نحن لا ندعو الى خيمة الصحراء ولا نرفض مطلقاً التقدم التكنولوجي الرفيع الذي عبر الفضاء الى الكواكب , ولا ننكر الفن الرفيع الذي يحافظ على منهجه في ذاته وموضوعه من الفن والحياة لكننا في كل وقت وفي كل موقع من مواقع الحياة بحاجة الى حكومة رشيدة بدء من الأسرة الى المؤسسة الى الدولة , مُمثلة في سلطاتها التشريعية والتنفيذية والقضائية , والى وعي يقظ قادر على التفاعل الصحيح السليم مع كل المُعطيات الفكرية والثقافية المختلفة في سائر الحقول العلمية والمعرفية والفنية , لكن في حرية مُلتزمة بقيمنا وأصالتنا وأخلاقياتنا وديننا خاصة ونحن نعيش في عصر ما يمكن أن نسميه عصر التلوث الفكري .
والواقع إن الانسان اليوم مريض روحياً وعقلياً ونفسياً وجسدياً بالتبعية , وأن هذا المرض العقلي قاده الى مرض اجتماعي اقتصادي معاً ولن يخرج من هذا المرض أو يتطهر ويقوى أو يصح تماماً إلا بإصلاح الأساس(الأصل) , نعم أقولها بكل ثقة ووضوح أن الحل واضح كالشمس والمنهج هو الحكمة في مُمارسة تنمية الحياة عن طريق الإذعان والاستجابة لمعرفة الإيمان وتعمير الأرض بسائر مدارج المعارف العلمية والثقافية نظرياً وتطبيقياً , فكراً وسلوكاً , علماً وفناً , ثم ماذا أريد أن أقول ؟ أريد أن أقول إنه لا نجاة لنا إلا بالعودة الى دين الفطرة الواعية , دين الإرادة الباصرة العاقلة التي لا يستطيع أن يعبث بها أي شيطان قديم أم حديث أو أي إبليس منهجي وغير منهجي على صراط غير مستقيم , ولابد لنا أن نؤسس ونقيم دوائر معارف إسلامية وعربية من كل النواحي التعليمية والتثقيفية , يكتبها عرب ومسلمون حتى نتحرر من الآراء التي كتبت لنا في معاجم ودوائر خاصة ومقصودة , ولابد من تصحيح مُخططات التعليم من مراحل الحضانة الى مراحل النضج المُتكامل , والاكتمال في مجالات الخبرة في سائر الحقول المختلفة وحماية الشعوب ورعايتها اجتماعيا وثقافياً , ولتحقيق ذلك لابد لنا من أن نحمي فكرنا وتوجه شبابنا وأطفالنا ونرعى منهجنا ونخطو الى الامام لعصر نهضة جديدة لعالم مُتحضر جديد بعيد عن النظرة الضيقة التي تحاول الأيادي الخفية وضعنا فيها .
وهنا يكمن دور الحكومة الرشيدة في الحياة الاقتصادية والتي تعد من المبادئ المهمة في نجاحها , ولا يقتصر دورها على مجرد تطبيق الاحكام الثابتة في التشريع , بل يمتد الى ملء منطقة الفراغ من التشريع , فهي تحرص من ناحية على تطبيق العناصر الثابتة من التشريع وتضع من ناحية أخرى العناصر المتحركة وفقاً للظروف , ففي مجال تطبيق الحياة الاقتصادية التي تتصل بحياة الأفراد الاقتصادية , فتحول مثلاً دون تعامل الأفراد بالربا أو السيطرة على الأرض بدون حياء أو غيرها من تلك الأمور اللاأخلاقية , كما يجب على الحكومة مُمارسة تطبيق الاحكام التي ترتبط بها مباشرة , فتحقق مثلاً الضمان الاجتماعي والتوازن العام في الحياة الاقتصادية بالطريقة التي سَمح الاسلام باتباعها لتحقيق تلك المبادئ بالشكل الذي يضمن الأهداف العامة للاقتصاد ويحقق العدالة الاجتماعية لكل أفراد المجتمع .
|