فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ .
كلما قرأت هذه الآية المباركة، وبعض الآيات الأخرى التي تتحدث عن الحج، وكذلك الروايات التي تتحدث عن الصلاة في مسجد الرسول الاعظم نبينا الأكرم محمد( صلى الله عليه و آله وسلم ) ،
احترق شوقا لتلك الأماكن، وعندما يأتي شهر رمضان المبارك واقرأ دعاء (اللهُمَّ ارْزُقْنِي حَجَّ بَيْتِك الحَرامِ فِي عامِي هذا وَفِي كُلِّ عامٍ ما أَبْقَيْتَنِي فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعافِيَةٍ وَسَعَةِ رِزْقِ، وَلا تُخْلِنِي مِنْ تِلْكَ المَواقِفِ الكَرِيِمَةِ وَالمَشاهِدِ الشَّرِيفَةِ، وَزِيارَةِ قَبْرِ نَبِيِّكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَفِي جَمِيعِ حَوائِجِ الدُّنْيا وَالآخرةِ فَكُنْ لِي. اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ مِنَ الاَمْرِ المَحْتُومِ فِي لَيْلَةِ القَدْرِ مِنَ القَضاء الَّذِي لايُرَدُّ وَلايُبَدَّلُ أَنْ تَكْتُبَنِي مِنْ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرامِ المَبْرُورِ حُجُّهُم، المَشْكُورِ سَعُيُهُم،المَغْفُورِ ذُنُوبُهُم، المُكَفَّرِ عَنْهُمْ سَيِّئاتُهُمْ، وَاجْعَلْ فِيما تَقْضِي وَتُقَدِّرُ أَنْ تُطِيلَ عُمْرِي وَتُوَسِّعَ عَلَيَّ رِزْقِي، وَتؤَدِّيَ عَنِّي أَمانَتِي وَدَيْنِي، آمِينَ رَبَّ العالَمِينَ)
الح في الدعاء على الله تعالى متوسلا بآل بيت النبي إلى أن جاء ذلك اليوم الذي رزقني الله تعالى ما طلبت منه،
حتى لا أطيل عليكم احبتي ولا ارهقكم بكثير كلامي، وصلنا إلى مدينة النبي محمد ( صلى الله عليه و آله وسلم ) ،
وانا التمس لنفسي عذرا مما هي فيه من فرحة وشوق واضطراب، بل خشيت أن انعت بالجنون.
كنت غير مصدقا...
هل انا فعلا في مكان وطإته أقدام أشرف مخلوق في الوجود ؟
هل سأسجد لله في بقعة سجد فيها النبي ووصيه وابنته وأبنائهم صلوات الله عليهم؟
وهل ... وهل .... وهل..
تركت كل من حولي وتوجهت إلى تلك الروضة من الجنة، وإنا انظر تارة إلى القبر الشريف، وأخرى إلى مكان المنبر ،
وكم وددت أن تلامس شفتاي تراب قبره الطاهر او احظى بلمسة من منبره الشريف ولكن........
نعم .. ولكن ....
جلست مستغرقا بباحة فكر يتلاطم موجه، كاسرا جناح الصمت في داخلي، وأنا غارق في أحلام مخيلتي التي اعادتني إلى الوراء كثيرا، لتشعريني بمنطق الوحي ولين القول، وبعدا عن فضاضة القلب لاغبط من كان هناك،
وبين تلك الأحلام وشغف الذكريات ايقظني صوت مرشدنا وهو ينادي هيا أيها الحجاج الكرام لنزور أئمة البقيع،
بمجرد سماعي لكلمة البقيع انهمرت دموعي لتشق بحرارتها برودة وجنتي،
ها قد وصلنا ... ها قد وصلنا ...
ابصرت القبور من مسافة وأنا لا أعرف قبر من هذ،ا وقبر من هذا، ولكن أيقنت أن أولهم المجتبى فزين العابدين فالباقر فالصادق( عليهم السلام ).
مازالت تلك الدموع الحارقة تنهمر بغزارة غير معتادة، واجول ببصري بين تلك القبور وارنو من بعيد إلى تلك المراقد الشامخة لدينا، ومن خلف ذلك السور الذي أحاط بتلك القبور أمرنا أن نزورهم،
فاديت الزيارة لهم، ثم عدت إلى أمامي محمد الباقر ( عليه السلام ) لقرب ذكرى وفاته عند زيارتي وخاطبته بهمس.....
سيدي ... سيدي ....
عرفت الدنيا بمأساة كربلاء، وختمتها بسم يقطع كبدك .. سيدي .....
تعسا لهذا السور اللعين وهو يمنعني من اشم عطر تراب قبرك..
تبا لك أيها الحديد الذي يشد بعضه بعضا كيف تقف حائلا بيني وبين أن أمرغ جبهتي برحيق قبر إمامي.
بعدا لك أيها....
وقبل أن أكمل كلامي واذا بأنة تداعب سمعي...
صمت برهة ..
واذا بأنة أخرى تفزعني..
جلت ببصري احدق إلى من هم إلى جنبي فالكل مشغول ...
هنا ... هنا ...
نعم ... هنا ...
انا ذلك السور الذي شتمتني..
فتحت فمي متعجبا .... ونظرت إليه بتمعن وروية...
نعم ... انا.. الذي اشتم دائما، وكأني انا الجاني وأنا المذنب ...
معظمكم يفعل ذلك ولا يعلم حقيقة الأمر.
فقلت بدهشة ..
أنت أيها السور تكلمني !!!!
نعم ... انا ..
منذ زمن بعيد حملني أناس في قسوة كقسوة قلوبهم، وأنا قطع لا يعرف بعضها بعضاً، وأتو بآلاتهم ونارهم وبدأوا يحرقون اوصالي، ويلصقون تلك القطع ببعضها حتى عملوا مني سورا كبيرا ووضعوني هنا، ولما عرفت المهمة التي صنعت من أجلها كنت أسقط مرة تلو الأخرى لعلهم يتركوني وياتون بغيري لكن لم انجح بذلك، أخذت اتقرب رويدا رويدا قبل أن يثبتوني، لعلي الآمس تلك القبور، فيأتي كبيرهم ليأمرهم باعادتي إلى مكاني .
أعلمت ما أنا عليه ..
فلماذا تشتمني؟
ما ذنبي أنا؟
انا في كل صباح ومساء العنهم،
نعم .. العن من صنعني..
لانه جعلني حائلا لتلك القلوب التي تهفو لتقبيل قبور احبتهم .
أنا العنهم ... أنا العنهم .. أنا العنهم.
|