• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : ثقافات .
              • القسم الفرعي : ثقافات .
                    • الموضوع : مسرحية قبل الآن بساعة .
                          • الكاتب : جاسم المنصوري .

مسرحية قبل الآن بساعة

 شخصيات المسرحية

حفار القبور ..... رجل  بلا ملامح  .
المرأة الأولى .... شابة .
المرأة الثانية .... عرجاء .
المشهد الأول

المسرح مفتوح على فضاء فارغ ومظلم الا من بقعة ضوء فوق رجل بلا ملامح وبملابس سوداء قاتمة لا يظهر من وجهه شيء ، في بؤرة المشهد هذا ، الرجل مشغول  بحفر قبر واستخراج التراب ، وتبدو الى جانبه جثتان ملفوفتان بأحكام واحدة على يمينه والاخرى الى يساره بجانبهما عكاز خشبي ، تبدو الاضواء خافتة ، كل شيء يدل على الموت والخراب ، موسيقى تتناسب مع المشهد .

اظلام

المشهد الثاني

بقعة ضوء ، تظهر المرأتان وهن يكفنان احد الموتى ، بجانبهما مجموعة اكياس سوداء لجثث تم تجهيزها داخل هذه الاكياس ، المرأة العرجاء تتحرك وتحت ابطها عكاز خشبي ، تلتقط قماش ابيض ، تقيسه بيديها ثم تعود به الى المرأة الاولى .

المرأة العرجاء : حينما يغفو الليل في رحم السماء وحدها النجوم والموتى لهم حق النطق واللعب       

                    والقهقهة .

المرأة الاولى ( منشغلة بتجهيز الجثة ) : على الشوارع الخاوية تسرع الخطى البائسة يا اختي .

المرأة العرجاء ( تمسك الجثة من احد اطرافها ) : لا شيء هنا يستحق غير ان ننتظر السماء ماذا تقول .

المرأة الاولى : السماء قالت كلمتها ، للحفاة قالت لا تسرعوا الخطى فالأرض تتسع للجميع .

المرأة العرجاء : حمدا لله انها اغلقت ابوابها .

المرأة الاولى ( تسأل )  : ومن هي ؟

المرأة العرجاء : السماء ... ومن غير السماء تغلق الابواب .... يقال ان الوباء لا يطال النساء

المرأة الاولى ( تضحك ) : هههههههه

المرأة العرجاء : افضل ما في هذه الجنائز انها بلا صوائح .

المرأة الاولى : ها نحن هنا ، وهذه الجثة الأخيرة .

المرأة العرجاء ( بتعجب لكنها منشغلة بالجثة ) : الأخيرة !

المرأة الأولى :  نعم انها الاخيرة في هذه المدينة التي يأكلها الخوف والموت .

المرأة العرجاء ( تستند قليلا على عكازتها ) : ونحن ؟ من اي سماء نزلنا ؟

المرأة الاولى : نحن ( تضحك ) هههههههه نحن الباقون المنسيون من أولئك الموتى حيث لا اسماء لنا لا

                   تأريخ  لا ملامح ، عالقون ها هنا نكفن الموتى ، نلبسهم آخر الوانهم دون ان يتدخلوا في

                  اختيارها ، نحن ؟ نحن آخر من انتجه الوجع وآخر من سيذوقه .

المرأة العرجاء ( بفرح ) : قال  لي ذات مره *احبيني فكل الذين احببتهم قبلك لم يحبوني .

المرأة الاولى : وبماذا اجبتيه ؟

المرأة العرجاء (تترك اختها ): كان يمد يده نحو شعري ( تتلمس رأسها ) قلت له ... قلت له

(تشير الى العكازة )

                                     لكن انا .... قاطعني ( تنفعل ) وليكن ، قلبك اكبر من هذه

( تمسك العكازة باليد الاخرى )

                                   وسافر بعيدا( بحزن ) اودع في داخلي سحر رجولته .

المرأة الاولى : في كل مرة يا اختاه يتغير النشيد ، الموتى نفس الموتى ، الا النشيد هذا .

المرأة العرجاء ( تقترب اليها ) : وسافر بعيداً اكلته الحرب أو ربما أكلته الغربة ، يقال ان الغربة تمطر

                                         مثل السماء وتلد مثلنا تماماً .

المرأة الاولى : ونبقى نحن ، نعزف على اوتار الخيبة لحن المنسيين ، لحن الآه .

المرأة العرجاء : دعينا يا اختي ننسى كل ذلك ، ربما سيأتي الزمان الذي تعلق فيها صورنا كأقفال على

                      جسر المدينة الخاوية ، على أمل ان يأتي الاطفال المولودين من رحم الخذلان ويفتحونها

المرأة الاولى ( تتساءل ) : هل من الممكن ان ننسى اننا سنموت ؟

المرأة العرجاء : اتركي كل شيء ودعينا نغني ... ( تدور حول نفسها واختها ) نغني ، نغني .

( تفتح احد الاكياس السوداء تخرج بدلة زفاف تلبسها )

المرأة الاولى : اتصور انها الاغنية الاخيرة ، وبعدها ( تصمت )

المرأة العرجاء ( تتوقف ) : وبعدها  ... سنموت طبعاً .

المرأة الاولى : دعينا نتعانق ( تقترب منها ) أو دعينا نرقص

( تمسكها من يديها ... موسيقى مناسبة  )

                     لا عليك ستموت كل الاشياء في يوم ما ، الموت هذا عقيم لا يلد مثلنا ، بل يتناسل قبوراً

                       وأكفان .

المرأة العرجاء ( تحاول ان ترقص ) : يا اختي العزيزة لمثلنا لا يجوز الرقص ، اصابعنا هذه

( تشير الى يديها)

                                               تسيل من بينها الذنوب والخطايا .

المرأة الأولى  ( تسأل بحزن ): وما فعلنا نحن ؟

المرأة العرجاء : ما نحن الا حبات قمح داستها رحى الايام .

المرأة الاولى : حسناً اذاً لنرقص ( تحاول الرقص ).

المرأة العرجاء ( تسأل ) : اگلچ خيه عود احنه هم انموت ؟

المرأة الاولى ( تنظر اليها باستخفاف وتهز يديها )

المرأة العرجاء : دعينا ننهي تكفين الموتى الباقين بلا كفن .

المرأة الاولى ( تسأل ) : ولا نرقص ؟

المرأة العرجاء : دعي الرقص الآن ، لا وقت لذلك ( تهمس اليها ) الموت هذا كحصان يصهل في سماعة .

المرأة الاولى : وليكن ، لا أريد للموت هذا يسرق بياض قلوبنا .

المرأة العرجاء : ايتها المسكينة ، انصتي ( تسكتان ) هذه الجثة التي بين يدينا جاءت بثياب باردة .

المرأة الاولى ( تسأل ) : وماذا يعني ؟

المرأة العرجاء ( تقترب من وسط المسرح ) : خذيها قاعدة ما جاء بثياب باردة هذا يعني انه كان لا يريد

                                                          الموت ، كان عاشق حد الوجع .

المرأة الاولى ( باستهزاء ): فلسفة فارغة ، الموتى لا يعلمون بساعة موتهم ، لذا يلبسون ما يشتهون .

المرأة العرجاء ( تعود اليها مسرعة ) : القاعدة ايتها الثوله ان الموت يختار الطيبين .

المرأة الاولى ( تلف بالقماش جزء من الجثة التي بين يديها ) : دعي عنك هذا الكلام الفارغ .

المرأة العرجاء : طبعا لا يعجبك كلامي ، خذي ( تخرج من جيبها قنينة مطهرة ) طهري يديك .

المرأة الاولى : كل الموتى قبل موتهم هذا كانوا يتطهرون ، ويغتسلون ، ويضحكون .

المرأة العرجاء : اعلم ذلك ، هل انتهيت؟

المرأة الاولى ( تسأل ) : انتهيت من ماذا ؟

المرأة العرجاء : من هذا الميت ، من هذا ( تصمت ).

المرأة الاولى : ارجوك ،( تشير الى الجثة )  ان لهذا اسم .

المرأة العرجاء : ما عادت تهم ( بحزن ) جميعهم لديهم اسماء ، لكنهم الان بلا اسماء .

المرأة الاولى : الآن انا انتهيت ، دعينا نكمل له الطقوس . 

( المرأة العرجاء تلتقط من الارض اعواد بخور وتبدأ بحرقها ، الاضواء تخفت ، ليس سوى الدخان يملأ المكان ، موسيقى مناسبة )

المرأة الاولى ( تسأل بحزن )  : من نحن ؟

المرأة العرجاء ( منتصبة على عكازتها ) : الناجيات من وجع الموت الابدي .

المرأة الاولى : الخارجات من وراء سور الحزن القديم .

المرأة العرجاء : نتطلع ليوم لا دفن فيه .

المرأة الاولى : نحصي على مهل اكتاف العمال المتعبين .

المرأة العرجاء : صلينا قبل الآن بساعة دون وضوء .

المرأة الاولى : لا لا يا اختاه ، بل توضأنا بكل مطهرات الارض والكافور كان قليل .

المرأة العرجاء : قبل الآن بساعة ماتت كل الامنيات ( تغني بحزن )

*عد وآنه عد وانشوف يا هو اكثر هموم.

من عمري سبع اسنين وگليبي مهموم .

المرأة الاولى ( تشاركها الغناء ) : راحوا ويلي ... راحوا بعد ما ردوا احبابي .

( يعاد عزف الاغنية على الة العود فقط )

المرأة العرجاء ( تتوسط المسرح ) : ولچ تعاي اهنا .... اهنا

المرأة الاولى ( تقترب منها ): خير شكو ؟

المرأة العرجاء : شوفي ذيج النجمه ( تشير الى البعيد )

المرأة الاولى : شبيها ؟

المرأة العرجاء : تعالي للننظف انفسنا مثلها .

المرأة الاولى : ونشعل في ملابسنا النار .

المرأة العرجاء : كي نزيل بقايا الحروب والامراض والقهر .

المرأة الاولى ( الى الجمهور ) : وانتم ايضاً تعالوا معنا لنزيل بقايا التراب من على صوركم المعلقة على

                                        جدار الذكريات .

المرأة العرجاء ( للجمهور ايضاً ): تعالوا معنا ، غداً سيكون الاجمل ، غداً سأتزوج ، وانجب اولاداً

المرأة الاولى ( تنظر اليها باستغراب ): ماذا ؟! ( الى الجمهور ) شوف هاي ، احنه وين وهاي وين .

المرأة العرجاء : نعم سيكون لي اولاداً ، وسأعلمهم ان ...

المرأة الاولى ( تقاطعها ) : علميه * ان الجوع كافر والجهل كافر والظلم كافر ، علميه ان الله في القلوب

                                  قبل المساجد والكنائس وان الله محبة وليس مخافة ، علميه ان الأنثى ما زالت

                                 توأد..

المرأة العرجاء ( بحزن ) : سأعلمه ان العالم هذا موحش ، من يلتفت للآخرين ؟ في كل لحظة هناك مأساة

                                   انها قصص نعيشها في كل يوم ، احداثها تكتشف من رحم معاناتنا .

المرأة الاولى ( تمسكها ) : يا اختاه اني اخاف عليك ، اخاف على احلامك هذه .

المرأة العرجاء : دعينا على الاقل نحلم ، نحلم ، نحلم .

( المرأة العرجاء تحاول الرقص بصعوبة على انغام موسيقى مناسبة )

( تعاد اضاءة المسرح شيء فشيء على حفار القبور وهو منشغل بالحفر يقف ، يمسك العكازة الخشبية يشمها ، يتوكأ عليها ويغادر )

اظلام

* جزء من قصيدة للشاعر بدر شاكر السياب .

* اغنية من التراث العراقي .

* من قصيدة لمحمد الماغوط .




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=143568
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 04 / 16
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13