• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : المَرجِعِيّةُ في تفسيرِ وتَأويلِ النصِ الدينيِّ .
                          • الكاتب : زعيم الخيرالله .

المَرجِعِيّةُ في تفسيرِ وتَأويلِ النصِ الدينيِّ

لِكُلِّ حَقلٍ معرفيٍّ مرجِعيّتُهُ التي تُشَكِّلُ الجَهَةَ الرَّسميّةَ الناطقةَ باسمِ هذا الحقلِ المَعرفيِّ .
في حقلِ الطّبِ -على سبيلِ المثالِ - الاطباء الحاذقون هم الجهة الرسميّةُ ، التي يكون كلامها هو المُعَوّلُ عليهِ في حسمِ الخِلافِ ؛ لانَّ هناكَ دجاليّنَ يعالجونَ المرضى ويبتزونهم اموالهم كالمشعوذينَ والعرافيّن والسحرة . مالم تكن هناك جهةٌ رسميةٌ ناطقةٌ باسم الطب فسنقعُ في فُوضى التطبيب ، والضحكِ على الذقون.وفي مجال الهندسة ، هناك مهندسون أدعياء ، وهؤلاء مالم تكن هناك مرجعيةٌ يرجع اليها في تحديد ادعياء الهندسة من المهندسينَ الحقيقين ، لتسبب هؤلاء بكوارث ، وسقوطِ البنايات على رؤوس الساكنين فيها .
وهذا الكلامُ جارٍ في كل العلوم ، سواء كانت علوماً طبيعيّةً أوعلوماً انسانيّةً ؛ لضبط المعرفة ، وعدم تقديم معرفةٍ مشوهةٍ من قبل أدعياء العلم.
وفي الحقلِ الدينيّ ، هذه القاعدةُ جاريةٌ ، ولايمَثّلُ الحقلَ الدينيَّ الاستثناء من القاعدة.
فلماذا يكونُ الحقلُ المَعرفيُّ في مجال الدينِ ساحةً مُستباحةً لكلِّ من هب ودب ؟
وعندما نقولُ : لابدَّ من وجودِ جهةٌ رسميّةٌ لها صلاحيّةُ الحديثِ باسم الدين؛ لايعني أنّ هذهِ الجهةَ تصادرُ حقَ الاخرين في التفسير والتاويل ، وانما اراء الاخرين تبقى اراء قابلة للنقاش ولكنّها لاتمثلُ المرجعيّة الرسمية ، وهذه الاراء ليسَ بامكانها حسم الخلاف ، بل هي تفسح المجال لاراءّ متضاربةٍ ومتنافرةٍ يضربُ بعضُها بعضاً ، فلابُدَّ من وجودِ المرجعيّةِ لحسم هذه الفُوضى في التفسيرِ والتأويلِ.
القُران الكريمُ يَتَحَدَثُ عن وجودِ النص الدينيِّ مع مرجعيته ؛ فالله تعالى لم يرسل الى الناسِ كتباً فقط ، من دون ارسال مرجعية معها في تفسير هذه الكتب وتاويلِها ، ولكانَ النصُ وحدَهُ كافياً دون الحاجةِ الى مرجعيّةٍ التفسيرِ والتأويلِ ؛ لأرسلَ اللهُ الى الناسِ كُتُباً بلا رسلٍ. اللهُ تَعالى يقولُ في كتابه الكريم ، مؤكداً على التَلازمِ والترابطِ الوثيقِ بين النص الدينيّ ومرجعيته.
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ).النساء: الاية: ١٣٦ .
(تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا).الفرقان: الاية: ١ .
(آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ ). النساء: الاية:١٣٦.
(وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ).النحل: الاية: ٤٤ .
والايةُ الاخيرةُ تبينُ مرجعيّةَ الرسولِ في البيانِ وحقهِ الحصريّ فيه.
فالرسولُ هو الذي يُفَسّرُ النصَ الدينيَّ ويبينهُ للناس ، وله حقُ التأويل.
وبعدَ رحيلِ الرسول(ص) عن هذا العالَمِ ، هل هناك مرجعيةٌ بعدَ رسولِ الله (ص) في تفسير وتبيين وتأويلِ النص الدينيّ ؟ نعم ، فالقران تحدث عن وجود ورثة للكتاب :
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا).فاطر: الاية: ٣٢ .
القرانُ الكريم يتحدثُ عن وجودِ مرجعيةٍ وارثة للكتاب لها حقُ التفسيرِ والتأويلٍ والتبيين.
والقُرانُ الكريمُ تحدثَ عن اشخاصٍ مؤهلين راسخين في العلمِ ، لهم حقُ التأويل:
( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ).ال عمران : الاية: 7.(على القراءة التي تقف على الراسخين في العلم).
والنبي (ص) في حديث الثقلين اكد على هذه المرجعيّة :
(كأني دُعيتُ فاجبتُ ، اني قد تركتُ فيكم الثقلينِ احدهما اكبر من الاخر ، كتاب الله وعترتي اهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فانهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض) . "سنن النسائي ، الحديث رقم :8148" .
النصُ الدينيُّ ينتج اليات للفهم
---------------------------
هل نحتاجُ في فهم النص الدينيّ الى تطبيقِ مناهج غريبةٍ عن بيئةِ النص الدينيّ ولغته فرضتها استفهاماتٌ واشكالاتٌ على نصوصِ الكتابِ المقدس كمنهجيات (الهرمنيوطيقا) ، (التي هي نظريةٌ في تفسير الكتابِ المُقَدَّسِ بعدَ عمليّةِ الاصلاحِ البروتستانتي عندما ارادوا تفسير الكتابِ المقدس دون الحاجةِ الى سلطة الكنيسة ، هذا الامرُ حتَّمَ عليهم ان يعتمدوا على أنفسهم في تفسيرِ النصِّ الدينيِّ ، وبالنظر الى تعدد التفسيرات الممكنة لاي نصٍ انجيليٍّ فقد دعتهم الحاجةُ الى تاسيسِ مباديء أومعايير للتفسير الصحيح ). نقلاً عن كتابِ ( فهم الفهم للدكتور عادل مصطفى) .
اليس النصُ الدينيّ قادرٌ على انتاجِ الياتٍ للفهم ، وهذا مافعلهُ المسلمون الذين ابدعوا علم الاصول الذي هو منهج في فهم النص الدينيِّ ؛ لانّ اصول الفقه تعني اصول الفهم ؛ لان الفقهَ في اللغةِ هو الفهم .
اليسَ النصُ الدينيّ نصاً لُغَوِيَّاً ؟ ولابُدَّ للذي يريدُ قراءةَ النصِّ الدينيِّ ان يكونََ مُلِمَّا بعلوم اللغةِ من نحوٍ وصرفٍ وبلاغةٍ ، ويعتمد اليات علم الاصول في الفهم . فلماذا تطبق مناهج غريبة على النص القراني من بيئة اخرى ، ونشات في ظل ظروفٍ معينة؟ولماذا لاتكون هذه المناهج نفسها تأريخية ؟ لماذا يتم التعامل معها وكأنها مناهج كونية؟ لماذا يتم انتزاعها من بيئتها وظروفها ؟ ويتم تطبيق منهج التاريخية على النص القراني؟
تأريخيّة النص القراني
--------------------
الذين اشتغلوا على تأريخية النص القراني ، هم : نصر حامد ابو زيد ، ومحمد اركون ، والباكستاني فضل الرحمن مالك . ويستدلون على تاريخية النص القراني من خلال اسباب النزول ، والنسخ ، وفكرة التنجيم ( نزول القران منجماً) .
وجهةُ نظرٍ في تاريخيّة النص القرانيّ
-----------------------------------
الامثلةُ التي ضربها القائلون بتأريخية النص القراني ، من اساب النزول ، والنسخ والمكي والمدني ، وفكرة التنجيم ، والشخصيات والوقائع والافراد ، وجهة نظري فيها انها تتعلقُ بالمصاديق لابالمفاهيم . فابو لهب وام جميل في سورة اللهب ، التاريخية تتعلق بالمصاديق . فالتأريخي هو ابولهب المصداق ، لاابو لهبٍ المفهوم ، وام جميل المصداق لاالمفهوم ؛ ولذلك تحدث القران عن ابي لهب المفهوم وام جميل المصداق ، فابو لهب صفته المنتزعة من فعله وهذا هو مفهوم ابو لهب لا عبدالعزى المصداق التاريخي ، ابولهب المفهوم نموذج متكرر لكل من يحمل شعلة من نار ويحرق بها بيوت الامنين ، وام جميل وصفت بحمالة الحطب ، كل من تحمل حطباً من اجل احراق الاخرين ، وهذان النموذجان يتكرران .
القران الكريم يتحدث عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وهذه هي المصاديق التاريخية التي لاوجود لها اليوم ، ولكنّ الاية ذيلت بمفهومٍ باقٍ وغير قايل للنسخ، ولايمكن ان يكون تأريخيّا :
(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ ۙ وَلَٰكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۖ وَأَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).المائدة: الاية: 103.
البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، هي المصاديق التاريخية ، اما المفهوم في الاية : (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب واكثرهم لايعقلون ) افتراء الكذب واللاعقلانية في التفكير هي المفهوم غير القابل للنسخ ، ولايمكن ان يكون تأريخياً.
وعلى هذا الاساس لابدّ من وجودِ مرجعيّةٍ رسميةٍ في تفسير وتأويل النصّ الدينيّ لحمايتهِ من عبثِ اصحابِ الاهواء ، ومن غير المؤهلين حتى لانقع في فوضى التفسير والتاويل غير المضبوطينِ بضوابطِ العلم.




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=141095
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 01 / 23
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 14