لم يبق أمام الدكتاتور المهزوم والجنرال المزيف وأجهزته القمعية بعد تلك الحرب المدمرة التي حولته ألى غراب ينعب على خرائب العراق وفي نفس الوقت ألى وحش كاسر تغلي نفسه المتعطشة ألى الدماء سوى شعبه الأعزل بملايينه المعدمة التي سفكت الحرب من دمائها أنهارا فبقي جاثما كالكابوس على صدور تلك الملايين المحرومة البائسة فبدأت أجهزته الدموية التي نظمها خبراء في القمع والأجرام فتفننت في أضطهاده وتعذيبه وهذا ماأرادته أمريكا والغرب حيث سمحا له بالبقاء ويدعي على رؤوس الأشهاد ب(أن العراق قدربح التأريخ في أم المعارك الخالدة !!!)وكان يرمز ألى التأريخ بشخصه الذي نجا وسلم من نتائجها المدمرة وويلاتها الكارثيةوالتي انعكست على الشعب فقط.ومن المؤلم لكل عراقي شهد تلك المأساة وما زال حيا يرزق وهو يرى بعينيه كيف أن جراح الشعب العراقي مازالت تنزف وتنزف ألى هذه اللحظه رغم أطنان الوعود التي سمعها و شبع منها من الذين استلموا الحكم بعد سقوطه ألى يومنا هذا.
على أثر تلك المؤامرة الكبرى على الشعب العراقي مدت أمريكا أذرعها الأخطبوطية في المنطقه وصدرت الأسلحة التي تقدر بعشرات المليارات من الأسلحة ألى الكويت والسعودية والأمارات العربية المتحدة وغيرها من أمارات الخليج وقدرها الخبراء عام 1993 ب 46 مليار دولار .
يقول ( روبرت فيسك ) الصحفي البريطاني المشهور في كتابه ( الحرب من أجل الحضارة والسيطرة في الشرق الأوسط . ) : ( رأيت جثث الجنود العراقيين في قبر جماعي كبير يضم مئات الجثث حفرته القوات الأمريكية ودفنتهم فيها وهم بملابسهم الميدانية وفيها بعض متعلقاتهم الشخصية وكان المفروض وفقا لآتفاقيات جنيف حصر الجثث وأخذ المتعلقات وأرسالها لذويهم مثلما يحدث في كل الحروب .. ألا هذه الحرب . حتى في الحرب العالمية الثانية والحرب ضد الجيش النازي أحيطت جثث القتلى بكل العناية ودفنت في مقابر منفردة .. يزورهم أهلهم في المناسبات المختلفة وتوضع أسماءهم على نصب تذكاري ألا ضحايا هذه الحرب .)
ويستمر فيسك في صفحة أخرى ليقول : (أن القوات العراقية لم تكن سر قوة صدام . بل العالم الغربي هو الذي زوده بالقوة .. كانت بريطانيا ترسل أليه مواد نوويه كما لو كان يخطط لأنتاج ترسانة ضخمة من الأسلحة . وكانت أمريكا تدفع الأموال .. ويزوده الأتحاد السوفيتي بالدبابات والمدرعات التي احتل بها الكويت . وبعد هزيمته في الكويت سمح له الغرب بتدمير شعبه في الجنوب والشمال وفي ذكرى غزوه الفاشل في عام 1991 قال : (أن العراق ربح صراعا تأريخيا كبيرا ) أما الرابح الحقيقي فكان الغرب الذي روج لأسلحته ومعداته ووضع قدمه في المنطقه. )
بدأ وزير خاجية النظام الصدامي (ناجي صبري الحديثي ) ومن قبله (طارق عزيز ) و(محمد الدوري ) مندوب العراق في الأمم المتحده ووزير أعلامه(محمد سعيد الصحاف ) والآلة الأعلامية يغازلون أمريكا والغرب بعد الحرب بسنة وقدموا نظامهم على أنه نظام (وديع ) لايرغب في الحروب التي فرضت عليه فرضا !!! )وأن احتلال الكويت كان حالة أضطرارية بعد أن أغلقت جميع السبل بوجهه. وكان من الممكن حل القضية بالحوار العقلاني لولا تعنت شيوخ الكويت . وما على أمريكا ألا أن تدرك الخطر الكبير الآتي من الشرق ومن نظام الخميني في طهران الذي يهدد المنطقة ومن أجل أثبات حسن نواياه فأنه مستعد لأعادة جميع المسروقات الكويتية . وأن العراق يمد يده لجميع دول العالم التي تتفهم موقفه وتبتعد عن الروح العدوانية !!! .) لكن أمريكا رفضت تلك الأدعاءات جملة وتفصيلا بعد أن خبرت الأبن الضال ولم تعد تطمئن ألى مزاجه المتقلب أبدا والوثوق به أصبح من الماضي بعد تلك الحرب. وكانت تلك الدعوة من النظام العراقي مطابقة للرسالة التي وجهها رئيسه للرئيس الأيراني (رفسنجاني ) في بداية أحتلاله للكويت وخاطبه بجملة (نحن وأياكم اليوم في خندق واحد ضد أعداء الله وطغاة العصر الحديث أمريكا ومن يسير في فلكها!!! .)
أما في داخل العراق فكان الأمر يمضي بصورة معكوسة تماما فقد أطلق النظام عصاباته لقمع الشعب حيث كان يقبض على الجنود الهاربين من جحيم تلك الحرب وتجدع أنوفهم وتقطع آذانهم ويعدم بعضهم في زنزانات سرية وتذوب أجسادهم في أحواض التيزاب والتهمة (الهروب من المعركه ) وفي أتون الحصار يقول أحد الباحثين (أنهار الأقتصاد العراقي وبلغ معدل التضخم في عام 1994 (24000 %) وتم تسريح ثلثي القوى العاملة وتمزقت الحياة العائلية نتيجة أرتفاع معدلات الجريمة والعنف الأجتماعي والأنتحار والسرقات وجنوح الأحداث وظواهر أخرى تؤكد الخلل الخطير في بنية المجتمع العراقي . )ألمعرفه –ملفات خاصة 2001-آثار الحصار على العراق.أعداد (أمين شحاته)ثم يستطرد الباحث في كلامه ليقول:
(لقد عانى العراقيون من تدمير البنية التحتية لبلادهم من محطات أتصالات ، وكهرباء ، ومصانع ، ومعامل، ومنشآت نفطية ، ومخازن للحبوب ،ومواد تموينية ، وأسواق مركزية ، ومحطات ضخ المياه، وترك العراق أكثر من 23 ألف باحث وعالم وأستاذ جامعي وطبيب متخصص ومهندس مرموق تركوا العراق لينضموا ألى مليونين ونصف يعيشون في المنافي. ) نفس المصدر . وبدأت مجموعات كبيرة من العراقيين تبيع كل ماتملك لتحصل على جواز سفر وقسم منهم يهرب عن طريق شمال العراق أو أيران في أتجاهات الأرض الأربعه تبتلع بعضهم حيتان البحار والوحوش الكاسرة في تلك البحار التي قطعوها بطرق بدائية ووقعوا بأيدي عصابات التهريب الأجامية لتحشرهم في مراكب متهرئة قديمة بحثا عن مكان يأويهم بأمان لأن وطنهم تحول ألى كتلة من الجحيم يعيث فيه الحاكم وعائلته وعشيرته وأزلامه فسادا وظلما. وأشارت تقارير اليونسيف ألى أن الوفيات بين الأطفال قد بلغت حدا مخيفا وأصبحت من أعلى المعدلات في العالم وبدأ سوء التغذية يؤثر في كل طفل دون الخامسة في العراق. وقد ارتفع عدد أبناء الشوارع من الأيتام الذين فقدوا آباءهم في الحرب بعشرات الآلاف ودمرت شبكات الصرف الصحي ومحطات المياه الصالحة للشرب وبدأ العراق يفقد 4500 طفل دون الخامسة من العمر كل شهر حسب تقديرات المراكز البحثية المتخصصة وزعيمة العالم الحر أمريكا تتفرج على المشهد الكارثي الذي سببته آلتها الحربية وكأن الأمر لايعنيها لامن بعيد ولا من قريب بعد أن رجعت حبيبتها الكويت ألى حضنها وعاش شعب بأكمله في أتون كارثية أنسانية كبرى أمام أنظارها وأنظار حلفائها فلماذا فرض الأمريكان وحلفائهم وأتباعهم ذلك الحصار الرهيب على الشعب العراقي وتركوا حاكمه يصول ويجول ويجرب كل ساديته على شعبه؟ وكيف يمكن لشعب جائع مريض أن ينتفض على طاغية متمرس في سفك الدماء لايأبه بملايين الأرواح من أجل بقائه على كرسي الحكم ألى نهاية حياته؟ والجواب على هذا لقد كانت كل الدلائل كانت تشيرألى أنها كانت مؤامرة كبرى محكمة الخيوط على الشعب العراقي ليصبح شعبا ضعيفا جائعا تفتك به الأمراض ويعيش حالة بؤس حقيقية بحرمانه من كل ضروريات الحياة لعشرات السنين.ولا أدري كيف أن أمريكا تريد اليوم ( الديمقراطية )للعراق بعد كل هذه الكوارث الرهيبة التي سببتها وما زال ضحايا حروبها بين طيات الثرى ومن بقي حيا فقدت أعضاء حيوية من جسمه ودخل مرحلة الكهولة بعد أن كان شابا يافعا وما زال يعيش عيشة القرون الوسطى وله أولاد ولا يملك غرفة واحدة يأوي أليها هو وعائلته وأعرف منهم الكثير ولم تسعفه أمريكا أو محبي أمريكا في العراق وشيوخ الكويت يطالبون بالمزيد والمزيد من المال ليضيفوه ألى ثرواتهم الطائلة ويتلذذوا بتعذيب الأنسان العراقي .
بدت بوادر الصراع بين العائلة الصدامية وكان عدي الأبن الأكبر للطاغية ينظر ألى العريف حسين كامل زوج أبنة الطاغية الذي أصبح يحمل رتبة (فريق أول ركن ) وأصبح مقربا أكثر لرئيس النظام بعد قمعه الأنتفاضة الشعبانية قمعا دمويا نظرة ملأى بالغيرة والحقد فكان ينتظر فرصته للأنقضاض عليه ولم يكن حقده منصبا على حسين كامل ولكن كان يضمر لأخيه الدموي قصي نظرة حسد شديد أيضا لتقلد الأخير الكثير من المناصب المهمة التي كان يحلم بها عدي ومنها الأشراف على الحرس الجمهوري الخاص لكن عدي كانت تطارده عدة أشباح منها قتله لمرافقه(كامل حنا ججو ) في مكان عام وفضائحه الأخلاقية التي انتشرت بين المقربين وغير المقربين وأخذوا يتداولونها بصورة سرية كل هذه الأمور كانت تقض مضجعه وتقف حجر عثرة في وصوله ألى خلافة والده التي كان يحلم بها دائما وقد كان يعد شيئا ما ليحظى بثقة أبيه . فكون ميليشيا قمعية جديدة أسماها(فدائيو صدام ) .ثم (أشبال صدام ) عسى أن ترضي أباه ويقربه من جديد وكلها كانت تهدف ألى قمع الشعب العراقي وأرهابه بعد تلك الحرب.
لقد تحولت مبادئ حزب البعث الثلاث (الوحدة والحرية والأشتراكية ) التي رفعها الحزب لعقود ثلاثة ومازال يرفعها ليومنا هذا ألى ثلاثة ظواهر داخل الوطن وهي (القتل –السجون –التشريد ) وألى ثلاثة أمور يخاطب بها العالم الخارجي هي (الدجل –الكذب – المراوغه )وقد قبل المجتمع الدولي هذه المعادلة الظالمة وأبقى صداما متربعا على جماجم العراقيين مطلقا كلابه لتنهش أجسادهم وكان الأهم بالنسبة لأمريكا وحلفائها أن يبقى ذلك الطاغية قويا داخليا وضعيفا خارجيا لايهدد جيرانه الذين بدأوا يكدسون الأسلحة المتطورة ويحتمون بالآلة الحربية الأمريكية .
بدأت مجموعات من (فدائي صدام ) تظهر في شوارع المدن الرئيسية فجأة وهي ترتدي الأقنعة السوداء وتستعرض عضلاتها بشكل أستفزازي وتهتف بحياة الطاغية صدام حسبن وتهدد بالويل والثبور لمن تسول له نفسه بمس سمعة القائد المنتصر الذي لقن أمريكا درسا لن تنساه. !!! وبدأت عبارات التحدي وشعارات (القوة والأقتدار ) تظهر على شكل لافتات على حيطان الأبنية في شوارع المدن الرئيسية وأخذت بعض الطائرات الحربية العراقية تخرق جدار الصوت في المدن الجنوبية البائسة والمنكوبة وأمريكا تتفرج وترصد أقمارها الصناعية كل شيئ ولا تفعل شيئا.
في عام 1993 أصدرت منظمة العفو الدولية تقريرها الذي يؤكد فقدان آلاف العراقيين في سجون النظام الصدامي بعد الحرب ولكن النظام غرق في أجرامه ودمويته أكثر من السابق ولم يأبه بأي تقرير يصدر من منظمة لحقوق الأنسان واعتبرها تهويشات تافهة تسعى لتشويه سمعة العراق بأمر من الولايات المتحدة الأمريكية . وبعد أن انتهت فترة بوش الأب الرئاسية واستلم بيل كلنتون الحكم أكمل كلنتون مافعله سلفه بتوجيه المزيد والمزيد من الضربات الجوية للبنية التحتية العراقية وأهداء المزيد من القنابل والصواريخ للشعب العراقي الذي كان يعاني من ظلم فاق أي ظلم على مر التأريخ. ففي 13 كانون الأول عام 1993 شنت مئة طائرة حربية مقاتلة هجمات جوية على مدينة الناصرية والعمارة والسماوة والنجف وفي السابع عشر من نفس الشهر قصفت الطائرات الأمريكية بغداد وفي 27 حزيران من نفس العام ضربت الصواريخ بغداد مرة أخرى بحجة ضرب مقر المخابرات العراقيه فقتلت الفنانة الجميلة ليلى العطار مع زوجها وأطفالهما ودفنا تحت أنقاض دارهما وبقي النظام يستعرض عضلاته على الشعب يقتل ويسجن ويشرد والشعب يعيش تحت نير الطاغية والحصار ولم يسمع دهاقنة مجلس الأمن وصناع مجلس الأمن استغاثاته نتيجة المأساة الكبرى التي طوقته من كل جانب وجعلت من العراق من أكبر السجون التي تمارس فيه أبشع أنتهاكات حقوق الأنسان.وهو في أسوا أوضاعه والأجتماعية والأقتصادية والصحية وكأن آذانهم وعيونهم قد أغلقت تماما عن سماع ورؤية ماحدث للشعب العراقي من مآس لاتسعها مئات الصفحات لسردها بصورة تفصيلية دقيقة.
جعفر المهاجر/السويد |