• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : إجابة غير موفقة في مواجهة الحقيقة المرة .

إجابة غير موفقة في مواجهة الحقيقة المرة

قبل بضعة أيام قدم مكتب السيد كمال الحيدري إجابة عن تساؤل لأحد الأخوة تخص ملابسات ما جرى في برنامج مراجعة حوار الدين والعلمانية.
و قد احتوت إجابة المكتب على سقطات وتبريرات غير مقنعة.
وهذا ليس بالأمر الجديد، وكان هو المتوقع عند الكثير، حيث اعتدنا أن نسمع من أستاذهم ومعجبيه ومن يلوذ بهم توجيه الاتهامات إلى خصومهم ونبزهم بكلام لا يليق أن يصدر عنهم، فتراهم مرة يقولون: أن اللقاء المسجل، أو محاضرة اليوتيوب المرفوعة والمنشورة من قبلهم، حدث تقطيع في نصها أو فبركة، ومرة أخرى ينعتون المستمعين بعدم الفهم لمعاني كلام فضيلته وعدم التفريق بين المطالب الفقهية والكلامية، ومرة ثالثة يرمونهم بتلفيق الكلام عليه وتقويله ما لم يقل، ومرة رابعة يشنعون على المنتقدين أنهم أغبياء صدقوا بالشائعات الباطلة من دون تدقيق ومراجعة!
عموما فإن إجابة المكتب هذه المرة كانت مطولة ولكنها لم تكن مختلفة كثيراً ولم تأت بالجديد، حيث داومت على التبرير ورفع شأن صاحبهم والإشادة بمنطلقاته وتلميع اطروحاته من دون أن يسدوه النصيحة ويصدقونه القول ويعاتبونه على عثراته ويشخصوا له الثغرات في مبانيه.
وبنظري القاصر فإن هذه الطريقة في الاغماض عن ابداء النصيحة والاصرار على منهج التبرير ومنطق التعذير مما يساعد المتصدر في الاعجاب بعقليته وقدراته واستمراره في المضي بمنهجه الخاطئ.
وقد قرأنا وعايشنا حجم ومقدار تأثر المتصدر برأي المريدين والحواشي والمقربين، بل لمسنا دورهم الكبير في اغتشاش بصيرته وحرف ذهنيته.
ولا يخفى عليكم أن هذه الممارسةالملتوية تجني على المتصدر وتقربه من أودية النيران وتعود عليه بالخيبة والخسران.
ومن هنا ارتأينا بيان هفوات الإجابة فلعلها تصل إلى صاحبها فيتدارك موقفه.
وستكون إجابة المكتب بصيغة تقول، والتعليق بصيغة أقول.
نبدأ الآن في الخوض بالموضوع:
تقول:لا يخفى إن سماحته حريص مثلكم على المذهب والدين وعلى وحدة الأمة الإسلامية وعلى التعايش السلمي ونبذ الفرقة والكراهية والطائفية المقيتة.
أقول: هناك شريحة تشكك في قضية حرصه على المذهب والدين، وقد اتهمه بعضهم بنواياه كما تعلمون، وبالتالي فإن حرصه المذكور قد خفي على بعض المتابعين.
والأجدى هنا أن نوكل علم ذلك إلى الملك العلام وندع الأيام تكشف لنا حقيقة الحال، ونسأل الله حسن العاقبة لنا وللأنام.

تقول: حرص سماحته على ضرورة تصحيح الفكر والعقيدة الشيعية لإبعادها عن المفاهيم التي تمزّق الأمة ووحدتها، وتهدّد أمنها وسلمها الأهلي والمجتمعي، ولعل سماحته من أبرز المتصدّين في هذا العصر لمعالجة مسألة التكفير بين المذاهب ووضع حلول جذرية غير مختصر على الحلول الترقيعية الآنية التي تبتني على أسس غير ثابتة، وكانت مبادرته ودعوته منذ سنوات لجميع المذاهب إلى تصحيح المباني التكفيرية التي ابتنت عليها العقائد ومسائل الفقه لإيقاف نزيف الدم والاقتتال بين الأمة الإسلامية الواحدة.
أقول: ألم يكن السيد الحيدري حريصا عندما كان يطارح المخالفين على قناة الكوثر وينتصر لعقائد الإمامية وتناول خلالها مسألة التكفير وأوضح معناه عند علماء الطائفة وموقفهم منه بصورة علمية لطيفة غير متشنجة، فما حاجتنا الآن لنقض ما حرص على تثبيته سابقاً بالنصوص والوثائق؟
ويا ليت كانت النقوض الحالية ناهضة والإشكالات الآنية مقنعة وفي محلها، لترغمنا على الترحيب بمناقشتها وإعادة استنطاق مفادها، ومن ثم نقف جميعاً على قاعدة أكثر صلابة ونحتضن فكراً أعظم متانة، لكن الحقيقة أننا لم نعثر في أكثر مبثوثاته قوة المبنى ورصانة البحث وصواب الاستدلال، بل كان الكثير منها مبتن على أسس غير ثابتة وتوجهات غير مؤصلة.
وأما مسألة إيقاف نزيف الدم، فمدرسة الشيعة الإمامية في خطها ومسارها العام، كما ذكر هو بلسانه في أكثر من محاضرة ودرس، لا تدعوا ولا تحرض على قتل المسلم الآخر.
وعليه كان يفترض به أن يوجه كلامه ويصوب سهامه إلى من فضحهم سابقا واعتبرهم إلى الأمس القريب جهات منحرفة وفرق ضالة كالسلفية التكفيرية التيمية والدواعش والنصرة والقاعدة وأمثالهم.
إن ما نتمناه منكم يا أتباع السيد هو التزين بحالة الوسطية القرآنية في التعامل مع الأمور، والكف عن التضخيم من حجم صاحبكم ودوره ومكانته المعرفية، ولا تكونوا كالذين اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فتوافقوا على تصنيمهم ونظروا إليهم نظرة تقديس خالية من أي تدنيس.
وهذه النظرة البلهاء لا تقتصر على هؤلاء، وإنما نسج على منوالها الكثير من الأمم الجاهلة في تعاملها مع أمرائها وحكامها الطغاة، والجماعات المتحزبة في تفاعلها مع مؤسسيها وقياداتها والعتاة.

تقول: بل راح إلى أكثر من ذلك في تبنّي جواز التعبد بجميع الأديان والمذاهب، بمعنى: إن كل أهل ملة أو نحلة قد ثبت لها بالقطع واليقين صحة معتقدها ودينها ولم تكن جاحدة، فلها أن تتعبّد بما قام الدليل عليه وتكون معذورة عند الله تعالى، بل ومأجورة.
أقول: هذه الفكرة نكبة وليست منقبة، فهو لا يكتفي بتعذير الملل، بل يقطع بمأجوريتها؟
وكأن مفاتيح خزائن الحسنات وأبواب الجنان بيده!
إن سورة الحمد برزت صراطاً واحداً باعتباره هو الممثل للحق، وقصفت صراط المغضوب عليهم والضالين.
وسورة البقرة حددت نوعية الحق وجبهة الهدى فقال سبحانه: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا، وإن تولوا فإنما هم في شقاق) سورة البقرة:137.
لقد كتب أحد المشاركين في التعليق على كبوات الأستاذ الحيدري في المراجعة ما يلي:
السيد كمال الحيدري ٲفتى بجواز التعبد بجميع المذاهب الإسلامية ، وبيّنَ ٲن ٲصل وحيثيات ودليل فتواه هو :
1 ـ ان الملاك في جواز التعبد بٲي ملة ٲو نحلة إنما هو الدليل ليس إلا.
2 ـ إن الدليل لا بد ٲنه يفيد صاحبه العلم والإطمئنان والقطع.
3 ـ ان هذا الدليل لا يشترط ٲن يكون مصيبا للواقع.
س1 : لماذا نلعن ابن ملجم فلعله يملك حجة ودليلا تاما ٲفاده العلم والإطمئنان والقطع؟
س2 : بِمَ يحكم مقلدوك على تكفيري جاءك فقتلك فربما يملك دليلا تاما بحسب علمه على كفرك؟
س3 : ما حكمك على ما قام به التكفيريون من قتل ٲتباع ٲهل البيت عليهم السلام فربما يملكون دليلا تاما على كفر الشيعة؟

تقول: وهناك محاولات في السير التاريخي لمذهب التشيع قامت على رفض التكفير والدعوة لإصلاح المباني التكفيرية الفقهية والعقدية منها، ولعل سماحته كان آخر هؤلاء المصلحين وليس أولهم، وإن مقتضى القضاء على ظاهرة التكفير ينحصر بإعادة النظر في المباني وتغييرها وقراءة النصوص وفق الأطر العامة التي جاء بها الإسلام من توحيد الكلمة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}. الانبياء: 92.
أقول: إذا كانت هناك محاولات شيعية سبقت دعوة الأستاذ الحيدري بعدم التكفير، فكيف يصرح في البرنامج ويقول بضرس قاطع بأنه لا يوجد من فقهائنا من لا يكفر المسلمين ظاهراً أو باطناً؟
فهل كان جاهلاً بالأمر أم استعجل أم أخذه العجب فأراد أن يظهر نفسه للمشاهد أنه وحده الشفيق على الأمة وصاحب فكر إصلاحي ومجدد؟
وأيا ما يكن ففي كل الأحوال سوف لا تجدي التأويلات ولا تنفع التخريجات في تحسين صورته.
بل إن الالتزام بما ذكرتموه سيجعلكم أكثر علماً منه وأليق أهلية من جنابه في التصدي لبعض القضايا!
ثم من قال أن القضاء على ظاهرة التكفير منحصرة باعادة النظر في المباني وتغييرها أو بطرح فكرة جواز التعبد بجميع المذاهب والملل التي هي بنظر المحققين قاصرة عن إثبات صحتها؟
إن من يطالع نصوص الفتن والملاحم والعلامات يرى أن القضاء على ظاهرة التكفير واقعاً لا يتحقق قبل العصر المهدوي المبارك، وخلاف ذلك مجرد آمال وطموح لا تحظى بالواقعية.
وبطبيعة الحال نحن نتمنى زوال ظاهرة التكفير، ويملؤنا الشوق وتغمرنا البهجة بمجيء يوم العدالة وسلطة العصمة التي تزيحها من الوجود إلى الأبد.
والذي يدعونا للاعتقاد بعدم ذهاب ظاهرة التكفير هو انقسام البشرية واقعاً في الشرق والغرب إلى معسكرات إيمانية وإلحادية، متطاعنه فكرياً متكافرة عقدياً.
وأمامكم عالم الغرب العلماني الديمقراطي المؤمن بالحرية الفردية (الليبرالية) وتعدد الأحزاب والمذاهب فإنه لم يستطع إيقاف ظاهرة التكفير وإخماد جمرتها نهائياً، وغاية ما حققته هو تقليص إطلالة ااظاهرة وتحجيم بروزها. والذي يؤيد ما ذكرناه أنك تتلمس تعنصر بعض أفراده وتلاحظ نظرتهم المتحيزة تطفوا على السطح بين فينة وأخرى وتبرق بشعارات أو رسوم أو قوانين.
علماً أننا لو دققنا النظر في ثنايا ملفات العلمانية الديمقراطية وزوايا نتاجها لاتضح لنا أنها ساعدت على ولادة المذاهب المنحرفة المنفلتة من القيم السماوية والقيود الشرعية مثلما ساعد التشدد المبالغ به والغلو المفرط إلى انتاج المذاهب السلفية الدموية.
وبالجملة: فإن الله تبارك وتعالى أراد من خلقه أن يعبدوه كما يشاء هو سبحانه لا كما يشاؤون، فإن طبقوا قوانينه وتعاليمه مثلما أمرهم فقد عبدوه واستوجبوا منازل الكرامة والثواب، وإن خالفوها وتمردوا وقعوا في التيه والضلال واستحقوا التوصيف والعقاب.

تقول: وإن الاختلاف الذي لا يبلغ حد تمزيق الوحدة وتكفير طوائفها حق كفله الدين الإسلامي، بل يعدّ من السنن الإلهية في خلقة.
أقول: أليست الشرائع السماوية الحقة هي من صنفت الناس واعتبرت بعض المعاندين كافرين، وجاءت الرسل بالشرع المبين والإجراء المكين فأكدت انطباق هذا الوصف على بعض الأصناف المنحرفين عن قواعد الدين، فلم تريد منا أن نكون ملكيين أكثر من الملك، وكأن البشرية أعرف وأرأف من خالق الأكوان رب العالمين.
هذا، ولا شك أن البعض يصيبه الاستياء من آيات التكفير، لكونه يجدها منطبقة على سلوكياته واعتقاداته.
ولكن لو تعقل حكمة الله وعدله وأنصف نفسه لما تذمر، لأن الخلل فيه والعلاج بيده، فالمسؤولية تقع على عاتقه من حيث أن واجبه الأصلي هو أن يصلح أحواله ويطيع خالقه ويعترف بعدله ويمضي تعاليمه ويشتغل بعبادته ويجتهد في الابتعاد عن خطوات الشيطان ومواضع الانزلاق عن حريم الإسلام والخروج عن ثوابت الدين.
وأما كلام المكتب عن السنن الإلهية، ففيه مغالطة، لأنه لو كان الاختلاف العقائدي والفكري بين بني آدم من السنن الإلهية فلم يبعث الله عز وجل الرسل صلوات الله عليهم إليهم ليصححوا عبادتهم ويوحدوا عقيدتهم ويحكموا بينهم فيما اختلفوا فيه من الحق؟
والمسلم حين يقلب صفحات القرآن المجيد يجد فيها ذماً للذين افترقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات، وتوعداً لهم بالعذاب الأليم، كما جاء في سورة آل عمران:153.
كما يلحظ في طياتها مسعى حثيثاً لضمان اتفاق الكلمة ونبذ الاختلاف، فهي تطلب من الناس إطاعة الله ورسوله وأولي الأمر، كما في سورة النساء:59.
لقد نصّب الله الحكيم هؤلاء الرحمة والنور صلوات الله وسلامه عليهم، وبعثهم لخلقه مبشرين ومنذرين، وأمر بالرجوع إليهم والاصطفاف معهم وعدم مخالفتهم، لكونهم الرأس الذي يجمع الأمة على الهدى، والإطار الذي يلم شملها، والمنظم لأمورها وتكاملها، والمحور الذي يرفع الاختلاف ويدفع الضلال والانحراف عنها.
إذن كيف يكون الاختلاف سنة إلهية وهو قد كان، كما نعلم من النصوص، سبباً في هلاك الأمم؟!
فإذا كان بعضهم يريد القول أن كل الطوائف المنحرفة عقائدياً، بما فيهم الغلاة والنواصب، طوائف مسلمة ولا بأس بأفكارها، لأنها قراءة واجتهاد، وحرية التعبير مكفولة لهم، وأجرهم على البارئ الواحد الأحد، فهذا خلاف منطق الفرقان وشريعة الرحمن.
وبالمناسبة نحن نستغرب من تصرفات البعض، فتراه متحرجاً من اطلاق كلمة (الكفر) على جهة إسلامية مارقة ويرفض حديث افتراق أمة محمد إلى فرق كثيرة بذريعة انطوائه على دعوة تكفيرية، ولا يتحرج من اطلاقها على جهة غير المسلمين، مع أن القرآن العزيز استعمل مفردة الكفر بمعانيها المتنوعة ومداليها المختلفة وطبقها على كلتا الجهتين!
ومن اللطيف أن نخبر هذا البعض المندفع أن السيد الحيدري في إجابته عن سؤال المحاور له من هو الكافر بنظره، قال: أن من ينكر نبوة الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو كافر.
فهل يلتزم بقناعاته المسبقة ويعتبر منهج السيد الحيدري تكفيرياً أيضاً!
أعتقد أن الباحث منشد الصواب لا يستطيع أن يجامل ويناور على حساب المبادئ المتأصلة، فهناك حقائق لا يمكن للمنصف المدقق والخبير المحقق تجاوزها والقفز على ثوابتها، ومهما راوغ المنصف في أثناء بحثه لتلاشي الاصطدام معها، فحتماً يوماً ما سيخلع ثوب المجاملة ويظهر ما أضمره من حقائق ولو في فلتات لسانه أو قسمات وجهه.
ولذا ندعو بعض الأعزة إلى التريث والتتبع واستئصال المنهج الالتقاطي الذي يقبل منهج تكفير غير المعصوم، ويعترض على منهج المعصوم.
ونقول لغير المتأني أن الكتاب السماوي تحدث عن انقلاب الأمة بعد وفاة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله، كما ورد في سورة آل عمران:144.
وضرورة أن من تداعيات الانقلاب هو تشتت الأمة إلى جماعات وفرق.
وقد أكدت النصوص المتواترة والسيرة التاريخية المتكاثرة حدوث هذا وما ستؤول إليه مستقبل الأمة، وبالتالي فلا مجال إلى رفضها أو نكرانها، بل الإيمان الصحيح يقتضي قبولها والتسليم لها، وكذلك هي مدعاة لتصديق المخبر بتفاصيلها المستشرف أبعادها المحذر من السقوط فيها المبين طرق النجاة منها.
ولا جرم أن التحذير منها وسبل الخلاص منها هو طوق نجاة من الغرق في لججها وسلم خلاص من التلوث بوحلها والانغماس في فتنها.
ومن هنا نرى أن العقيدة الصحيحة تستدعي قبول قول الصادق المصدق صلى الله عليه وآله وسلم بافتراق الأمة إلى فرق، سواء كان عددها ثلاثة وسبعون فرقة أو ثلاثة فرق، وليس على الحق والصواب الذي لا يستتبع العقاب سوى فرقة واحدة منها.
نعم، يلزم التنويه إلى أمر الفرق الأخرى، وأنه ينبغي النظر إلى قادتها وأتباعها والتفريق بين الجاهل والمعاند، وبين الغافل والجاحد. وتفاصيل ذلك تحدثت به النصوص المباركة.
ويجدر التذكير أنه لا تلازم بين فكرة التكفير وعدم الانسجام والتفرقة، فقد عاش أهل الذمة حقباً متمادية في ظل حكم الإسلام بسلام وانسجام مع المسلمين، وهاهم المسلمون اليوم يعيشون في المهجر مع من يعتقدون بكفرهم، لكن الكثير منهم اندمج في مجتماعتهم، وأغلبهم تعايش معهم في وئام وأمن وسلم.
فإذا كان هذا هو حال مجتمعاتنا مع الغربيين، فكيف يكون مع من يتدين بديننا ويؤمن بثوابتنا ومن أمتنا؟
وثمة قضية مهمة لا بد أن يعلم الجميع بها وهي أننا مأمورون في زمن الغيبة الكبرى أن نتعايش مع المسلمين المختلفين معنا في بعض المسائل العقدية والفقهية ونتواصل معهم، بل تتطلب وظيفتنا أحياناً أن نتلاحم معهم في بعض الظروف الصعبة ونواسيهم ونتفقد أحوالهم، وقد ورد في النصوص بما مؤداه: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم حقيقي.

تقول: إن البرنامج الذي ظهر فيه سماحته كان يحمل عنوان (حوار الدين والعلمانية) ما يعني بيان مديات وجهات التقارب وإبراز المشتركات بين الدين والعلمانية الحاكمة في العراق على أقل تقدير، ولم يعقد البرنامج لمناقشة مباني العلمانية أو مناقشة الفكر الديني.
أقول: أين هو موضوع الحوار الرئيسي المزمع على تناول قضية الدين والعلمانية، لا أقلاً الحلقة الخامسة، ومناقشة وجهات النظر وإبراز مديات التقارب بينهما؟
الشيء المحير أننا في أكثر من حلقة لم نجد أي ترابط بين عنوان البرنامج وما يطرح فيها من أفكار. وقد أشار أحد المشايخ إلى هذه المشكلة.
ولم يصرح بضرس قاطع، كما صرح في دروسه، أن العلمانية تتعارض مع الإسلام وأن منظومتها خلاف منظومة المعارف الإسلامية والرؤية الدينية، وأنها تريد أبعاد مدخلية الدين وتشريعات السماء عن البعد الإجتماعي وتنظيم الحياة.
والمفارقة إذا كان البرنامج لم يعقد لمناقشة الفكر الديني، فمن الذي أرغم السيد الحيدي لتجهيز المصادر الدينية والمؤلفات الفقهية لتوضع أمامه ويتم انتقاء أرقام صفحاتها بعناية؟
طيب ومن أجبره على استسماح مقدم البرنامج الأستاذ الضمد في الاسترسال بالنقل والخوض في هذه الجزئية بالكيفية التي أرادها وأظهرها للمشاهد؟
طبعاً كما يعلم أهل الاختصاص وطلبة العلم أنه لا أحد قام بالضغط عليه ولا يجرؤ أي من مقربيه تخطي توجهاته.
وعليه فإنه هو من اتخذ هذا القرار بسابق تعمد وتقصد وإصرار، لغاية في نفس يعقوب، يعلمها رب الأرباب.

تقول: إن المحاور التي طُرحت لم تُطرح على سماحته فقط، فقد سبقه إلى هذا البرنامج شخصيات إسلامية عدة طرحت عليها المحاور ذاتها، غير أن قراءة كل منهم تختلف عن الآخر ولو جزئياً للنص الديني بحسب المباني والنموذج المعرفي. وما يميّز هذا البرنامج في حلقاته الأخيرة ـ مع كامل الاحترام لسائر الشخصيات ـ استضافة شخصية علمائية وأحد أبرز مراجع التشيع المعاصرين والمجددين، وهذا ما يعني أن البرنامج ستكون حلقاته شبه استثنائية إن لم نقل استثنائية تماماً في نمطها ونسقها وأجوبتها على تلك المحاور، فليس المتوقع من المتابعين لبرنامج (المراجعة) من المثقفين والنُخب الواعية أن يكون الجواب انشائياً أو يتسم بالمجاملات السياسية والمداهنة وإعمال مبدأ التقية طالما الغرض هو بيان مدى قدرة الدين الإسلامي على مواكبة العصر في ظل العولمة، وهذا يحتم على سماحته أن يتكلم كمرجع وكعالم ووفق المباني ونقدها؛ لأنها جزء من مشروعه الإصلاحي.
أقول: في هذه الجملة ثلاث وقفات:
الأولى: إن مقام السيد الحيدري العلمي في الوسط الحوزوي ليس كما وصفتموه، وكبار أساتذة الحوزة وأهل الخبرة لا يقرون لكم بما أضفيتم عليه من ألقاب علمية، فكيف صار من أبرز مراجع الشيعة المعاصرين المجددين؟!
ثانيا: نحن لا ننكر أن ثقافته واسعة وأنه خريج كلية فقهية وله إلمام في الكثير من المطالب الحكمية، وقد يكون يمتلك آليات الفقاهة ومقومات الاجتهاد، لكن لا يخفى على جنابكم أن هذه نصف الحكاية في قضية المرجعية، فليس كل من امتلك فقط هذه المقومات، فإنه يحق له التصدي للإفتاء ويعد مرجعاً دينياً بحيث يصح الأخذ عنه وتبرأ ذمة من يرجع إليه.
ولعل في آراء السيد ومحاضراته ما يعزز هذه النظرة.
ثالثا: أننا لم نجد منه أي استثناء في هذه المراجعة، ولم يضغط عليه أحد في أن يتكلم بمنطق التقية، ولم يمنعه أحد من ابداء رأيه.
وكان يفترض به، من باب الأمانة العلمية، ويتحتم عليه أن يكون دقيقاً في طرحه وما ينسبه إلى الآخرين من كلا الطرفين، وأن يتمتع بالحكمة الكافية والحنكة العالية ويلاحظ في طرحه ما ينفع الساحة ويفيد الأمة، ويدرأ عنها ما يؤجج الإحن ويشعل الفتن، ويتحدث بكياسة فيبتعد عن المنطق الذي يمكن أن يستغل من قبل المتربص الدموي أو يتذرع به المناوئ التكفيري.
وللأسف فإن هذا لم يحدث، ولم نلمس وعيه الاجتماعي وطريق الاعتدال في أجواء البرنامج بحلقاته الخمس.

تقول: موضوع التكفير من أكثر المواضيع المبحوثة بين المدرستين ولم تكن من المسائلة البكر.
ثم تواصل فتذكر: إن التكفير لدى مدرسة الصحابة أشد شكلاً ومضموناً من تكفير علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام، فإن مدرسة الصحابة تكفّر الشيعة وتبيح دمائهم وأعراضهم وأموالهم، غير إن تكفير علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام يختصر على التكفير الباطني العقائدي الذي تترتب آثاره يوم القيامة. وأما في دار الدنيا ومن الناحية الفقهية فكل من تشهد الشهادتين منهم فهو مسلم محقون الدم والعرض والمال، إلا فتاوى بعض المتقدمين والمتوسطين من علمائنا القائلين بالكفر الفقهي أيضاً، وهم أندر من الكبريت الأحمر ولا يعتد في رأيهم مقابل رأي جمهور العلماء.
أقول: إذا كان موضوع التكفير قد بحث من قبل، وجمهور فقهائنا لا يبيحون سفك دماء المسلم الذي تشهد الشهادتين ويحفظون عرضه وماله، وهو الحق الذي لا مرية فيه، فلم حاول السيد الحيدري إيهام السامع و إيقاع المشاهد أن القتل فرع التكفير، وأن من يكفر مخالفه يشرعن جواز قتله؟
على أنه مما زاد في الطين بلة أنه أطلق فكرة فاسدة وأوحى للمتابع نسبتها إلى فقهاء الطائفتين من أن حكم قتل المسلم أثناء وجوده في دار الإسلام يختلف عن وجوده فيما إذا كان في غيرها، وأنه متى ما خرج من الدار الأولى جوز المكفرون منهما قتله!

تقول: فما يصوّره البعض من أن التعرض لمسألة التكفير ونقدها يعتبر نوعاً من التحريض يهدد السلم المجتمعي والتعايش الاجتماعي مجرد وهم خادع أو تربّص لإيقاظ الفتنة بين المسلمين، إذ لم يكن الدافع سوى تصحيح المباني والحكم على جميع المسلمين بالإسلام الظاهري والباطني، وتفويت الفرص المتاحة للاستعمار والدول المعادية للكيان الإسلامي وما تدبره من مؤامرات لفتّ تآزر المسلمين وتماسك أخوتهم الإسلامية والدينية والإنسانية.
أقول: لم نسمع من النخب والأعلام أن التعرض لمسألة التكفير ونقدها يعتبر نوعاً من التحريض يهدد السلم المجتمعي والتعايش الاجتماعي!
ونحن إذا أردنا أن نكون موضوعيين فينبغي أن نتحلى بالانصاف في نقل كلام الآخرين وكذلك في بيان مواقفهم واندفاعاتهم.
والحقيقة أن رموز التشيع وفضلائهم ونخبهم لم يقولوا أن مناقشة مسألة التكفير ونقدها هو من يهدد السلم والتعايش، بدليل توافقهم مع السيد الحيدري حين كان يخرج على قناة الكوثر وينتقد ظاهر التكفير بصورة اتسمت بالاعتدال، وليس هذا فحسب، بل يعلم الجم الغفير أنهم لما رأوا برنامج المطارحات يعالج المواضيع بأريحية وشفافية أيدوه بحق ودعوا له بصدق.
وكذلك لم يُهاجم السيد حين ناقشها بعد ذلك بقليل في دروسه وبين فروقاتها عند الفريقين وأشار إلى مكان الضعف فيها والخلل ومحل الزلل.
وبالجملة: حين كان الطرح في هذا الاتجاه لم نجد مثل هذا التحريض أو الهجمة على السيد الحيدري.
يذكر أنه عندما تصدر مقالات وأفكار غير صحيحة فيها بعض التزييف من جهة معممة يظن الكثير من الناس بها أنها من الوزن العلمي الكبير، فمن حق أهل العلم والخبرة أن يسجلوا ملاحظاتهم ويبدوا تحفظهم حيال تلك الرؤى، بل لعل الواجب يملي عليهم أو يلزمهم بيان موضع السقطة في المقال وأين يكمن موقع الغلطة.
أعزتي الوهم الخادع يقع حين نصر على أن كلام الأستاذ الحيدري لا يحمل تبعات وليس له مردودات سلبية، ونغض الطرف عن الطرح الذي يفت تعاضد الأمة ويمزق النسيج الاجتماعي والانسجام العام أو يخفض منسوب العلاقات الرحيمة بين طوائفها.
فلا يمكن أن يكون منهج تصحيح المباني هكذا، وإنما هذا المنهج كمن يريد أن يبني قصرا فيهدم مصرا.
ثم متى وجد الشيعة غير متآزرين مع أغلب إخوانهم من أهل السنة أو غير متماسكين معهم، لكي تتطلب المرحلة تدخلكم الغير المفوض من أي جهة؟
وهبوا أن المناوئين للشيعة لا يودون ذكر تخادم وتلاحم الشيعة مع طوائف أهل السنة في معارك المصير، فلم أنتم هنا لا تتذكرون ما سجله التاريخ من دفاع شيعة العراق عن الوطن والمقدسات وكانوا بجانب إخوانهم من أهل السنة في ساحات الوغى ضد المحتل كثورة العشرين، والدفاع عن أرض الشام وفلسطين السليبة ولبنان، ونهوضهم بوجه القاعدة وداعش لتحرير المنطقة الغربية في عراق العرب وشماله؟

تقول: وما يتذرع به البعض من أن عرض مسألة التكفير أعطت للطرف المخالف خدمة مجانية وذريعة للتشنيع على الشيعة الاثني عشرية ينبأ عن عدم اطلاعهم وغفلتهم كما أشرنا من معرفة الطرف المخالف بتفاصيل هذه المباني سواء من خلال علمائهم أو من بعض القنوات الشيعية المتطرفة التي تتبنى ظاهرة تكفير المخالف وهي ليست بقليلة، ولابد من التمييز بين من يطرح موضوعة التكفير لنقدها وبين من يطرحها لتسويقها وتبنّيها، فسماحة السيد الحيدري (دام ظله) كان من أشد الناقدين والمنكرين على تبنّي ظاهرة التكفير ومبانيها، وإن القرآن وفكر أهل البيت عليهم السلام بريء من تكفير الآخرين وفق قراءته للمنظومة الدينية، وأنه يحكم بإسلامهم ظاهراً وباطناً، وهناك من العلماء من ذهب إلى ذلك أيضاً.
أقول: إذا كان القصد بأن القرآن الكريم بريء من قضية تكفير الآخرين بالمطلق فماذا نقول عن الآيات الكثيرة المكفرة لبعض الملل والنحل؟
وإذا أمكن تأويل بعضها فماذا عن بعضها الذي لا يقبل التأويل؟
والأمر الملفت هو لِمَ لمْ تتأول كلمات البعض في التكفير على نسق تأويل بعض آيات الذكر؟
وكيف ما يكن فإن قول البعض بأن كلمات الحيدري أعطت للمخالفين خدمة مجانية للتشنيع بالشيعة، فإنه حق لا مرية فيه وليس هو ذريعة كما تتصورون، لأن الكثير من أهل السنة يظنون أن الحيدري أحد مراجع الشيعة ورموزها، وتفكيره بصوت عال يمثل الحقيقة بلا مواربة، وغير ذلك يمثل ارتداء لثوب التقية.
وإذا كان الطرف الآخر يعرف ما أشرتم إليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه كما يذكر بعضهم، لِمَ لمْ يتجاوز السيد هذا الموضوع؟
وما الداعي إلى إثارته في هذا الوقت بالذات، وما المصلحه منه؟
ثم إنكم ما دمتم تعلمون أن هناك من فقهائنا الإمامية من يذهب إلى إسلام المخالف ظاهرا وباطناً، فلم تفوه أستاذكم بخلاف ذلك وترك انطباعاً سيئاً على المذهب وفقهاء الطائفة عند المشاهد، وزعم أن هناك ألوف النصوص حول هذه الموضوعة، مع أن تلك النصوص تخص الناصبي والمعاند الجاحد والمكابر المتمرد، لا الجاهل على تفصيل في المسألة.
بالله عليكم أيها الأخوة أخبرونا من يجهل مثل هذا المورد البسيط، هل يحق له أن يطرح نفسه في الساحة الإسلامية ويروج لشخصه أنه مصلح مجدد محقق ومرجع شمولي؟

تقول: أن التصعيد لم يأتِ إلا من الداخل حيث أخذ المتربصون بمختلف مسمياتهم ذلك ذريعة للتشهير بسماحته ووصف موقفه بالتحريض على القتل وتهديد الأمن الاجتماعي متغافلين إن ذلك يساوق التشهير بالمذهب وعلماءه أيضاً!
أن مثل هذه الهجمة الشرسة تكشف عن مؤامرة مبيّتة لا تريد الإصلاح في تلك المباني وتصرّ على الإبقاء عليها، غير آبهين بما تؤججه تلك المباني من الصراع الطائفي بين فترة وأخرى، حيث أصبحت تشكّل خدمة عظيمة للمأرب السياسية والتآمر على الأمة الإسلامية في كل وقت ومكان.
أقول: التصعيد كان لأجل أمرين:
الأمر الأول: أن الأستاذ الحيدري يختلف عن غيره، لكونه محسوباً على رجال الحوزة، وكلمته تتخذ صبغة شرعية، وزيه الديني يغري المشاهد المتابع فيظنه يمثل رأي عامة فقهاء الطائفة.
والأمر الثاني: مغالطاته التي أشرنا إليها آنفاً، وتفوهه بكلام يجانب الحقيقة.
ويشار إلى أن هؤلاء (المتربصين المتغافلين!) كانوا آبهين بالصراع الطائفي قبل أكثر من عقد، ولذا بادروا في حينها وكذلك بعد سماع ما ورد في برنامج المراجعة إلى احتضان الأزمة واخماد الفتنة، وأوضحو لبقية الطوائف المسلمة الوشائج التي تربطهم معاً تحت مظلة الإسلام وخيمة الأخوة، وحذرتهم مما ترتكبه بعض الجهات من أخطاء وما تبثه بعض الشخصيات من أفكار مغلوطة، وأنذرتهم من المؤامرات العالمية التي تحاك ضدهم وتريد تمزيق أمتهم وتفتيت تعاضدهم، وتسعى دول الاستكبار لقتل إرادتهم ومنع عزيمتهم في مواجهة أفكارهم الشريرة المتلفعة بالديمقراطية والمستبطنة الانحدار والمهانة والتفكك والتبعية.

تقول؛ إن سماحته لم يحتمل ولو بنسبة ضئيلة ردود الأفعال التصعيدية من البيت الشيعي تجاهه بعد أن تعرّض لهذه المسألة عدة مرات من خلال شاشة قناة الكوثر وفي أبحاثة التخصصية المنتشرة في موقعه وفي سائر مواقع التواصل منذ سنوات طويلة، ما يعني اطلاع الكثير عليها من المخالفين وغيرهم ولم توجد ضجّة أو هدّدت السلم الأهلي، بل كانت على العكس من ذلك؛ لأنها خطوة نوعية للتقريب بين المذاهب والأديان بصورة عملية.
أقول: قبل ذلك قلت أن الأستاذ الحيدري لا يتوجس من ابداء رأيه، وهنا تقول لم يحتمل ولو بنسبة ضعيفة أن ردود الأفعال التصعيدية ستنطلق تجاهه من البيت الشيعي، فبأي القولين نأخذ ونصدق؟!
ثم إن الخطوة النوعية للتقريب بين المذاهب والأديان هي تلك التي أُنشأت قبل عقود وما زالت، لا كلمة هنا وكلمة هناك يطلقها السيد، لم يتوثق المتابع من صوابيتها ولا يعلم الكثير عن شكلها وتفاصيلها.
ويا ليت توثقون هذه الخطوة النوعية التي لا تتنازل عن الثوابت وتتفاهم على المشتركات بالأرقام والصور والمستندات، لكي لا تذهب ببعضهم الظنون الفاقعة فيعتبرها مجرد كلام وقعقعة.

تقول: أن المؤتمرات والندوات والتصريحات السياسية والخطابية لا تعالج مثل هذه المشكلة العميقة إلا بشكل سطحي، وقد انتجت مساعي سماحته أن صدرت فتوى نوعية من قبل المرجعية العليا في النجف بالحكم بإسلام المخالفين من المذاهب الإسلامية ظاهراً وباطناً لا ظاهراً فقط، وهذا نصر ومكسب عظيم للتشيع حيث أن العالم اليوم بحاجة ماسة إلى مثل هذه الفتاوى التي تحفظ النسيج الاجتماعي وتعزّز الأخوة الإسلامية والإنسانية بين أبناء المذاهب وأبناء الوطن الواحد، وسيكتب التاريخ بحبر من ذهب مساعي سماحة السيد الحيدري (دام ظله) أنها أثمرت نتائج طيبة من أهمها الفتوى النوعية لصادرة من المرجعية العليا في هذا الزمن.
أقول: ما لكم ترددون ما ذكره البعض وتحتفون بقول من لا يعتمد على درايته وخبرته، وتصدقون أن مساعي أستاذكم أنتجت الفتوى النوعية وحققت الهدف، وتغمضون أعينكم عن أخطاء أستاذكم ومآلات كلامه وعما يمكن أن يحدث من تبعات وإنشقاقات؟
وليت شعري هل هم أحدنا هو مرضاة الرحمن أم أن يذكره التاريخ ويختط اسمه على صفحات الزمان؟
كلامكم هذا يرتضيه في الغالب من غلب عليه حب الظهور وطلب الشهرة، فإنه يحاول بكل ما أوتي أن يبرز نفسه ويظهر مقدرته ليثبت لمن حوله أنه أفهم من الآخرين وأعظم.
ثم ما هذا الارتباك في كلامكم عن مسعى أستاذكم في انتاج الفتوى النوعية، أليس قبل أسطر اعترفتم وأشرتم إلى أن هناك ثلة من فقهائنا من لا يكفر المسلمين لا ظاهراً ولا باطناً؟!

تقول: إننا لنستغرب من الاصغاء بإمعان إلى كلمات المرجفين والذين يعتاشون على تأجيج الفتنة من كلا الطرفين والذين لا يريدون الخير والوحدة لهذه الأمة الإسلامية وتجاهل كلمات الحكمة والتهدئة والوحدة.
أقول: كأن سيادتكم لا يعلم أن الكثير من المتشيعين استمع بدقة وإمعان لكلمات أستاذكم الحيدري التي خلت من الحكمة وابتعدت عن التهدئة قبل أن تنطلق كلمات المرجفين أو أن يُصغى إليها، وقد علق بعض العارفين على الحلقة وقت بثها وبيّن مساوئها.
على أنه إذا كان هناك استغلال من بعض المرجفين لتصريحات الحيدري وحاولوا تأجيج الفتنة من خلالها، فإن السبب الأكبر توجه إلى أستاذكم واللوم الأكيد يقع عليه، وبالتالي يبطل ايحاءكم بأن ما طرحه نفع المسلمين وأوجد التقارب؟

قلت: نعم، ربما لم يكن هناك متسع من الوقت لبسط الكلام في هذه الموضوعة بشكل مفصل بحيث لا توجب اللبس أو الايهام أو الشكوك لدى البعض، غير أن سماحته أعرب عن استعداده الكامل لبسط هذه المسألة في كتب الفريقين وتتبع كلمات العلماء بشكل مفصّل وكامل للتوصّل إلى النتيجة التي أعلنها سماحته منذ سنوات طويلة بالحكم على المخالفين بالإسلام ظاهراً وباطناً، إذ الملاك في إسلام الإنسان النطق بالشهادتين، وأما المستضعفون فهم مستثنون من دخول النار ويكون حكمهم إلى أمر الله تعالى إما يعذبهم وإما يتوب عليهم.
أقول: المشكلة الحقيقة ليس مقدار سعة الوقت، لأن بعض الدقائق أو الحلقة المتبقية كانت تكفي وتوفي الموضوع حقه، وإذا كان يعلم أو يحتمل أن وقت برنامج (المراجعة) لا يتسع لبسط الكلام في موضوع التكفير، فلم أحضر في ذلك اليوم المصادر وركز على نقاط حساسة ملتهبة استغرقت بعض الوقت ففوت على نفسه استثماره لبيان الحقيقة ولو على نحو الايجاز.
أجل، كان يكفيه بضع دقائق وبكلام مقتضب لايضاح المطلب فيشرح معنى التكفير ويقشر كلمتي الجاحد والمعاند ويكشف معنى الناصب ويجلي حكم الجاهل، وبهذا النحو لا يترك المشاهد يقع في اللبس والشكوك والإبهام.
إن هذه الأمور في قناعتنا هي التي يصح أن نصطلح عليها تسمية العلم النافع وعلى حاملها تسمية الرجل المصلح، لكونه يجسد شعاراته ويطبقها في أوقاتها على أرض الواقع.

تقول: نصيحتنا للمؤمنين عدم الانجرار وراء الأبواق التي تفتعل إثارة الفتنة، وعدم التعصب للآراء، واعتماد الحوار البنّاء، وقبول الرأي الآخر، وعدم انتهاج أساليب التسقيط والتضليل والاتهامات بعظائم الأمور، فإنها تسيء إلى أصحابها وتزكي الآخر وتبيّن عجز هؤلاء وضعفهم العلمي وعدم تتبعهم واطلاعهم على أبسط كلمات العلماء الأبرار .
أقول: النصيحة سهلة لكن تطبيق مضمونها صعب، كونه يحتاج إلى مجاهدة وترويض ووقت وتعب.
والكثير منا يا أحبتي يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه، وربما ينطبق عليه المثل المعروف رمتني بدائها وانسلت.
ويتوجب علي القول ههنا: أن من يتخلى عن الحوار البناء، وينتهج أسلوب التوهين، ويتهم أقرانه بالتخلف الفكري، وينفخ في أبواق الهجران ولا يهتم بنصائح الواعظين، ولا يرى ضرورة إلى مراجعة الفائت ونقد الذات، والنظر في مناهجه الفاشلة وتعديل أفكاره المائلة، فأنه حتماً سيضيع جهوده وتعبه وستتهاوى درجته العلمية ويتداعى بنيانه.
كما أن من لا يتدبر ما يلوكه قبل أن يخزنه في فكره ويودعه في صدره، ولا يتثبت مما يدرسه ويريد نشره، يعثر ويُمتحن وقد تصطلمه نار الفتن.
مسك الختام نحمد رب العالمين كثيراً ونصلي ونسلم على الحبيب المصطفى وآله، ونسأل البارئ جل جلاله وعز نواله السداد والعافية والثبات وحسن العاقبة.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=150186
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 11 / 21
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 12