مانديفيل هو طبيب فرنسي لديه فلسفة اجتماعية خاصة أثارت جدلاً واسعاً كونها مقلوبة المفاهيم ولا تتعامل كثيراً مع المنطق الاجتماعي العام .. !

ولكن بلا شك أن آرائه لا تخلوا من فائدة أحياناً ، فمثلاً لديه هذه الفكرة والتي تسمّى مفارقة مانديفيل ، مفادها : الرذيلة الفردية قد تتحول الى منفعة عامة ، في حين قد لا تزيد الفضيلة الفردية من سعادة المجتمع شيئا ..

ويعطى مثالاً لذلك بأن : الأحمق الطمّاع المجتهد قد يكون أكثر نفعاً للمجتمع من حكيمٍ كسول .. !!

وأرى أن كلامه لا يخلو من حكمة ، والحكمة لا تكمن في الشق الأول من المفارقة ( الأحمق الطماع المجتهد ) وإنما بالشق المقابل له ( الحكيم الكسول ) .. فإننا كثيراً ما نُخطّىء الآخرين الذين يعملون ويتحركون ويسعون .. ونكيل لهم أطنان من السباب والشتم واللعن ولكن لا ندري أننا قد نكون أكثر ضرراً منهم على المجتمع ..!! وذلك بسبب كسلنا أو هروبنا من الواقع وخلوّ ساحات العمل والصلاح منّا ..

فعدم المشاركة بالفساد لا يعني اصلاحاً أبدا ، نعم قد نكون صالحين على المستوى الفردي ولكن مفسدين على المستوى العام ، فالصلاح التام والكامل هو المساهمة الفعّالة والحضور الحيّ في كل مفاصل المجتمع .. وكل بحسب طاقته ومهارته وإمكانياته طبعاً ، فينبغي أن لا نزهد بكلمة نقولها أو منشور على مواقع التواصل نكتبه أو حضور ندوة معينة تُعقد هنا أو هناك أو المشاركة بلجنة شعبية .. الخ ، لأنها قد تكون سبباً لخيرٍ كبير لا نعلمه ..

السلبية على المستوى العام لا تُعوّض بالإيجابية الفردية ، وصلاح خشبة في سفينة لا يسدّ عيب خشبة أخرى في نفس السفينة ..! فالخير يخصّ والشر يعمّ كما يقال ، المجتمعات لا تصلح بالأنانية ولا تتقدم بالمصالح الشخصية ، قوامها العمل الجماعي وسر نجاحها بتوزيع المسؤولية على جميع أفرادها .