• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : ضياء بدران وترسبات الوطن المهاجر .
                          • الكاتب : جهاد العيدان .

ضياء بدران وترسبات الوطن المهاجر

 الشعر هو خطاب الروح المتعالي في سماوات الحقيقة اذا كان يتقمص الهدف ويرنو للوجود ,وهو قبس يشع في حنايا النفس عندما تستشعر الحنين الى الهجرة نحو الضفة الاخرى , وهو لمسة طهر تُودع المشاعر في حنايا الكلمات لتتوهج في رمضاء الصيرورة وتتهافت في جنوح اللهفة الى الشروق , او هو كما قال الشاعر محمود درويش "الشعر خطاب نكتبه للآخرين، خطاب نكتبه إلى جهة ما" , وهو برايي قنديل يتدلى على مشجب الاحاسيس لتتحول بالطباعة الثلاثية الى اقداح من الكلمات تنسكب كسنوات ضوئية , نترنح على موسيقاها الصاخبة في بعض الاحيان , ونخبؤها في صلواتنا الخلوية احيانا اخرى .

ليس للشعر نظرية بقدر ماهو شعلة الروح الملازمة للالهام , وانه ذبذبات حملها الانسان معه منذ خروجه من الجنة ,ليستلقي على نغماتها ساعة الاصيل او يعتمر بها عند الهجير , لان لكل شاعر نظرية في الحياة وجواز سفر في عالم الكلمات . ‏

واعتقد جازما ان الشاعر هو من يستلقي على ارصفة الذوق العام ويدخن سيجارة الاحساس وينفث افكار المستقبل ليصاغ سحاب هذا المزيج ويتحول الى تاملات والى ترانيم تمتد في ذاكرة الزمن .

الشعر ليس كائنا خرافيا او قطعة قماش نتمسح بها عند الحاجة بل هو فتيل يحترق في داخلنا ليولد بركانا يهز نخلة الحب , ليتساقط رطب الوجود ,ويشتعل مصباح الفكر .

والحقيقة الاخرى هي ان الشاعر هو انسكابة اشعة النفس وهواجسها ,وارتعاشتها , انه قاروة من عشبة الحياة الغائرة في صهوة الحنين , والصادحة في مروج السحر الاتي من خلف الغيوم , وهو رغوة البحر بين هدوء وصخب وبين هدير وغدير , لايملك من نفسه الا التصحر في عالم الكلمات والسفر على بساط الحرية الاحمر .

لم اعد اتذكر كيف تصفحني القدر لارسم في حركته الميكانيكية شذرات من الهواجس المعلقة في سوق عكاظ , ولاتأوه في قهوته الملبدة بالدخان ورائحة الشاي , وادمدم بكلمات لم تكن مبهمة بقدر ماهي نتاج تراكمية من التقديس الدخيل والحدس القابع على جمرات النار .  

لم اعد ارى وجها يعتصره الشعر وتسكره الكلمات بعد ان هاجر سرب من الطيور الحائرة الى عريش البحر ليلقي هناك اجنحته في متاهة الريح .

لم يكن ابو يقين سوى فارس المحنة الذي هاجر بين المدن المتنائرة ليكتشف ان الوطن لم يكن سوى قصيدة توزعت في المشاعر وترسبت في الضمير .

لم يبارح موانئ السفر رغم التعب والعناء , ولم يترك اشراقته تختبأ وراء تموجات القوارب وهي تمخر في عباب البحار الصاخبة .

انقاد صاحبي لذاكرته المتوقدة ليحبس فيها دواوين الشعر وليصلب في داخلها تلك الجذوة الفكرية المتوقدة , وكما يصفه الدكتور حكم امهز بالشاعرالمجرم , لانه لم يشأ ان يبصم بقصائده على بساط الورق او يحتنضها في ذاكرة التدوين لنستطيع التواصل معها والوقوف في محرابها القدسي .

هكذا كان ضياء بدران همسة فجر يسافر مع زقزقة العصافير ويرسم في لوحة القدر تلك الومضات المرتعشة التي غادرت دون ان نشعر بها او نتوضأ لوداعها .

ابو يقين يكتب الشعر كرسالة ومشروع للمستقبل وليس لمجرد البذخ او الجلوس على طاولة لعب النرد او الدونمة ورصف الكلمات والتغني على الاطلال ,بل كان يعتبر الشعر كبسولته الفضائية للانطلاق الى رحاب الحياة ورصد المشاعر المحتبسة في اتون الليل , واشعال شمعة للفكر لقراءة الحقيقة ,عرفته يحترف الكلمة الصادقة المعبرة ولايحترف التزلف والتقرب من المسؤولين والمتسولين للمديح والاطراء .

وجدته يجيد لغة القلوب ليدخل في شغاف الروح ويعانق اسرار الوجود ,يتحسس دائما جراحه المتدلية دون ان يشكو لاحد , ودون ان يتاجر بها الا مع الله , اشعر انه يخفي وراء ابتسامته العريضة جبالا من الانين والبكاء الصامت , شجاعته ليس في السير على حبال الموت بل لانه يقهر الالم ويشرب من حنظل اللوعة غير عابئ بالقادم وغير مكترث بالاقاويل , كان يقاتل بالكلمة ويلوذ بالحقيقة ويفاخر بالانسانية , لانه مايكتبه هو نابع من صفاء سريرته ومن اصالة معدنه ونقاء روحه ,يمتهن الولاء الهادف للحقيقة ويسكب عبقات فكره لشحن الواقع باريج المعرفة ,لايبحث عن عبوات صوتية تثير الهلع من اجل النكاية بالاخرين بل كان يبحث عن رسالة الخلود للاصالة وللقيم ولمنظومة الاخلاق الكونية


كافة التعليقات (عدد : 1)


• (1) - كتب : عبد الخالق الفلاح ، في 2020/08/01 .

رحمك الله يابو يقين فقد كنت علماً من الاعلام التي ترفرف في سماء الشعر والادب والاجادة في الكتابة وشاعرا خدوما لا هل البيت ( ع )وقد حملت ادب الغربية بكل بسالة اديباً ومعلماً وشاعراً ملهم واحاسيس لا تنضب بالعطاء الادبي والاعلامي والثقافي ونهراً داماً الخير انا لله وانا الية راجعون




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=146698
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 07 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14