكذا كلهم دفعة واحدة، وهي تهم “سياسية” تخاطب عصبية الشارع العراقي بالدرجة الأولى وعلى حساب حياة ومستقبل الشعب الذي تحول إلى “مكسر عصا” تتقاذفه المجموعات والقوى السياسية المتناحرة!
وعلى الرغم من التحول الذي طرأ على طرق وخطط مشروع الحرير الصيني، وتوقفه عند المحطة الإيرانية وهذا ما عرضته بكين على طهرن تحت اسم صفقة ربع القرن، ما زال هناك في بغداد من يربط اكتمال مشروع الحرير بميناء الفاو الكبير، وبحسب ما يروجون له، لكونه حلقة مهمة من حلقات هذا المشروع العملاق!
الخبراء الاقتصاديون استبعدوا أن ينضم العراق إلى ما يعرف بعمالقة الموانئ في المنطقة لأسباب قد تكون لها صلة بالوضع الجيوسياسي والفساد المستشري في مفاصل الدولة، والذي يعوّق كل مشاريع التنمية المرصودة في خطط الحكومات المتعاقبة، لذلك سيبقى صراع الهيمنة على الملاحة البحرية تتحكم به دول خليجية، لن يكون هو من بينها؟ وسط تنافس شديد، تقوده تسع دول، يصل إلى الهند وباكستان ويضم 43 ميناءً، سيتم ضخ المليارات من الدولارات في توسعاته وإنشاءاته الجديدة.
إقحام الكويت في هذا الجدل الصاخب وتحميلها مسؤولية “إجهاض” بناء “الفاو الكبير”، لن يخدم مستقبل العلاقة بين بلدين خرجا من نكبة مدمرة في التسعينات من القرن الماضي، بل سيحدث شروخاً معطلة لكل ما تم بناؤه خلال ثلاثين عاماً مضت.
ربما كان تصريح رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي عندما زار محافظة البصرة مؤخراً، أصدق تعبير عما يجري بقوله، “لقد تمت المتاجرة بهذا المشروع طوال سبعة عشر عاماً مضت”.
لم تكن الكويت يوماً، طامعة في أراضي العراق ولا هي في هذا النهج، بل عانت الأمرين من أطماع حكامه، من أيام الملك غازي ومروراً بعبدالكريم قاسم وصولاً إلى صدام حسين.
الجيرة الجغرافية قدر البلدين، والمصالح المشتركة أقصر السبل والطرق للتفاهم على ما يعكر استمراريتها وبناءها، وليس هناك من خيارات أمامهما، سوى السير نحو “التكامل” في المشاريع الكبرى بديلاً من الصراعات ولغة المؤامرات، فالتجربة المريرة أظهرت كم أن كلفة الغزو والحروب مهلكة ومكلفة ومدمرة؟
|