• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٨) .
                          • الكاتب : نزار حيدر .

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّادِسَةُ (٨)

   {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.
   إِذا كان الهدفُ من خَلق الإِنسان هو إِعمارُ الأَرض فما دخلُ الدِّينِ والمذهبِ والعشيرةِ والحزبِ والمنطقةِ بالتَّمكين؟!.
   إِنَّ اشتراط التَّمكين بالخلفيَّة هو أَحد أَهم أَسباب خراب البُلدان، فمثلُ هذا الشَّرط هو السَّبب المُباشر للتَّمييز في المُجتمع، من جهة، وهو السَّبب المُباشر كذلكَ في تدمير الطَّاقات والكفاءات والقُدُرات الإِستثنائيَّة التي يتميَّز بها كثيرُون في البلادِ، من جهةٍ ثانيةٍ.
   لا يختلفُ إِثنان على أَنَّ التَّنمية البشريَّة [تنمية الطَّاقات المُبدعة والخلَّاقة تحديداً] بحاجةٍ إِلى أَمرَين اثنَين، هُما؛
   التَّمكين وتهيئة الأَسباب، والقُدرة والإِستعداد لتوظيفِها في صقلِ الطَّاقات وتفجيرها وصهرها في العمليَّة التنمويَّة، وبالتَّالي تحقيق الإِنجاز والنَّجاحاتِ كما تُشيرُ إليهِما الآية المُباركة {وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا* إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا* فَأَتْبَعَ سَبَبًا}.
   فلا يكفي التَّمكينُ إِذا لم نقدر على توظيفهِ لننجحَ!.
   وهذان الأَمران لا يتحقَّقان إِلَّا بشرطٍ حتميٍّ الا وهو تحقيق مبدأ تكافُؤ الفُرص وعدم التَّمييز على أَساس الخلفيَّة، وهو الشَّرط الذي أَشارت إِليه الآية الكريمة التي صدَّرنا بها المقال.
   إِذا تحقَّق كلُّ ذَلِكَ فسنضع عربة التَّنمية البشريَّة على السكَّة بالإِتِّجاه الصَّحيح الذي يقودُ إِلى تحقيقِ جَوهر الخَلق الذي أَشارت إِليهِ الآية الكريمة {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} أَلا وهوَ إِعمارُ الأَرض.
   ولقد مكَّن الله تعالى الإِنسان وهيَّأَ لَهُ كلَّ الأَسباب لإنجازِ هذه المهمَّة من خلالِ تسخيرِ كلِّ شَيْءٍ لَهُ كما في الآيات التَّالية {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ* وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}.
   بقيَ أَن يستوعبَ الإِنسانُ كلَّ هَذِهِ الأَسباب والوسائل والأَدوات ليُنجز المهمَّة، فلقد استوعبها [الغربُ الكافِر] فأَنجزَ مُهمَّة الإِستخلافِ ولَم يستوعبها الشَّرقُ فأُصيبَ بالفشلِ! وتلكَ هي سُنَّة الله في خلقهِ وعبادهِ!.
   السُّؤال هُوَ؛ هل يتحقَّق ذلك إِذا كانت الفُرص توزَّع بالمُحاصصة وبمعايير التَّفاضل الجاهليَّة وغَير المنطقيَّة؟! فتُمنح لزيدٍ لأَنَّ ولاءهُ للزَّعيم الأَوحد قويّاً فهو ممَّن يهتفُ دائماً [بالرُّوح بالدَّم] وهو أَسرعُ المهرولينَ أَمام سيَّارة الزَّعيم إِذا مرَّت بالشَّارع! ولا تُمنح لعمرُو لأَنَّ ولاءهُ مشكوكٌ فِيهِ فهوَ [يبيعُ وطنيَّات] زائدة! وهو من جماعةِ {إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}.
   طبعاً حتَّى إِذا كان زيدُ دابَّةً لا يفهمُ شيئاً وعمرو عبقريّاً خلَّاقاً.
   وهُنا مربط الفرس فبينما خلقَ الله تعالى الفُرص كلَّ الفُرص مُتكافئة في مُتناول عبادهِ من دونِ تمييزٍ، كالمطرِ ينزلُ على كلِّ الأَرْضِ سهولِها وجبالِها ووديانِها، نرى أَنَّ العباد وضعُوا العراقيلَ والفلاتِر في عجلةِ هذه الفُرص ليتمتَّع بها أُناسٌ وأُناس ولذلك ضاعت القاعدة الذهبيَّة في مجتمعاتِنا [الرَّجل المُناسب في المكانِ المُناسب] فوأَدنا الطَّاقات ودمَّرنا الآمال وقضينا على فُرصِ التَّمنيةِ البشريَّة بأَيدينا.
   وبنفسِ هذا المعنى القُرآني كتبَ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) في عهده للاشتر يقول {وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ حَسُنَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ حَسُنَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ سَاءَ ظَنُّكَ بِهِ لَمَنْ سَاءَ بَلاَؤُكَ عِنْدَهُ} بالمطلقِ ومن دونِ تمييزٍ.
   ويُضيفُ في أَروعِ نصٍّ بهذا الصَّدد {ثُمَّ اعْرِفْ لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ مَا أَبْلى، وَلاَ تَضُمَّنَّ بَلاَءَ امْرِىء إِلَى غَيْرِهِ، وَلاَ تُقَصِّرَنَّ بِهِ دُونَ غَايَةِ بَلاَئِهِ، وَلاَ يَدْعُوَنَّكَ شَرَفُ امْرِىء إِلَى أَنْ تُعْظِمَ مِنْ بَلاَئِهِ مَا كَانَ صَغِيراً، وَلاَضَعَةُ امْرِىء إِلَى أَنْ تَسْتَصْغِرَ مِنْ بَلاَئِهِ مَاكَانَ عَظيِماً}.

لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=133768
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 05 / 14
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 15