- المحور السابع: الأمانة العلمية.
إنَّ هذا الجانب يعد من الجوانب الأساسية في رسالة المنبر الحسيني، فالمسؤولية توجب على الخطيب الأمانة العلمية والوثاقة في كُلِّ ما يصدر منه؛ لأنَّ المنبر بمثابة مدرسة يتعلم الحاضرون من خلاله معلومات كثيرة في موضوعات مختلفة، وينقلها بدوره إلى الآخرين، أو يعتمد عليها في جانب علمي أو عملي، والناس في الواقع تنظر إل المنبر على أساس ذلك؛ فهذا يزيد المسؤولية على الخطيب في أنْ يكون أمينًا موثوقًا تمامًا في رسالته، ولمَّا كان هذا هو دور المنبر، نلاحظ الاعتناء بهذا الجانب من قبل المرجعية كبيرًا، وفي ذلك رسالة لكُلِّ خطيب يتشرَّف بهذه الخدمة أنْ يكون ملتزمًا تمامًا في الأمانة العلمية للمنبر، فقد ورد التأكيد على جوانب متعددة ((تَحَرِّيْ الدِّقَّةَ فِيْ ذِكْرِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ, أَوْ نَقْلِ الرِّوَايَاتِ الشَّرِيفَةِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ, أَوْ حِكَايَةِ الْقَصَصِ التَّأرِيخِيَّةِ الثَّابِتَةِ, حَيْثُ أَنَّ عَدَمَ التَّدْقِيْقِ فِيْ مَصَادِرِ الرِّوَايَاتِ, أَوْ الْقَصَصِ الْمَطْرُوحَةِ يُفْقِدُ الثِّقَةَ بِمَكَانَةِ الْمِنْبَرِ الْحُسَيْنِيِّ فِيْ أَذْهَانِ النَّاسِ)).
وفي قراءة لهذا المقطع وما يتعلق بجانب الأمانة العلمية يمكن بيان ما يأتي:
1- أنْ تكون الدقة تشمل ذكر الآيات القرآنية المباركة، التي يستشهد بها الخطيب، وﭐتيار الآيات التي لها علاقة بما يريد الاستشهاد به في بداية مجلسه، أو في أثنائه مطلقًا، فقد يكون الخطيب جاهلاً بالقراءة الصحيحة للآية، أو يحصل له ﭐلتباس بين الآيات المتشابهة، أو ينسى أو يضيف للآية مما ليس فيها، وهذا كله يتوقف على الشخصية الذاتية للخطيب في التعامل مع وظيفته الرسالية، التي يؤديها من خلال هذا المنبر العظيم، فالقرآن مصدر التشريع الإسلامي، والكتاب الجامع والموحِّد للمسلمين كلهم، فيستوجب أنْ يكون في أولى أدائه لهذه الرسسالة أنْ يكون قارئًا جيدًا، بل حافظًا في موارد، حيث تنفعه في مواطن متعددة، بأداء رسالته بتفوق؛ إذ إننا ورثة الثقلين -القرآن والعترة- فلا بد ﭐبتداء من الاعتناء بالقرآن الكريم تلاوة وأداء، وإتقانًا وحِفْظًا، فضلاً عن معرفة معانيه، ومعارفه، وعلومه، وما يتعلق به موضوعات متعددة.
2- على الخطيب أنْ يتقن ﭐختيار الروايات الشريفة في بيانها وعرضها والاستدلال بها من خلال المنبر الحسيني فيما يتعلق بالموضوع الذي يريد عرضه على المتلقي، وعليه في ذلك تقع مسؤوليات متعدة في التعامل مع الروايات، وأهمها الاعتماد على المصادر الحديثية الموثوقة، التي يطمئن إجمالاً بأنَّ مؤلفها قد جمع الروايات الصادرة عن المعصومين، وهذا يتوقف على مدى علمية الخطيب بهذا الشأن، من حيث معرفة المصادر الأولية والثانوية، والأعلام الذي يتم الرجوع إلى مؤلفاتهم، وعلى الخطيب أنْ يكون على حظٍّ من علم الحديث؛ ليكون على بينة في ﭐختيار الأحاديث الشريفة، وإنْ لم يكن ذلك فيكتفي بالرجوع إلى كتب الحديث المشهورة التي عليها العمل من قبل الأعلام، وعليه الحذر من ذكر أي رواية يعلم كذبها، أو عدم موافقتها للقرآن الكريم والسنة الشريفة إنْ كان يمكنه أنْ يميِّز ذلك، وهذا يتطلب من الخطيب -كما أسلفنا- أنْ يكون من طلبة العلم، وليس من المقلِّدين الذين لا يفقهون ما يقولون، بل مجرد ناقل لروايات من أي كتاب يقرؤه ( )، فإنَّ المسؤولية في ذلك كبيرة؛ حيث يتلقَّى الحاضرون هذه الروايات غير الموثوقة فيكون ذلك الخطيب مصدر ذلك التشويه لهذه المسؤولية والرسالة العظيمة.
3- أهمية ﭐعتماد الخطيب الحسيني على القصص الثابتة عن المعصومين أو أصحابهم أو العلماء والحكماء وغيرهم بما فيها منفعة وموعظة وحكمة تهدي من خلالها المتلقي نحو الخير والعلم والعمل، والتشجيع على ذلك، ولكن مع أهمية مراعاة أنْ تكون هذه القصص لا شائبة عليها من مخالفات مثل القصص القرآني وما فيه من عبرة نافعة، أو قصص الأنبياء بالاعتماد على الروايات الموثوقة التي لا تخالف العقيدة فيهم، أو سيرتهم الإلهية، فيجب على الخطيب أنْ يلتفت على أنَّ هذه القصص في رسالة المنبر الحسيني متوقفة على أنْ تكون ثابتة تأريخيًّا وليس مجرد أقاصيص وحكايات قد تكون من نسج الخيال، أو نسج القصاصين، أو الكذابين، وهذا يتطلب منه بذل جهد علمي رصين ليكون على بينة من ثبوت ذلك وعدمه.
4- إنَّ المرجعية الدينية من خلال ذكرها الموضوعات الثلاثة المتقدمة توحي وتوصي بالتأكيد على أنَّ المنبر الحسيني مدرسة مقدسة لها مقامها العظيم، وقد أُسست منذ عصر المعصومين، وتم من أجل الحفاظ عليها تقديم الشهداء والتضحيات والدماء الزاكية، فيجب على الخطباء أنْ يحافظوا على قدسيته، بتنزيهه عن كُلِّ ما لا يليق به من خلال التوثُّق من الروايات والقصص التي يعرضها على المؤمنين الحريصين على حضور المنبر الحسيني؛ ﭐعتمادًا على مقام المنبر وقدسية رسالته، فيكون المنبر سبيلاً ومنهاجًا لتربية الأمة تربية عقائدية وفكرية وتربوية متكاملة، فضلاً عن تربية الأمة على ﭐعتماد الصدق المطلق في جميع شؤونهم العلمية والعملية وما يتعلق بهما، وأنَّ مخالفة ذلك سيؤدي إلى توهين المنبر –لا سمح- الله في نفوس المؤمنين، وجعله أداة بيد أعداء الدين والمذهب للإساءة إليه بأساليبهم الواهية المعهودة، فيكون الخطيب هو سبب ذلك الأساس.
إنَّ ما تقدم من توصيات تؤكد أهمية هذا الجانب التربوي والعلمي الذي يؤدي رسالته المنبر الحسيني بالنسبة للخطيب والمتلقي، وما في ذلك من دعوة عملية صادقة لاعتماد هذا المنهج في التعامل مع المرويات بصورة عامة، فضلاً عن توثيق التراث توثيقًا يليق به، خالٍ من التشويه والتحريف للحقائق الثابتة.
|