كتاب ( سايكولوجي الجماهير ) لعالِم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون من الكتب الجيدة في بابها والتي يُنصح بقرائتها في المجتمعات التي تنشط بها الحراكات السياسية والتجمعات البشرية الموجهة بآيدولوجية معينة.. ليكون الشخص على دراية وخلفية واعية لكل نشاط يمارسه المجتمع ( كمجتمع ) أو بعض تجمّعاته ، أو أنشطة تُمارس على المجتمع من قبل مؤسسات وحركات سياسية ومدنية .. الخ ..

ولنقل أن هذا الكتاب في بعض فصوله وأفكاره يرفع من سذاجة القارىء - كمواطن - ويجعله أقل عرضةً للإنخداع فضلاً عن تسليحه بأفكار وأدوات جيدة للمشاركة في تحصيل هدف عام او تغيير وضع قائم ..

ومن إحدى الأفكار التي يطرحها المؤلف في هذا الكتاب هي وصفه بأن : الجمهور بسيط والفرد معقّد ..

ويقصد أن الجمهور ككتلة بشرية لا ينظر الى الأمور بتعقيد فكري أو عمق علمي وإنما ينظر الى المشاكل وعلاجاتها على مستواها السطحي الظاهري فقط ، بينما الفرد إذا أراد أن ينظر الى المشاكل والظواهر .. الخ التي يمرّ بها بلده أو مجتمعه او عصره فإنه ينظر اليها بجدلية أكبر ويحاول أن يتعمق بتفاصيلها أكثر ..
ولهذا نجد أن تفاعل الفرد في حالة وجوده مع الجمهور يكون أسرع وأكبر من تفاعله لو كان بمفرده .

ويعطي نفس هذا الكتاب وصفاً آخر للجمهور ، فيصف بأن : الجمهور ذكر والفرد أنثى ، أي أن الجماهير تحمل عقلية ومشاعر أنثى ، على عكس أفرادها حال تفرّقهم فإنهم يتصرفون كذكر وبأكثر صلابة ، فمشاعرهم وعواطفهم وحماسهم ومخاوفهم هي أقرب الى مشاعر المرأة حال تجمعهم على قضية معينة .

وأيضاً يطلق في هذا الكتاب فكرةً أخرى ثالثة وهي أن الجماهير تتساوى فيما بينها بغض النظر عن مستوى ثقافة أفرادها ، فيقول الكاتب : " رأي أربعين عالِم من الأكاديمية الفرنسية بخصوص القضايا العامة لا يختلف اطلاقاً عن رأي أربعين سقاءً .. " .

وهذا للإنصاف تحليل واقعي ، فالمجتمعات بعقلها الجمعي قد تصل الى سبب المشكلة وعلاجها من خلال نظرة خاطفة تولّدت بسبب تجربة سابقة أو مَثَل شائع او موروث شعبي او بيت شعري محفوظ .. بهذه البساطة ، بينما الفرد يتجاوز هذه النظرة البسيطة ويحاول أن يُعمل فكره ويُشغل ذهنه .. وبالأخير أما أن يصل الى نتائج صحيحة أو لا يصل !!

ولا بد من القول أنه في الوقت الذي تتشابه به الجماهير ببعض الصفات مهما كان موضع مكانها وزمانها فإنها تتمايز فيما بينها ببعض الخصائص والتي تدخل في طبيعتها السايكولوجية ، وعليه لا بد من دراسات منفصلة لكل جمهور وعدم الإعتماد على الدراسات العامة والشاملة فقط .