تكاد تُجمع كتب النظم السياسية والقانون الدستوري على ان من ادبيات الاحزاب والتنظيمات السياسية في البلدان الديمقراطية اما السلطة او المعارضة وفي حالة ثالثة المشاركة او ما تعرف بالديمقراطية التوافقية وهي بالتأكيد عبارة عن ائتلاف مكون من عدد من الاحزاب والقوى السياسية تجتمع على اهداف ومشتركات محددة، ومن مساوى الصدف حتى هذه الديمقراطية لا تشبه بالمرة ديمقراطيتنا التوافقية في العراق بعد فترة من سيادة الحكم الاستبدادي، فمن جهة تشترك اغلب الكتل والاحزاب السياسية في السلطة، وتتقاسم المناصب، والصفقات، وتمارس دور المعارضة في الوقت نفسه لدواعي واجندات قد تختلف من حزب الى اخر لأسباب تتعلق بتغيير قواعد اللعبة على المستوى العام او المحلي او لأهداف تخص محاكاة مطالب الشعب العراقي بتوفير الخدمات، والقضاء على البطالة، ومحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة خاصةً الصفقات والمشاريع الوهمية وبيع المناصب والمواقع التنفيذية وطالما لم تتبلور لدينا معارضة تمتلك مشروعاً بناءاً واخلاقيات واهداف تعمل من خلالها طيلة فترة معارضتها سواء على المستوى البرلماني او المستوى الشعبي، فان بعض القوى العراقية التي قد تخسر بعض مواقعها الوزارية او المحلية بعد الانتخابات اثر صعود كتل واحزاب اخرى تلجا الى التصعيد بالمظاهرات الاحتجاجية وهي وان كانت في بيناتها وخطابتها الاعلامية لا تخرج عن طموحات المواطن العراقي المتذمر من الواقع السياسي والخدماتي البائس في البلد لكن من وراء ذلك يهدف هذا الحزب او ذاك الى ايصال رسائل سياسية الى القوى السياسية المتنفذة من انها تملك خيار الشارع، وهذا النوع من الاحتجاجات وان لم يبين بعد حجم استجابة الناس من خارج المنتمين في التأييد لكن يبدو من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ان هناك ادراك شعبي كبير بالأهداف الحزبية خلف هذه الاحتجاجات فعلى سبيل المثال لا الحصر فان هناك جدل كبير مع الاعلان عن تظاهرة 20تموز من هذا العام التي قد تكون محافظة البصرة جنوب العراق موقع ذروتها الى جانب محافظات اخر حيث يحشد تيار الحكمة بزعامة السيد عمار الحكيم ما اسماه التيار بالمظاهرة المليونية قد تبدو محاكاة لتظاهرات التيار الصدري في عام2015وقد اختار تيار الحكمة محافظة البصرة كموقع للذروة المظاهرة اذ ان التفسير الاهم في ذلك ان تيار الحكمة يعد منصب المحافظة من استحقاقه بعد اقالة المحافظ ماجد النصراوي وهذا ما اكده ناشطون بصريون في ضوء موقفهم الرافض لركوب موجة التظاهرات من قبل تيار الحكمة وبالتالي فان تيار الحكمة يرى ان اسعد العيداني المحافظ الحالي قد اعلن استقالته من التيار ودخل الانتخابات البرلمانية الاخيرة مع قائمة النصر بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ليعلن انشقاقه من النصر فيما بعد والاحتفاظ بمنصب المحافظ وتأجيل عضويته في مجلس النواب لعدم تأديته اليمين الدستورية، وبالتالي فان تيار الحكمة بعد ان فشل عدد من المرات في اقالة المحافظ اسعد العيداني عبر مجلس المحافظة لجا الان الى خيار المظاهرات الشعبية يراها قد تحقق له اكثر من اهدف فانه اذا لم يفلح في اقالة المحافظ اسعد العيداني وتقديم مرشحه علي شداد لمنصب المحافظ، فانه قد يحقق له مكاسب سياسية لاسيما وان انتخابات مجالس المحافظات باتت قريبة، وبالمجمل فان هذا التحشيد يعد الاسلوب الثاني من نوعه الذي يتخذه تيار الحكمة بعد اعلانه المعارضة في حزيران من هذا العام، اما عن ان هذه التظاهرات هل تشكل موجة رابعة فهذا يتوقف على حجم المشاركين والتفاعل الشعبي واهداف التظاهرات وديموميتها, وهي أي المظاهرات وان كانت تأتي لزيادة حجم الضغط السياسي فأنها قد تفتح منفذاً جديداً لتمثيل اكبر في السلطة في المقاييس الحزبية الضيقة اذ قبل اعلان تيار الحكمة المعارضة كان زعيم التيار من اشد المتحمسين في ما اسماه مأسسة تحالف الاصلاح والاعمار ان:"اولويتنا في المرحلة القادمة تكمن في مأسسة تحالف الاصلاح والاعمار وتعميق الانفتاح الوطني". وفي ذلك يبدو ان الاتفاق ما بين تحالف الفتح بقيادة السيد هادي العامري، وسائرون المدعوم من قبل السيد مقتدى الصدر على اختيار السيد عادل عبد المهدي رئيسا للوزراء وكذلك تقاسم المناصب الخاصة مع قوى اخرى من الكرد والسنة جعل من السيد عمار الحكيم يعلن استقالته من رئاسة تحالف الاصلاح والاعمار كاعلان غير مباشر عن تفكك تحالف الاصلاح والاعمار ومن ثم اعلان التيار عن دخوله في خندق المعارضة، ومن المعلوم ان المعارضة في البلدان الديمقراطية هي حالة دستورية تقويمية للسلطة التنفيذية لكن ما يؤخذ على المعارضة في ادبيات الاحزاب والتيارات السياسية في العراق هي اما انها تعدها كاليه للحصول على مكاسب سياسية فئوية انية او انها قد تخرج من أطرها الدستورية الى حالات يطفو عليها العنف والتخوين، ومما تقدم في تحليل عدد من ادبيات الاحزاب والتيارات السياسية في العراق كازدواجيه السلطة والمعارضة ومن ثم اللجوء الى المظاهرات نخلص الى مايلي:
1. ان من الأدبيات السياسية وجود فريق فائز في الانتخابات يقود السلطة التنفيذية في حين وجود فريق مقابل للحكومة وهو فريق المعارضة يمارس دوره في الرقابة والنقد وتقويم الحكومة وكلا الفريقين يمتلك برنامجا ومشروعا لإدارة الدولة حتى فريق المعارضة يمارس دوره المتخيل من خلال حكومة الظل.
2. هناك ازدواجيه وتهجين في الادوار التي توديها الاحزاب والتيارات والحركات السياسية في العراق فمن جهة تشترك في المواقع التنفيذية العامة والمحلية لكنها تمارس في الوقت نفسه دور المعارضة.
3. الكثير من الشعارات التي ترفعها الاحزاب السياسية في العراق لا تمثل الا وجها من أوجهه الصراع على السلطة وما تمثله من امتيازات ومواقع وحصص، وقد تلبس هذه الشعارات ثوب الادبيات الديمقراطية كالمعارضة والمظاهرات وما شابه.
|