ثمةَ منهجٌ تفسيريٌّ للقرآنِ الكريمِ يُسمَّى (التفسيرَ الموضوعيَّ). ومن مستوياتِه جمعُ نصوصِ الموضوعِ الواحدِ من سُورٍ عدةٍ ، ومن آياتٍ متباعدةٍ ، وقراءتُه المتكاملةُ. وإِليكم ما يُفصِحُ عن مكانةِ أَوصياءِ النبيِّ محمدٍ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) وهمُ الأَئمةُ المعصومون (عليهِمُ السلامُ) :
﴿قُل ما أَسأَلُكُم عَلَيهِ مِن أَجرٍ إِلّا مَن شاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبيلًا﴾ [الفرقان/٥٧] بهذا النصِّ القرآنيِّ يُخلي الرسولُ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ذِمَّةَ الناسِ كلِّهم من أَيِّ أَجرٍ ماديٍّ يطلُبُه إِليهم عن مُهمتِه الرساليةِ التي هداهم بها ؛ فأَخرجهم بها من الظلماتِ إِلى النورِ ، ويَعقِدُ ذِمَّتَهم بأَجرٍ (معنويٍّ-روحيٍّ) له عليهم جزاءً منهم إِليه عن هذه الهدايةِ الساميةِ ، وهذا الإِخراجِ التكريميِّ التوقيريِّ وهو اتخاذُ طريقِ الحقِّ إِلى ربِّهِم.
ومَن يترُكُ هذه الذمَّةَ فمصيرُه الندمُ القاتلُ بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿ويَومَ يَعَضُّ الظّالِمُ عَلى يدَيهِ يَقولُ يا لَيتَنِي اتَّخَذتُ مَعَ الرَّسولِ سَبيلًا﴾ [الفرقان/٢٧]. والطريقُ ليس (شارعًا) يُسارُ عليه ، بل هو منهجُ أَولياءِ اللٰهِ تعالى. فمن هؤلاءِ الأَولياءُ ؟ إِنهمُ المبيَّنُ وصفُهم بالنصِّ القرآنيِّ المماثلِ الآتي: ﴿...قُل لا أَسأَلُكُم عَلَيهِ أَجرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُربى...﴾ [الشورى/٢٣]. إِنَّهم قُربى الرسولِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) حصرًا الذين صرَّح بانتسابِهِمُ النبويِّ الخالصِ النصُّ القرآنيُّ الآتي: ﴿فَمَن حاجَّكَ فيهِ مِن بَعدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعالَوا نَدعُ أَبناءَنا وَأَبناءَكُم وَنِساءَنا وَنِساءَكُم وَأَنفُسَنا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللٰهِ عَلَى الكاذِبينَ﴾ [آل عمران/٦١] والذين كرَّمهمُ اللٰهُ تعالى تكريمًا لم ينلْه سواهمُ من القربى بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿... إِنَّما يُريدُ اللٰهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهيرًا﴾ [الأحزاب/٣٣] وهو التطهيرُ المؤهِّلُ لاقترانِهم بالقرآنِ الكريمِ عِدْلًا وترجمانًا له ؛ فهو كلامُ اللٰهِ المسطَّرِ في المصحفِ الشريفِ ، وهم ترجمانُه الناطقُ تطبيقًا وانتهاجًا وهدايةً بمصداقِ قولِه تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَريمٌ ، في كِتابٍ مَكنونٍ ، لا يَمَسُّهُ إِلَّا المُطَهَّرونَ ، تَنزيلٌ مِن رَبِّ العالَمينَ﴾ [الواقعة/٧٧-٨٠].
هذا التوجيهُ الإِلهيُّ الصريحُ الذي ﴿لا رَيبَ فيهِ هُدًى لِلمُتَّقينَ﴾ [البقرة/٢] يُرشدُنا إِليه القرآنُ ونحن نستحضرُ نصوصَ الموضوعِ الواحدِ الموزّعةَ على سُورِه ، وآياتِه ؛ فطوبى للذين يعقِلون ، فيَرشُدون. ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللٰهَ وَابتَغوا إِلَيهِ الوَسيلَةَ وَجاهِدوا في سَبيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحونَ﴾ [المائدة/٣٥] ؛ فمحمدٌ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ، وأَهلُ بيتِه الأَوصياءُ (عليهِمُ السلامُ) همُ عبادُ اللٰهِ المخلَصين ، وهمُ الوسيلةُ والمنهجُ إِليهِ تعالى ، وهمُ السبيلُ الوحيدُ المؤدي إِليه الذي يستدعي جهادًا لِمَن يؤمِنُ به ويتخذُه لنيلِ (الفلاح).
هنيئًا للمسلمين ، وطوبَى لهم بنبيِّهمُ الرحمةِ (صلَّى اللٰـهُ عليه وآلِه) ، وبآلِ البيتِ أَوصيائِه وخلفائِه (عليهِمُ السلامُ) الذين أَحبوا الناسَ والخلقَ كلَّهم ، ورجَوا الخيرَ والسلامَ للجميعِ بلا استثناءٍ ؛ فمن والاهم فقد ظفرَ ، ومن حاربهم فقد كفرَ.
|