الألم نعمة لانه يُشعرك بموضع المرض، فتسارع إلى الطبيب ليصف لك الدواء المناسب، بعد الكشف والمعاينة، ولهذا سمي مرض السرطان بالمرض الخبيث، لانه يدب "دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء"، وبهدوء في الجسد فيدمر خلاياه ويعيث به خرباً، والمريض لا يشعر بأي عارض أو خطب، فلا يكتشف خطورة الموقف الا في المراحل الأخيرة من المرض، وبشكل عرضي بحت، خصوصا والكثير من الناس لا يؤمن بالمقولة (الوقاية خير من العلاج) فلا يقوم بأي فحوصات وقائية، أو معاينة دورية، فلا يُكتشف المرض الا بعد استفحاله، وبعدما بنى لنفسه قلاع محصنة داخل الخلايا، فيصبح امر القضاء عليه أمراً مستحيلاً، وتصبح النهاية المحتومة مسألة وقت ليس الا!
ان الصرخة من اثر وخزة الابرة، أو أي شعور اخر بالألم قد يكون ظاهرة مؤذية، لكنها بمثابة جهاز استشعار لوجود خلل ما، وبضرورة معالجته بأسرع. وقت ممكن٠
الأمر هذا لا ينطبق على جسم الإنسان فقط، فكل الأشياء التي تحيط بنا، تسير بهدوء تام لغاية حصول خطب ما، فتتغير النغمة الذي تصدرها، والأمر يشمل المكائن والآلات، كإشارة لوجود مشكلة، انها لغة عالمية كصافرات الإنذار!
وأبرز صفارات الإنذار التي انطلقت الأسبوع الماضي هو ماقام به تيار الحكمة من مظاهرات بوصفه جهة معارضة، ولان المجتمع عبارة عن مجموعة من الناس، يمثلها الفرد كوحدة إنسانية مصغرة، لذلك فهو يشبه الجسد في طريقة التعبير عن وجود مشكلة يعاني منها، فالجسد يطلق صرخات الألم بعد إرسال إيعاز للدماغ، كذلك المجتمع يتخذ من المظاهرات طريقة للتعبير عن وجود معاناة فيتعالى صوته، في المطالبة بحقوقه المشروعة ومما يعانيه من ضيق العيش، وسوء الخدمات وغيرها من المطاليب التي كفلها له الدستور، والتي طال انتظارها٠
وقد يسأل سأل لماذا المطالبة بالتظاهر الان بالذات؟ خصوصاً وان معاناة المواطن العراقي ليست بالشيء الجديد، بانعدام الخدمات وفقدان اساسيات الحقوق التي. يتمتع بها ابسط شعوب العالم، ولكن المطالبة بتلك الحقوق أصبحت تثير استغراب البعض، وكأنما يراد من الشعب العراقي ان يبقى بمعاناته المزمنة، وان يبقى سرطان الفساد ينهش بمؤسسات الدولة إلى ما لا نهاية٠
ان ثقافة التظاهر والاحتجاج تكاد تكون ممارسة سياسية تكميلية للمشهد الديمقراطي الراهن اذ ان حق التظاهر مكفول دستورياً، ولا يمكن لاحد ان ينكر أو يشكك بذلك، فما الذي يثير حفيظة ومخاوف البعض منه؟
ان الجمهور الشارع يعي تماماً، ان من حقه ان يتظاهر احتجاجاً على اداء الحكومة لسوء الخدمات وذات الوقت لا يسمح لأي اعتداء يمس امن وهيبة هذه الحكومة المقصرة!
هكذا هي المعادلة الديمقراطية التي توازن طرفها أخيراً، بعد (١٦)عام من التفاعلات الفاشلة. فأصبح هناك حكومة وهناك معارضة، ومن واجب الحكومة تطبيق القانون، ومن حق المعارضة تصحيح المسار، والوقوف على مواطن الخلل والإشارة اليها، لإيجاد الحلول فليست الغاية من التظاهر لأجل التاظاهر أو لتعطيل عجلة الإنتاج، بل من اجل الارتقاء، وتوحيد الجهود والأصوات للحصول على الحقوق المشروعة، التي كفلها الدستور ومن ضمنها التظاهر٠
|