تعد مرجعية السيد السيستاني ظاهرة ترقب ورصد سياسي واجتماعي وإعلامي عام داخلي وخارجي ، وذلك لما تمثله من ثقل وديني وجماهيري من جهة ، ولما تحمله من رؤى ومواقف تمس صميم الحالة السياسية العراقية منذ بداية تغيير النظام الاستبدادي عام 2003م والى يومنا الحاضر . وقد كان لبعض مواقف المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد السيستاني سمة المفصلية والحسم في تحديد المسار السياسي والاجتماعي في العراق ، كما في موقفها عام ٢٠٠٤م من كتابة دستور وبأيدي عراقية منتخبة ، أو موقفها من دخول عصابات داعش الإرهابية بفتوى (الجهاد الكفائي) عام ٢٠١٤م ، إضافة الى تأثيرها العام بما تطرحه من رؤى وتوجهات وإرشادات لمختلف المشهد السياسي العراقي سواء من خلال بياناتها أو معتمديها في خطب الجمعة . وفي موقفها الأخير من الإنتخابات النيابية لعام 2018 ، والذي مثل حدثاً سياسياً جديراً بالاهتمام وبمختلف جوانبه ، الا أن القضية الأهم في بيان المرجعية في تقديري هي بما يتعلق بتحمل الفرد العراقي المسؤولية الكاملة عن رأيه وتوجهه السياسي والانتخابي ، حيث أكد المرجعية في بيانها على ( أن الانتخابات حق لكل مواطن تتوفر فيه الشروط القانونية ، وليس هناك ما يلزمه بممارسة هذا الحق الا ما يقتنع هو به من مقتضيات المصلحة العليا لشعبه وبلده ... ) . وهنا تأكيد على حرية الفرد - الناخب - التامة بممارسة هذا الحق ، بعيداً عن لغة الإفتاء بالوجوب والإلزام والقسر في مشاركة الفرد في الانتخابات وعليه فإنه ( يبقى قرار المشاركة أو عدمها متروكاً له - للفرد - وحده وهو مسؤول عنه على كل تقدير ... ). وفي الوقت الذي تؤكد فيه المرجعية على تحمل الفرد العراقي للمسؤولية الكاملة عن رأيه والمسار السياسي الذي يسلكه ، تحرص المرجعية على مسألة بناء الوعي في ذات الفرد عند اتخاذ أي قرار ، سواء كان القرار في المشاركة أم عدمها أو بخصوص خيار الفرد عند التصويت في الانتخابات ، لان نتائج ذلك القرار تعود عليه وعلى مجتمعه وأبنائه بالنفع أو الضرر ، لذا حثت على ( أن يتخذ الفرد القرار عن وعي تام وحرص بالغ على مصالح البلاد ومستقبل أبنائه ) . إن رؤية المرجعية الدينية لتحمل الفرد المسؤولية السياسية ، تؤسس الى أن الفرد هو أساس البناء الاجتماعي والسياسي ، وعليه - الفرد - أن يرتقي بوعيه وثقافته السياسية في تحديد المسار والخط السياسي الذي ينتمي له ويعطيه ثقته ، كما أن الفرد العراقي ينبغي أن يكون بمستوى تحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية إزاء مجتمعه وبلده ، ويستشعر أنه يساهم بشكل مباشر في تحديد مصير البلد والأجيال اللاحقة عند اتخاذ ذلك القرار ، ومن هنا تحض المرجعية في رؤيتها وموقفها ، بأن الفرد عليه أن يحدد معايير سليمة ومنطقية في خياراته السياسية ، وأن يكسر قيود التبعية للمذهب والعشيرة والحزب ...الخ ، أو السير وراء المنافع والمصالح الشخصية والضيقة التي لم تنتج الى التراجع والفشل والدمار . ولكن يبقى السؤال الكبير ، هل أن الفرد العراقي وصل الى ذلك المستوى من الرشد السياسي لتحمله كامل المسؤولية في اتخاذ القرار ؟ وهل أن الفرد العراقي أصبح واعياً فعلاً للنتائج والآثار المترتبة لقراره السياسي أو للقيمة التي يمثلها صوته الانتخابي ؟ ذلك ما نأمل به ! .
|