• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : السيد السيستاني إمتداد للكتاب والعترة... .
                          • الكاتب : عبد المنعم محمد علي الحليمي .

السيد السيستاني إمتداد للكتاب والعترة...

إن المتابع لمواقف سماحة السيد المرجع السيستاني – أرواحنا فداه – خصوصاً بعد سقوط الطاغية المقبور يجدها دائماً تنطلق من بعديين أساسيين البعد الأول وهو البعد الإنساني والاحتضان الأبوي للجميع والبعد الثاني هو البعد الإيماني منطلق من مقام نيابة المعصوم – عليه السلام -  وتمثيل خطهم -عليهم السلام - في هذا العصر.

يمكن أن نلحظ البعد الأول باحتوائه – أدام الله بقائه -  ليس فقط لأبناء الطائفة الشيعة – أعزها الله – وإنما لجميع أطياف الشعب العراقي بمختلف مذاهبه وأديانه وتوجهاته لذلك كان منزله المتواضع في زقاق ضيق من أزقة النجف الأشرف العتيقة محط الوفود وملتقى التجمعات المختلفة من أبناء العراق ومن خارج العراق ولقاءاته المستمرة بزعماء الطوائف والملل , وقد كان هو- حفظه الله -  الملاجئ والملاذ في أحلك الظروف وأصعب الأوقات التي مرت بهذا البلد.

وما كان موقفه الأخير –دام ظله الوارف - من العفو عمن أساء إليه في البيان المنشور من مكتب سماحته إلا انطلاقاً من موقف إيماني متمثلاً بسيرة الأئمة الطاهرين  - عليهم السلام -  ومنهج القرآن الكريم , لأنه في الحقيقة لو وقفنا متأملين لوجدنا أن الإساءة لم تكن موجهة لشخصه الكريم وإنما لمقامه كمرجع ونائب للمعصوم – عليه السلام- في عصر غيبته.

ومن هنا أيضاً كان موقفه وردت فعله – حفظه الله - مع من واجهه بالإساءة والأذية بالعفو والصفح عنه منطلقاً من منهج إسلامي وخلق قرآني كريم متأسياً بأئمة أهل البيت عليهم السلام.

فنجد أن القرآن يحث على العفو والصفح في قوله تعالي:  }وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {  وذلك "لتشجيع المسلمين وترغيبهم في العفو والصفح فتقول الآية: (ألا تحبّون أن يغفر الله لكم). فإنّكم مثلما تأملون من الله العفو عنكم وأن يغفر خطاياكم، يجب عليكم العفو والصفح عن الآخرين (والله غفور رحيم)"   تفسير الأمثل ج 11ص59

وكذلك الآية الشريفة تبين صفات المؤمنين ومنها كظم الغيظ والعفو عن الناس والإحسان لهم: }وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّـهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ{ وذلك من أبرز علائم التقوى السيطرة على الغضب في أشد حالته وهو حسن حد ذاته ولكنه غير كافٍ لقلع جذور العداء والأحاسيس السلبية  تجه المسيء وهنا تأتي خطوة أخرى لتعميق هذه الحالة  الإيمانية الراقية حيث أشارت الآية الشريفة إلى صفة أخرى ترتقي بالإنسان إلى مرتبة أخرى من مراتب التقوى "والعافين عن الناس " فالعفو يردف الكظم.

" أن القرآن يأمر المسلم بأن يكظم غيظه أولاً ثمّ يطهر قلبه بالعفو عنه، ثمّ يطهر فؤاد خصمه من كلّ رواسب الضغينة وبقايا العداء بالإحسان إليه إنه تدرج عظيم من صفة إنسانية خيّرة إلى صفة إنسانية أعلى هي قمة الخلق وذروة الكمال المعنوي." تفسير الأمثل ج2 ص699

وفي إشارة قرآنيه عن عظمة العفو وأجره العظيم قال تعالى: }وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ {" لم تحدد الآية الشريفة أجر محدوداً لعفو لأنه يعتبر أساس انسجام المجتمع والتطهّر من الأحقاد وزيادة أواصر الحب وزوال ظاهرة الإنتقام والإستقرار الإجتماعي، فقد تعهد الخالق بأن يعطيه من فضله الواسع، ويا لها من عبارة لطيفة (على الله) حيث أن الخالق يعتبر نفسه مديناً لمثل هؤلاء الأشخاص ويقول بأن أجرهم علىّ." تفسير الأمثل ج 15 ص561

وكذلك لو توقفنا مع السيرة العطرة لأهل بيت العصمة عليهم السلام فنجد أن خُلق العفو والصفح هو والمتصدر وهو ما سطرته صفحات حياتهم الكريمة فكما نُقل في سيرة سيدنا ومولانا أبي محمد الحسن  عليه السلام في الحادثة التي نقلها عدد من العلماء منهم  القرطبي في تفسيره  "  قال عصام بن المصطلق : دخلت المدينة فرأيت الحسن بن علي عليهما السلام ، فأعجبني سمته وحسن روائه ; فأثار مني الحسد ما كان يجنه صدري لأبيه من البغض ; فقلت : أنت ابن أبي طالب ! قال نعم . فبالغت في شتمه وشتم أبيه ; فنظر إلي نظرة عاطف رؤوف ، ثم قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين فقرأ إلى قوله : فإذا هم مبصرون ثم قال لي : خفض عليك ، أستغفر الله لي ولك إنك لو استعنتنا أعناك ، ولو استفردتنا أرفدناك ، ولو استرشدتنا أرشدناك . فتوسم في الندم على ما فرط مني فقال : (لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين  ) أمن أهل الشأم أنت ؟ قلت نعم . فقال : شنشنة أعرفها من أخزم ، حياك الله وبياك ، وعافاك ، وآداك ; انبسط إلينا في حوائجك وما يعرض لك ، تجدنا عند أفضل ظنك ، إن شاء الله .

قال عصام : فضاقت علي الأرض بما رحبت ، ووددت أنها ساخت بي ; ثم تسللت منه لواذا ، وما على وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه .قلت ﴿الله أعلم حيث يجعل رسالته﴾  ثم أنشأت أقول:

ألم ترَ أنّ الحلم زينٌ لأهله ....... ولا سيّما إن زان حلمك منصب

ســـليل رسـول الله يقتصّ هديه ....... عليه خباء المكرمات مُطنب

حتى أخر الأبيات )  

ومن سيرة سيد الكاظميين عليه الصلاة والسلام  كما نقل الشيخ باقر القرشي – قدس سره – نقلاً عن تاريخ بغداد "رووا أن شخصا من احفاد عمر بن الخطاب كان يسيء للإمام، و يكيل السب و الشتم لجده أمير المؤمنين (ع) فأراد بعض شيعة الامام اغتياله فنهاهم (ع) عن ذلك و رأي أن يعالجه بغير ذلك فسأل عن مكانه فقيل انه يزرع في بعض نواحي المدينة، فركب (ع) بغلته و مضي اليه متنكرا، فوجده في مزرعته فأقبل نحوه فصاح به العمري لا تطأ زرعنا، فلم يعتن الامام اذ لم يجد طريقا يسلكه غير ذلك، و لما انتهي اليه جلس الي جنبه و أخذ يلاطفه و يحدثه بأطيب الحديث، و قال له بلطف ولين:- كم غرمت في زرعك هذا؟.

- مائة دينار.

- كم ترجو أن تصيب منه؟،

- أنا لا أعلم الغيب!!.

- انما قلت لك: كم ترجو أن يجيئك منه؟.

- أرجو أن يجيئني منه مائتا دينار؟.

فأعطاه (ع) ثلاثمائة دينار، و قال: هذه لك و زرعك علي حاله فتغير العمري، و خجل من نفسه علي ما فرط من قبل في حق الامام، و تركه (ع) و مضي الي الجامع النبوي، فوجد العمري قد سبقه، فلما رأي الامام مقبلا قام اليه تكريما وانطلق يهتف "الله أعلم حيث يجعل رسالته في من يشاء" فبادر اليه اصحابه منكرين عليه هذا الانقلاب، فأخذ يخاصمهم، و يتلو عليهم مناقب الامام و مآثره، و يدعو له، فالتفت (ع) الي أصحابه قائلا: (أيما كان خيرا؟ ما أردتم أو ما أردت أن أصلح أمره بهذا المقدار؟)

وهكذا نجد أن موقف العفو والصفح والإحسان هو سيد المواقف في سيرة أهل البيت عليهم السلام في سلوكهم مع العدو قبل الحبيب  وكذلك نجد الحث على العفو عمن ظلمنا وأنها من شيم أهل البيت عليهم السلام كما رُوي عن  الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (إنا أهل بيت مروتنا العفو عمن ظلمنا)

وعلى ضوء ما أستعرضنا من آيات وروايات ومواقف لأهل البيت ع نجد أن موقف السيد المرجع – حفظه الله ورعاه – يسير على هذا السلوك القرآني ومنسجماً مع منهج من أهل بيت العصمة باحتواء أبوي وتجسد لمنهج أهل البيت ع موقف  لتأكيد أن مقام المرجعية هو نيابة المعصوم في حالة الغيبة في كل شؤونه.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=143578
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14