تحيَّاتى كورونا...والاستقلال الداخلى!! بقلم د/ محمد سعيد محفوظ عبد الله
اجتاح كورونا العالم تقريبًا ونال منه وطالت يده الآثمة أفرادًا وجماعات ، بيد أنَّ الملاحظ ثمَّ أنَّ الدول الكبرى استأثرت به ،وغدًا حكرًا عليها: مرضًى وموتًى، والمستقرى لخارطة كورونا بشىءٍ من التُّؤدة يدرك أنَّ مُصاب الدول النَّامية ودول العالم الثَّالث والعالميْنِ: العربى والإسلامى جميعه إثر جائحة كورونا لا يُقارن بنظيره من دول أوربا والولايات الأمريكية ؛ بل لا أجدنى قد جانبت كبد الحقيقة ؛ إذا قلت إنَّ هذا المُصاب لا يضارع دولة، ك: إيطاليا ، هذا كله قد جعل كل دولة باتت منكبة على نفسها ،منغلقة على ذاتها ،وراحت كل دولة تلملم جراحها ، تنعى فاجعتها، تضمد جراحها، تاركةً ميراث الإحن والمحن، إلى حين ٍ من الدهر، وليتها تركته آماداً طوالاً وإلى الأبد ؛عبرةً وعِظة ، لعل وعسى.
تحيَّاتى كورونا...مُحرِّرة الشعوب!!
حيال جائحة كورونا أقدمت الدول الكبرى على الانسحاب من دول كانت قد غزتها تحت أى مسمًى، وبأى تذرع؛ أو على أقل تقدير أخلت مناطق وقواعد عسكريًّة؛ تمامًا كما فعلت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وقبلهما بريطانيا من العراق وأفغانستان وكوريا الجنوبية؛وهو انسحاب جاء تحت وطأة وإرغامات كورونا ؛خشية تفشِّيه فى جيوشها ومن ثمَّ فى شعوبها،ورفع يد البطش عن مسلمى الروهينجا والإيغور فى ظل صمت دولى رهيب ، والفضل ، كل الفضل ل: كورونا، بعد أنْ جاس خلال الديار قتلاً وتشريدًا.
تحيَّاتى كورونا...المجد لمصر..فخر العرب والمسلمين!!
أسفرت الجهود الطيبة المخلصة للقطاع الصِّحِّى المصري، بعدما أشادت به منظمة الصحة العالمية: (ًWOH ) عن استغاثة ترامب رئيس أكبر دولة فى العالم علميًّا وحضاريًّا وعسكريًّا بالأطباء المصريين، وما والاهم ؛ بل وقدم حزمة من الإغراءات منها: مقابل مادى سخى ،ومنح الجنسية على الفور، ناهيك عن مكاسب معنوية لا تقدر بثمن كأثر تالٍ لتلك المكتسبات.
تحيَّاتى كورونا...مصر دولة العلم والعلماء!!
تابع الجميع حفاوة واحتفاء فخامة الرئيس السيسى بالعلماء ،وكيف ثمَّن جهودهم:ماديًّا ومعنويًّا؛ وهو بذلك قد قطع خط الرجعة على من يظن ظنًّا أنَّ الدولة لا تعبأ بالعلم ولا بالعلماء، مؤكدًا فخامته على أنَّ الدولة ماضيًّة فى الاعتناء بكل ما من سبيله رِفعة الوطن وتقدمه ، وأولى تلك الخطوات وأهمها قاطبة: العلم ورجالاته.
تحيَّاتى كورونا...قاهر الهمِّ والذلِّ!!
جاء فى الأثر عن الدَّيْن: (الدَّيْن همٌّ بالليل وذلٌّ بالنهار).إنَّ الدَّيْن ،لا مُشاحة لايؤرق صاحبه فحسب؛ لكنما يقضُّ مضجعه ومضاجع من يرافقه، ويدخل الجميع فى حبائل الهم والغم والحَزن، ولا يبرأ من ذلك كله ، إلا ريثما يدفع ما عليه من دَيْن، حتى إذا جاء كورونا ، تنادت الدول الكبرى وانبرت ؛ فأسقطت ديون الدول الأكثر فقرًا فالدول الفقيرة ، ،ثمَّ تلتها الدول الأخرى،فأسقطت ما لها على أفرادها المتعثرين، وقد نهج وطننا –مصر-هذا النَّهج، وحسنًا فعل ،بل ومضت دول تسقط مستحقاتها من خدمات واجبة الدفع:كقطاع المياه والكهرباء..إلخ، ومضت أخرى تؤجل وتبيح لمواطنيها فسحة من الوقت ،برحابة صدر ، وسعة صبر.
تحيَّاتى كورونا...قاهر الضجيج والتلوث!!
توقفت حركة المصانع أو كادت؛وجُمدت وسائل النقل والمواصلات بعض يوم ، وسكن التلوث ،فصفا الهواء ،فزاد الأكسجين ؛فقلَّ ثانى أكسيد الكربون.
لقد تكفل ما عجزت عنه منظمات الأمم المتحدة البيئية التى استغرقت آمادًا طوالاً فى التحذير من خطورة انبعاثات المصانع،لم يكن الماء والهواء هو الرابح الأكبر وحسب ؛ بل كان الهدوء الذى خيَّم ولفَّ المكان ، هو إفراز طبيعى ونتاج منطقى ، أضف إلى ذلك كله إغلاق قاعات الأفراح وإلغاء الحفلات الموسيقية والغنائية وحفلات السمر والمقاهى..
تحيَّاتى كورونا...وبيدى أنا لا بيد كورونا!!
في بادرة استباقيَّة أعلنها السيد الأستاذ الدكتور/ طارق شوقى –وزير التربية والتعليم المصرى عن نجاح كل طلاب مصر وقالها مُدوِّية: لن يرسب أحد، وبالتَّأكيد فالفضل كل الفضل لفرمان: كورونا!!
تحيَّاتى كورونا...وزيادة قاطرات مصر!!
حيث أعلن السيد الأستاذ الدكتور/ كامل الوزير-وزير النقل والمواصلات المصرى عن زيادة قطارات مصر إلى 33 قطارًا تفاديًّا للتزاحم الذى هو مرتع وملعب كورونا.
تحيَّاتى كورونا...كورونا قاهرة الشيطان!!
أيقن العالم أنَّ الخلاص الوحيد من كورونا هو التوجه إلى الله سبحانه وتعالى ؛ قالها ترامب –رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وشايعه في ذلك رؤساء العالم أجمع ؛ بل إنَّ بعض المسئولين قال بالحرف الواحد: أعتقد أنه لا مجال الآن لوساوس الشيطان ؛فالكل يُخيِّم عليه شبح الموت ويحُوطه من كل جانب ؛لذا يجب أنَّ نتضرَّع للربِّ في كل وقت، وحسنًا فعلت المملكة العربية السَّعوديَّة حينما أقدمت على إلغاء كافة الحفلات الموسيقيَّة والغنائيَّة وحفلات السَّمر ، ونحن نثمِّن لها هذا الدَّور.
أهلاً كورونا...والتّيسير في الزواج!!!
لقد تابعت بشغف ما أسفرت عنه حزمة الإجراءات التى قامت بها دولتنا الرشيدة لإطراح فيروس الكورونا أرضًا، ومن ذلك إغلاق النوادى وقاعات الأفراح ؛ ممَّا يسقط عن كاهل الأزواج مئونة تلك الفريضة ، فريضة إتمام مراسم الزواج في أفخم النوادى وأبهرها أضواء وبهرجة ،والاستعانة بأشهر المطربين والفنانين لإحيائها، فشكرًا كورونا.
تحيَّاتى كورونا...كورونا العلم والإيمان!!!
تحيَّاتى كورونا...ما أروعك يا مصرنا!!
تتجه أنظار العالم-لا سيَّما العالميْنِ: العربى والإسلامى-إلى مصرنا الحبيبة ؛ تروم –وبشغفْ-الوقوف على حقيقة التعليم عن بُعد، وكيف سيتم تطبيقها على منظومة التعليم المصرية ، وهو ما تفتقت عنه عقول أولى الأمر القائمين على العمليَّة التَّعليميَّة في القطر المصرى،وهى تجربة أظنُّ ظنًّا- إنْ لم يكن الحقّ كل الحقّ –أنَّها الوسيلة الناجعة الناجزة للتعليم في زمن الكورونا، ولسوف يتلقفها العالم أجمع ؛ فمصرنا، الرَّائدة القائدة.
إذن قضت مصر على مقولة : إنَّ وسائل التواصل الاجتماعى إنْ هى إلاَّ وسيلة من وسائل التسليَّة والترفيه وقتل الوقت ؛ فاستحالت لديها من أقدر الطرق على إدارة الأزمات وتجنب البلاد ما هو أشدّ فتكًا من كورونا ؛ ألا وهو : انهيار العلم والتعلُّم، الذى هو انهيار للحياة نفسها مصداقًا لقول رسولنا الكريم صلَّى الله عليه وسلّم: ( الدنيا ملعونة ملعون من فيها إلا عالماً أو متعلمًا أو ذكر الله وما والاه ) صدق رسولنا مُحمَّدٌ صلَّى الله عليه وسلّم.
شرع أولى الأمر- سدنة العلم في مصرنا -على استغلال التكنولوجيا المتقدمة أحسن استغلال لما فيه نفعٌ للبشريَّة وإسعادها، ولسوف تُؤتى ثمارها المرجُوَّة –بإذن الله تعالى، ولسوف يُحسب ذلك ويُوزن بماء الذَّهب، لدن المتخصِّصين، لدى المنظمات العالميَّة، لقد تكفلت مصر في رفع مئونة التعليم زمن الكورونا، وقامت بدورها الموكول إليها ، هذه هى الريادة حقًّا، هذه هى القيادة يقينًا، في وقت استشعر الجميع بعِظم الموقف؛ فما كان ممن بيده عقدة التعليم والتعلم إلاَّ أن انبرى يُفتش عن أمل مفقود، لطالما تعلَّقت به الأنظار والأبصار، في استكناه ما يمكن أن يكون لمفردات وسائل التواصل التكنولوجى من مناقب تُدلى بدلوها آنئذٍ.
حقًّا وكما قال أبو فِراس الحمدانى:-
سيذكرنى قومى إذا جدَّ جدُّهم وفى الليلة الظَّلماء يُفتقد البدرُ
وكما قال الشاعر: حافظ إبراهيم –شاعر النِّيل:-
إنَّ مجــدي في الأُوليات عريــقٌ منْ له مثـل أولياتـــي ومجـــدي
أنـــــا إنْ قــــدَّر الإلـــــه ممـــــاتــي لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي
ويقول شاعرنا –محمد حسن إسماعيل في مصر:-
مصر يا أنشودة الدنيا وأغنية الشعوب
يا كعبة الأحرار رن هتاف نصرك في القلوب
يا أم أبطال الفنون وأم أبطال الحروب
تحيَّاتى كورونا...كورونا الإسلام!!
تابعت وبشغف ووله شديديْنِ، ما أبصرته عيْناى، فيما أبصرت : الله أكبر فوق مآذن أوروبا والعالم الغربى جميعه، بينما لم يكن ذلك قبلاً ؛ بل لم يكن ليدور في خَلَد أشدّ المتفائلين ؛ ولم يبلغ هذا الأمر مُنتهاه إزاء ذلك وكفى، بل بلغ أن تسامحت كنائس بدولة أيرلندا ورفعت الأذان صدَّاحًا مدَّاحًا ، لقد ابتهجتُ بذلك جزلاً ؛ ليس لأننى مسلم فحسب ؛ بل لأنه جاء الوقت لتتخلى أوروبا والعالم الغربى عن ذاك التعصب المَقِيت ؛ مُقتديًّة بذلك ومُستنَّة بما فعلته مصرنا الحبيبة ؛ حيث يعيش الكُلُّ نسيجًا واحدًا ؛ بل كان ذلك -ولا يزال –شعار ثورة 1919 ( عاش الهلال مع الصَّليب ) .
إنَّ كورونا فرصة لا بُدَّ من اغتنامها لأن يتعايش الجميع ويرتشف الحياة : أمنًا وسلامًا.
وحقًّا وصدْقًا ما قاله فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوى - رحمه الله - عن مصر:
مصر الكنانة.. مصر التي قال عنها رسول الله "صلى الله عليه وسلم" أهلها فى رباط إلى يوم القيامة.. مصر التي صدرت الإسلام للدنيا كلها.. هي التي صدرت لعلماء الدنيا كلها علم الإسلام، صدرته حتى للبلد التي نزل بها الإسلام..
وليس أروع ممَّا قاله سبحانه وتعالى:-
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات:13)
وما أروع ما قاله رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، أَبَلَّغْتُ ؟ ) قَالُوا : بَلَّغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
وما أروع أقوال السيد المسيح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن التسامح :-
يقول السيد المسيح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أحسنوا إلى مبغضيكم ، و صلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم و يطردونكم.
وقال السيد المسيح صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضًا :إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الْأَوْلَادِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الْأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. وَمَنْ قَبِلَ وَلَداً وَاحِداً مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي.
وقال شاعرنا أبو العلاء المعرِّى:-
الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ.. بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ
تحيَّاتى كورونا... وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا
ظنَّ العالم-لا سيَّما الغرب- أنه باعتلائه صهوة القمر ، قد وصل إلى سنام العلم وانتهى إليه، فإذا بالعلى القدير يُسلِّط فيروس كورونا ، الذى لا يُرى بالعين المجردة ، ويْكأنَّه يقول لهم : أين علمكم وعلماؤكم ؟!!
حقًّا نردد قوله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء:85)
ئئ
كورونا...أنا الشعب...والشعب أنا
سيدهش الجميع وستدهش فيروسات كورونا نفسها من هذا الوسم ؛ بيد أنَّ ذاك هو الحق ،كلُّ الحق، لقد أخفقت حكومات الدول منذ فجر التاريخ على إحداث نوعا من التفهم والمعقولية والمصداقية لدى العقل الجمعى لشعوبها ،مُسخِّرة فى سبيل سعيها الدؤب كل إمكاناتها وإمكانياتها : من وسائلها المختلفة ،وأكبَّت تستنهض عزائم رجالاتها المخلصين، وأمددتهم بما استطاعت من مقومات؛ علَّها تبلغ ما تريد ، بيْد أنَّها لم تفلح فى استقطاب كافة الأطياف ، وقنعت بالسواد الأعظم وثمَّنت ذلك ، ومن ثمّ رسخ لديها أن إرضاء الجميع ضربٌ من الخيال ، إنْ لم يكن الخيال نفسه ، لا سيما وأنَّ نظرية: (الحاكم الإله المقدس ) والعلاقة : أحادية القطب ، قد وجدت صدًى لدى النفس البشرية ، وأنَّ العقل الجمعى، كان قد سلك سلك الريبة والتوجس من قرارات حكوماته على مرِّ أحقاب متطاولة ، وأنَّها فى غالبيتها، أبدًا، لم تكن خالصةً لوجه الله ، ولا لوجه شعوبها ؛ على الرغم من سياجها بالترهيب تارة وبالترغيب تارة أخرى؛ لذا وطنّت أنفسها على وجود ثُلَّة مناوئة لحكمها ،وأيقنت أنْ لا بأس من ذلك ، ووطَّنت أنفسها أيضًا على مجابهتها بكل ما أوتيت من قوة ،على هذا كله سارت العلاقة.
لقد أقرَّت حكومات الدول قرارات ، ظاهرها العذاب و باطنها الرحمة ، أقرَّت :حظر التجوال وتقييد الحريات ، والالتزام بالبيوت وغلق المقاهى وقاعات الأفراح والكافيهات ، والمطاعم والمحلات ..إلى آخره، وكل ذاك تضييق مؤكد للرزق واستجابت الشعوب لقادتها وحكوماتها، بل ربما استبقتها فى ذلك ،بعدما ناشدتها المبادرة ،بل وثمَّنت نهجها الميمون ؛رغبة فى موفور الصحة والعمر المديد، إنْ لم يكن لها، فلأبنائها ، ولم تجد الدول لا كبير ولا قليل عناء فى ذلك ؛ بل إنَّ أفرادًا من الشعوب ،جعلت على عاتقها رصد أى خرق ، استحال الكل حاكمًا ومحكومًا، وتأكد ت نظرية العقد الاجتماعى ل :( جان جاك روسو ) ، فى تسامح الشعوب فى بعض الحقوق ، مقابل الحرية ، فما نظنه الآن قيدًا ،هو الحرية ،فيما بعد ،
فالكل فى كورونا سواء.
والغريب حقًّا، أن المعارضة لم تجد مفرًا –راغمةً صاغرةً-من الانصياع لقرارات الحكومة ، بل ومناشدة الشعوب بتنفيذها؛مخاطبةً وُدّ ها ؛فلم تستطع أن تستمرىء على إرغامات وإكراهات، فرضتها عليها تلك الحكومات ،طواعيةً!! ؛لأنها اطمأنت لتكامل جهود ومساعى الحكومات الحثيثة لاجتثاث هذا الوباء، وآمنت أنها أمام نسيج موحَّد، لن تفلح فى النَّيْل منه،فتخلَّت عن الخط الموازى المناهض للحكومات-إلى حين ؛ لأنها ستغرد وحيدةً فى السّرب آنذاك ، وستفقد بعضًا ممَّا حقَّقته -كما تتوهم -وستتدرك الشعوب حينها أنَّها نقيض الصَّالح العام الذى تزعم ابتغاؤه، يُثاب المرء رغم أنفه.
لقد قطعت حكومات الدول عليها خط الرجعة، وقوَّضت أحلامها باجتذاب أفئدة بعض الأفراد، فلم تترك لها موضعًا لقدم صدق ؛ بل ربما وجدت المعارضة أنه ما من طريق أجدى لبقائها على قيد الحياة - إذا أرادت التواجد على الساحة -سوى أن تجنح لجهود الحكومات المخلصة وتباركها .
على الحكومات أن تعىَ الدرس ،فيما بعد كورونا ،وتجتهد قدر طاقتها فى اصطفاف أطياف الشعوب كما كورونا ؛ لانتزاع شأفة الشقاق، ودحْر كيد الكائدين.
هنيئًا للشعوب بحكوماتها ، وهنيئًا للحكومات بشعوبها .
لله درّك ياكورونا!!
لا صوت يعلو فوق صوت كورونا ،لا صوت يعلو فوق صوت الدولة .
اشترع العالم سُننًا حيال مواجهة جائحة كورونا هى إلى الخيال أقرب ؛كما كورونا تمامًا فى ظهوره وسرعة انتشاره ونوعية مُصابه الأليم ، وكذا الدول التى تجرعت كأس كورونا، تلك الكأس التى احتساها الشريف قبل الوضيع،الثمين قبل الغث، ولن أذهب بعيدًا إذا وسمت هذا الجاثم على صدورنا بوَسْم: كورونا ..حرب القرن.بله يمكن القول بقليل من التسامح:أفتك من كورونا!!!
ومن نوادر ما حدث تحت وطأة إكراهات كورونا نتلو ما تيسَّر منها:-
حرية الكلمة:-لقد سارع العالم جميعه –أو كاد-بأن أطلق سراح أكثرية معتقليه ، لا سيَّما معتقلى الرأى ، ومنها مصرنا الحبيبة ؛ بل والأنكى من ذلك أن تستجيب دولٌ مثل إيران والصين ويكون هذا على مرأى ومسمع من العالم كله.
رحمة كورونا:- ومن ذلك أيضا تسامح العالم ، لا سيَّما ألمانيا مع المهاجرين ؛ حيث جعلت طلبات اللجوء تقتصر على الأطار الكتابى ، وكان قبلاً يمر بمراحل أقسى وأشد تعقيدًا.
أنقذنى رغم أنفى:-مُناشدة رئيس أكبر دولة –الولايات المتحدة الأمريكيَّة-فى العالم ،الصين بُغية مساعدتها إزاء تابوت كورونا ،على الرغم ممَّا بينهما من احتراب واقتتال، بل وتبادل اتهامات تُحمِّل تَبِعة ذلك إحداهما الأخرى.
وذات الشىء بالنسبة لروسيا ، التى ارتأت مُناصرة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه ذات الخطر المُحدق.
التكافل الاجتماعى –تلك الفريضة الغائبة-بين دول العالم ؛تمثَّل ذلك فى إسقاط ديون الدول المتعثرة ، وذات الأمر بين جُموع شعوب الدول الأكثر فقرًا ، والدول الفقيرة ؛ حين أقدمت حكوماتها على التنازل عن مُستحقَّاتها لديهم.
وما فعلته أمريكا حين غضَّت الطَّرف عن وصول شاحنات ومساعدات بكافة أنواعها إلى إيران المنكوبة .
هذا هو:-تخلَّت الدول الكبرى عن الأنانية العلميَّة وتركت سِياج التَّكتم الذى اكتنف منهجها العلمى لئلا تقتبس منه الدول الأخرى ومن ثمَّ تلحق بركابها ، وغدا العالم بأسره معملاً علميًّا وحقل تجارب، ويُعلن كل ملأ ما توصل إليه الآخر فى تكامل علمى فريد.
كورونا المسلم!!! سمح الغرب الأوروبى وكذا الأمريكى بأن يُدوِّى الأذان ويملأ جنبات البلاد طُولاً وعرضًا، بل وتُتيح إحدى الكنائس للمسلمين اعتلاء سطح الكنيسة ليعلو نداء: الله أكبر، وفى ذلك إشارة ضمنية بالإقرار بالآخر، المسلم بعدما كان مُتلبسًا بلباس الجحود والإنكار.
الوطن للجميع:- فريضة التسامح التى سادت دول الخليج حيال المقيمين بها ، والتساهل معهم فى أمر الإقامة وتجديدها إلى نهاية العام دون أية غضاضة أو ملامة عليهم فى ذلك.
لن أضربك:-انحسار موجة العنف فى الطُرقات والشوارع العامة ؛ لشىء هيِّن يسير ، هو الحظر الجزئى ، والكُلِّى فى بعض البلاد ، والمناطق؛ ليس هذا فحسب ؛ بل خشية أن يكون أحد المتعاركين مُصابًا ب :كورونا القاتل فتتناقل العدوى ؛ فيخسر الظَّالم أكثر من المظلوم.
فرمان كورونا..الكل ناجح:-كورونا لم يرسب أحد:أعلنها السيد الأستاذ الدكتور/ وزير التربية والتعليم فى مصرنا الحبيبة ، وقالها صراحًا ؛ دونما مواربة ولا مُمالأة: لم ولن يرسب أحد ، فى سابقة هى الأولى من نوعها.
فى بيتنا كورونا:-داهم كورونا العالم ؛فانشغل كُلٌّ ب:كورونته، ولم يعد يُبيح لنفسه أن تكون رقيبةً على الآخر ؛ تُحصى عليه سكناته وحركاته.
كورونا الشيطان الهادىء:-الهدوء المُصاحب ل:كورونا ، هدوء لا ينازعه شىءٌ؛ فلا صخب ولا لجب يتدافع يترى إثر مراسم زواج أو مناسبات تضجُّ بها المضاجع ، ولا حافلات ولا حتى توك توك، طيلة بعض يومٍ فى دول وربما اليوم كُله فى دول أخرى، ممَّا يمنح النفس بعضً من الوقت تجنح فيه إلى بعض أمورها ، تعيد حسابها شطر هذه الأمور: محوًا أوتأكيدًا أوإعادة نظر.
لن أقتلك:-توقفت المعارك والمناوشات –أو كادت-بين المناوئين ، فى المناطق المُستعرة المُستحرة؛ لمسنا ذلك فى المنطقة العربية مثال : اليمن وسوريا ،كما يتم على استحياء فى ليبيا، وعلَّة ذلك تتأكد فى أنَّ كورونا قد تكفل ذلك وتولى هو بنفسه هذا الأمر.
لا ...كورونا قاتلى:-أن تقابل رفيقك فى الطرق والساحات ، ولا تضجر، ولا تأسى على تجاهله إياه لك ؛ ولسان الحال يقول : لا ...كورونا قاتلى ، لا بل سأذهب لأبعد من ذلك حين أذهب إلى القول بأَنك تتمنى-وبحقِّ-ألاَّ يُعانقك ، فضلاً عن المُصافحة، ولقد سمعنا عن أمِّ -أبدًا -لم تعانق وليدها إلا بعد عشرة أيامٍ كاملة؛ حدبًا وحنوًا عليه وعليها.
كورونا..الذئب يرعى الغنم :-أتت قرارات الدول –خاصة الدول ذات أحادية الحكم –ذات الحكم الشمولى- فى أكثريتها –ولم أكن ألبتة مُخطئًا إذا حسمت القول : بجميعها-تركن إلى مصلحة المواطن ، وإنْ جشَّمت صانعى القرار كبير عناء ماديًّا ومعنويًّا، وبالتالى تلقفها قاطنو هذه الدول بشىءٍ من الارتياح ، حتى لو أثقلت كاهلهم المعيشى؛ فقد وعى الجميع فداحة وجسامة الموقف ف: كُلنا كورونا.
وفى الختام:-فالبادى على تلك الظواهر التى تمَّ سردها بشىءٍ من الإيجاز :غرابتها وغموضها؛ ربما مرجع ذلك مأتىٌّ من الارتباك الحادث جرَّاء تلك الجائحة النَّائحة؛ربما أيضًا من تنامى من قُضُوا بشكل متواليَّة هندسيَّة؛ أضف إلى ذلك كُلِّه عجز العالم كُلِّه قُبالة كورونا القاهر :علميًّا وصحيًّا، لاسيَّما أُناس كُنَّا نعدُّهم من الأخيار طبِّيًّا؛ بل إنَّ الجميع مَنْ ارتاد هذا الكوكب الأرضىِّ:ينتظر كورونا ،وقد أتى يحِثُّ الخُطى إليه ويخفُّ الرّكب، حامدًا الله تعالى ، شاكرًا أنعمه ؛ إنْ هو توانى فى ذلك ، راجيًّا أنْ يضلَّ السَّعى إليه ، وذاك مغزى ما ألمح إليه رئيس وزراء بريطانيا: ودِّعوا أحبَّاءكم، وقد تجرَّع بعضًا منه ؛ حيث أضحى رهين الحجر الصحى.
هذا جميعُه جعل العالم لا يلوى على شىءٍ، جعله يتحرك على غير هدىٍ وهُدىً؛ لعلَّه يبلغ ما يُمنِّى به النفس؛ فهذا التحرك اللاواعى-الذى يدخل تحت مُسمًّى: الصُّدفة-هو الذى أتاح للعقل البشرى أنْ تتفتفق عنه اختراعات جمَّة ، مثل قوانين الجاذبية ، والطفو ...إلخ.
|