كثيراً هي تلك الظواهر والممارسات المثيرة للجدل والتي تتساقط على اعتابها الحروف وتتصارع في بابها الكلمات ، بين مؤيد مقتنع بها واخر رافض وزاهد فيها ،وحينما نقف عليها وقفة متأمل ربمّا ننتهي إلى التأييد لا إلى الرفض .
واحدة من تلك الظواهر هي رمزية النعش أو النعش الرمزي و التي تطل علينا مع ذكرى وفاة امام من الأئمة (عليهم السلام) ،لاسيما مولاتنا الزهراء وأمامنا الكاظم حيث يُصنّع نعشاً رمزياً في هذه المناسبة يلتف حوله الالف من المعزين وتتحرك نحوه الجموع الغفيرة في ممارسة اجتماعية ملفته للنظر .
لم تسلم هذه الممارسة والسلوك من النقد والتجريح والفرية والبهتان ورمي الآخرين بالجهل والحماقة .
ويبدو أن هؤلاء مهرجون لم يفهموا مبدأ الرمزية وأبعادها الفنية والفلسفية والتربوية والدينية حتى ، وكيف لهذه الرمزية ان تحاكي الواقع وما تتضمنه من أفكار وقيم نبيلة راقية .
النعش الرمزي ليس مجرد فكرة هشة ترمي إلى إقناع الذات بممارسة طقوس وأجواء فارغة المحتوى والهدف ، بل بالعكس تماما فإن الجانب الرمزي فيها هو تجسيد للحقيقة بكل أبعادها وتفاصيلها ويحمل افكاراً تجسد مضمونية الولاء وحقانية المبدأ وفيه تعبيرا عن الرفض واستنكاراً للظلم والجور الذي تعرض له الإمام الكاظم عليه السلام ، وفيه استذكاراً لتلك الفاجعة الأليمة على قلوب أتباعه ومحبيه .
النعش الرمزي هو سلوك يحمل أهداف ومقاصد واضحة وهو بمنزلة اللغة التي تترجم كل مبادئ القيم الدينية النبيلة من اتّباعٍ وتضحية وتقديس ،وفيه مضامين فكرية واجتماعية تدعوا إلى التمسك بالقيم الدينية والخلقية وعدم التمرد عليها .
ليس مجرد نعش ! بل هو صورة تحمل معاني تُثيرها الإحساسات فينا وهو إطار تتحرك فيه تلك القيم الولائية لأهل البيت عليهم السلام .
وقد اعتاد الناس منذ زمن على استخدام الرمزية في التعبير عن الأفكار والرؤى التي يعيشونها ويتعايشون فيها معبرين عن تفاعلاتهم وانفعالاتهم الروحية والنفسية ،حتى أصبحت الرمزية مدرسة لها روادها ومحتريفيها وتناغم في روحها الواقع الذي عاشه صاحب الرمز بكل تفاصيله وحيثياته، فاعتمدها المسرح في توصيل افكاره ومراداته واستخدمها الفن التشكيلي في الرسم والالوان وحولها الى رموز دالة ،فالخطوط والالوان فيها جانب رمزي تعبر عن فكرة وإحساس، فما المانع مت استخدام الرمزية في التعبير عن المشاعر الولائية وإبراز الجانب المأساوي في حياة صاحب الرمز كنعش الإمام الكاظم عليه السلام .
وهذا القرآن الكريم فقد استخدم الرمزية في الكثير من آياته المباركة من أجل الوصل إلى عمق معرفي ي الإنسان ومن النماذج على ذلك هو قولة تعالى ( ان هذا القرآن يهدي للتي هي اقوم ) والرمزية في هذه الآية انه يهدي إلى الإمام عليه السلام كما ورد ذلك عن الإمام الباقر صلوات الله عليه .
واستخدام الرمزية في قصة موسى والخضر وفي فواتح السور القرآنية .
لا يخلو النص الديني من الرمزية فهناك شاهد تاريخي على ذلك هو (فدك) فقد تحولت إلى رمز تاريخي ترمز إلى ذلك الحق المسلوب وهو حق الخلافة والسيادة كما عبر عن ذلك الإمام الكاظم عندما أراد المهدي العباسي ان يعيد له أرض فدك .
وقال الشهيد باقر الصدر ( رض) كانت فدك معنى رمزياً يرمز إلى ذلك الحق العظيم ولا يعني تلك الأرض الحجازية .
فطوبى لمن شيّع نعشاً رمزياً يستذكر فيه هذه المعاني السامية ،ويستلهم من صاحبه الدروس والعبر ويحول هذه الممارسة إلى سلوك واعي وهادف.
فسلامٌ على المعذب في قعر السجون يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعثُ حيا.
|