• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أنا موجودة .
                          • الكاتب : عدوية الهلالي .

أنا موجودة

شاهدته يبتعد عنها وهو معصوب العينين ومقيد اليدين خلف ظهره....شعرت بقلبها يتهشم كقطعة زجاج ...كانوا يقتادونه الى المجهول وكان عليها ألا تصرخ او تعترض بشدة لكنها صرخت مع ذلك ولم تشعر بما خلفته ركلة رجل الأمن من آلام ...وابتعد عنها ، وكان آخر ماشاهدته من بين فيض دموعها خاتم زواجه الذي كان يتلألأ تحت الشمس وهو يحيط ببنصره ..كانت تقول له : اريدك ان تتزوج لارى اطفالك واختارت له ابنة جارتها ولم يعترض فقد كان يود ارضاءها بكل الطرق ولم تمض على زواجه منها الا شهور حين اندلعت تلك الانتفاضة وبدأ بعد احباطها مسلسل تصفية اكبر عدد ممكن من شباب محافظته ..

بعد سنوات ، عثر الاهالي على عظام ابنائهم في مقابر جماعية وهرعت الام لتفتش عن عظام ابنها ووجدتها ..تعرفت الام على ولدها من ذلك الخاتم الذي تلألأ تحت الشمس حين ازيل التراب عن بقايا هيكله العظمي ..اندهش الواقفون من جراة الام التي احتضنت العظام كما تحتضن جسدا ينبض بالحياة وحملتها معها في منديل لتضعها في حجرها وهي في الطريق الى المنزل ...نظر سائق سيارة الاجرة في مرآة سيارته وهو يستمع الى دندنة تصدر عن المراة الراكبة معه فشاهدها تحتضن صرة من القماش وتهدهدها كما الرضيع ...فكر السائق ...كم انت كريه ايها التراب فقد اكثرت من اخذ الاحبة ...احبة يذوبون فيهم عشقا وهاهم يذوبون فيك والفارق الوحيد انهم يذوبون فينا برغبتنا ويذوبون فيك من دون رغبتهم ..

مرت سنوات ، ولازالت المراة العراقية تحصد ثمار السياسة الفجة فتودع احبتها الى جبهات القتال او المعتقلات او ساحات التظاهر وتستقبل توابيتهم أو رفاتهم بصبر يفوق المعقول ثم تستعد لاستقبال مرحلة جديدة تنفض عنها احزانها فيها لتحل محل الرجال الغائبين وتتحمل مسؤولياتهم ..ففي بلدنا ، اعتادت المراة أن تصبح خارقة لتقاوم صعوبة الظروف التي أحاطت بها عقودا طوال ومازالت تمتحن صبرها وقدرتها على الاستمرار والعطاء...وحين تحمل المراة مسؤوليات مضافة الى مسؤولياتها النسوية المعروفة فهي تضطر الى التخلي عن انوثتها وحاجاتها العاطفية والنفسية او التخلي عن أحلامها وطموحاتها لتدفع عجلة المعيشة وحدها او تربي أولادها وتحقق أحلامها من خلالهم ، وحين تصحو فجأة بعد أن تكتمل رسالتها تجد نفسها أحيانا وحيدة ، مهمشة وعاجزة صحيا ، وقد تحاصرها الكآبة والامراض النفسية حين تشعربأنها أضاعت أجمل سنوات عمرها في ارتداء جلباب الرجل ونسيان كونها امراة ..

الحرمان اذن هو أكثر ماتعانيه المرأة العراقية في ظل ظروف عامة خارجة عن ارادتها لكنها تسحبها الى دوامتها سحبا ولايسهل عليها الخروج منها دون خسائر ..

فالمراة العراقية واجهت معاناة تفردت بها عن غيرها حين عرفت الترمل والنزوح وفقدان الابناء واليتم وضياع الاحلام ..انها امرأة خارقة اذن فهي ورغم كل معاناتها الخاصة والعامة تواصل النضال وهي تستقبل عيد المراة لتضع قدمها بين أقدام اخواتها العربيات على عتبة المستقبل وتصبح واحدة منهن فقد علمتها الظروف الصعبة أن تتفوق على نفسها وأن تطلق طاقاتها الكامنة لتقول للعالم كله :أنا موجودة ..




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=142488
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 03 / 11
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13