أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن “الأسوأ تم تجنّبه” في الحريق الضخم الذي اندلع مساء أمس الاثنين في كاتدرائية نوتردام وسط باريس وأدى إلى انهيار برجها وسقفها، واعداً بإعادة بناء المعلم التاريخي الذي سبّب احتراقه صدمة وحزناً في العالم أجمع.
والكاتدرائية -التي يبلغ عمرها 850 عامًا- مدرجة على لائحة اليونسكو للتراث العالمي منذ العام 1991، وتعد من المعالم السياحية الأكثر زيارة في أوروبا.
ولدى تفقّده الكاتدرائية، قال ماكرون -وقد بدا عليه التأثر أمام ألسنة النيران التي كانت لا تزال تلتهم الكنيسة- إن “الأسوأ تمّ تجنّبه حتى وإن كنا لم ننتصر في المعركة بعد”، مؤكداً أن “الساعات المقبلة ستكون صعبة”، وتعهد بإعادة “بناء نوتردام”.
وبحسب وسائل إعلام محلية، أعلن ماكرون إطلاق حملة تبرعات وطنية تبدأ اليوم الثلاثاء لإعادة بناء الكاتدرائية. وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن الملياردير الفرنسي فرانسوا بينو تعهّد بتقديم مئة مليون يورو لإعادة بناء الكاتدرائية المحترقة.
وأعلنت فرق الإطفاء في باريس فجر الثلاثاء أنّ الحريق الضخم أصبح “تحت السيطرة” وتم “إخماده جزئياً”.
وقال المتحدث باسم فرق الإطفاء المقدم غابريال بلوس لوكالة الصحافة الفرنسية “تمت السيطرة على الحريق.. لقد أخمد جزئياً، وهناك بؤر لا تزال مشتعلة نعمل على إخمادها”.
وأمس الاثنين، أعلنت فرق الإطفاء أنها نجحت في “إنقاذ الهيكل الرئيسي” للكاتدرائية التاريخية، وقال قائد فرق الإطفاء في باريس جان كلود غالي للصحفيين “يمكننا القول إن الهيكل الرئيسي لنوتردام قد تم إنقاذه والمحافظة عليه”، مشيراً إلى أن برجي الكاتدرائية الرئيسيين تم الآن إنقاذهما.
والحريق الضخم الذي لم تعرف أسبابه بعد، اندلع قبيل الساعة السابعة مساء في الكاتدرائية الباريسية التاريخية. وأدّت النيران إلى انهيار برج الكاتدرائية القوطية التي شيدت بين القرنين الـ12 والـ14 والبالغ ارتفاعه 93 مترا.
وشارك نحو 400 إطفائي في مكافحة النيران ومحاولة إنقاذ برجيها الأماميين، وهو ما تمكنوا من تحقيقه قبيل منتصف الليل.
وأفادت فرق الإطفاء بأن الحريق “مرتبط على الأرجح” بورشة الترميم التي تشهدها الكاتدرائية، علما بأنه اندلع قبل بضعة أيام من احتفال المسيحيين الكاثوليك بعيد الفصح.
وبعث زعماء دول وحكومات وشخصيات سياسية رسائل تضامن مع الفرنسيين جراء حريق الكاتدرائية.
ماذا تعني نوتردام للفرنسيين؟
كاتدرائية نوتردام
لا يوجد مكان يمثل فرنسا مثل نوتردام.
ومنافسها الوحيد بين الرموز الوطنية الفرنسية هو برج إيفل، الذي بُني قبل أكثر من قرن بقليل، بينما تقف كاتدرائية نوتردام شامخة في باريس منذ القرن الثالث عشر الميلادي.
وأطلق اسم هذا المعلم الأهم في فرنسا حرفيا على إحدى روائع الأدب الفرنسي؛ مسرحية فيكتور هوجو “أحدب نوتردام”، وهي المعروفة بالفرنسية ببساطة بكاتدرائية “نوتردام دو باري”.
وكانت المرة الأخيرة التي تعرضت فيها الكاتدرائية لأضرار بالغة أثناء الثورة الفرنسية عندما انتهكت تماثيل القديسين على أيدي متهورين من المعادين للأديان. لكن المبنى صمد أمام ما تعرض له أثناء الثورة الفرنسية الرابعة عام 1871 وعبر حربين عالميتين دون أن يمسه سوء.
ومن المستحيل أن نكون مبالغين عندما نصف مدى الصدمة الكبرى التي نشعر بها ونحن نشاهد رمز بلادنا يحترق.
وربما ليس من المعروف عن سكان المنطقة سعادتهم بأنهم بجوار هذا المكان، لكن لا يمكن لأحد أن يسير على ضفتي نهر السين في وسط العاصمة دون أن يشعر بروحه ترتقي إلى مبنى كاتدرائية نوتردام المهيبة.
فالكاتدرائية من المعالم القليلة التي يمكن أن تشعر الباريسيين بالسعادة لمجرد أنهم من سكان هذه المنطقة.
وكغيرها من المعالم المحبوبة في كل مكان، لا يزورها سكان المنطقة كثيرا. وعلى مدار ثلاثة عقود عشتها في مسقط رأسي، لم أدخل كاتدرائية نوتردام سوى ثلاث أو أربع مرات فقط، ثم مع زائرين أجانب فقط.
وهناك الكثير من هؤلاء الزائرين. فهذه الكاتدرائية ليست فقط الأكثر شعبية بين المعالم السياحية في غرب أوروبا. فبعد أن مر على بنائها ثمانية قرون، لا تزال نوتردام مكانا للعبادة، إذ يُقام فيها حوالي ألفي قداس ومناسبة دينية كل عام.
مع ذلك، تتجاوز أهمية هذا المكان كونه مزارا دينيا. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الحريق إنه يمثل “صدمة للأمة كلها”. وقالت آن هادلغو، عمدة باريس إن نوتردام “جزء من تراثنا”.
وكان الكثيرون ممن يشاهدون ألسنة اللهب تلتهم المبنى والدموع تترقرق في أعينهم. ونال الأسى تجاه ما حدث من المؤمنين وغير المؤمنين على حدٍ سواء في أمة لم يعد الإيمان يمثل فيها قوة يخضع لها الناس منذ زمن بعيد.
|