عودة السيد جعفر نجل السيد الشهيد الأول (محمد باقر الصدر) إلى الظهور على مسرح الأحداث السياسية بعد غياب أعقب إعلان استقالته من عضوية مجلس النواب العراق تنبئ بالكثير ويُستَشَفُ من ورائها الأكثر.
المرشح السابق لرئاسة الوزراء والحاصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع والانثربولوجيا من الجامعة اللبنانية- وكما يذهب أغلب المراقبين السياسيين - عاد يحمل بجعبته مشروعاً جديداً يمكن أن يغير مسار العملية السياسية، ولربما يوقف عجلة حكومة عبد المهدي التي تسير ببطء كبير يحتمل أنه أزعج السيد (مقتدى الصدر) زعيم الكتلة البرلمانية الأكبر وصاحب الثقل الشعبي الذي يملك قوة الضغط عبر مجلس النواب والشارع.
العديد من اللقاءات أجراها السيد (جعفر الصدر)، منها معلنة وأخرى لم يعلن عنها، تلك اللقاءات وما يكمن وراءها، فضلاً عن اللقاء المرتقب المزمع عقده بين السيد الصدر والمرجع الأعلى السيد السيستاني قد تحدد مستقبل حكومة عبد المهدي أو في الأقل تحدد مدى سرعة جريان عجلتها، هذا ما يذهب إليه البعض، فيما يذهب آخرون إلى أبعد من ذلك مُلوِّحين بأن الصدر لم يأت لإعطاء فرصة أخرى وإنما جاء لتنفيذ قرارات في مقدمتها إبلاغ المرجعية الدينية العليا بضرورة الإسراع بتغير رئاسة الحكومة في محاولة لإنقاذ العملية السياسية من الانهيار واستباق الأحداث قبل الخروج عن السيطرة.
الهدوء الحذر الذي سبق حادث غرق العبارة ينذر بقرب حدوث العاصفة، هذا ما شخَّصه الصدر من خلوته وبوادر ذلك لاحت من خلال بعض خطوات عبد المهدي الأخيرة غير المحسوبة، فمع تداعيات وفاة رئيس أكبر جهاز رقابي وطني في ظروف غامضة، وإعطاء عبد المهدي صلاحيات واسعة لأحد المقربين منه وتسليمه مهمة مفتش عام الداخلية والمنافذ الحدودية، فضلاً عن مهمته كمنسق لمكاتب المفتشين العموميين في المجلس الأعلى لمكافحة الفساد رغم حداثة تجربته وصغر سنه، وتجاهل شخصياتٍ ذات باع وخبرةٍ طويلةٍ في ميدان مكافحة الفساد وتعامله ببرود لافتٍ مع حادث وفاة القاضي جعفر، فضلاً عن تلويح عددٍ من وزراء الكابينة غير المكتملة بالاستقالة؛ بسبب تدخلات سافرة بات لزاماً على راعي "مشروع الإصلاح" التحرك بسرعة لإنقاذ الحكومة التي شكلت بفضل تغريداته ورسائله وتفاهماته، ولكن غرق العبارة أخَّـر ذلك.
السيناريوهات المطروحة قبل غرق العبارة منها ما كان يذهب إلى حد إبعاد عبد المهدي وإيكال المهمة إلى (جعفر الصدر) لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيبة العملية السياسية التي تلطخت بوحل الفساد والمحاصصة، وهيمنة الأحزاب على جميع مفاصل الدولة، وفرض الدول إراداتها على حساب المصلحة الوطنية، ومنها ما يذهب إلى احتمال اضطرار الصدر إلى العودة إلى المُجرَّب (حيدر العبادي)، زاد هذه السيناريوهات غموضاً موقف المتحدث باسم السيد الصدر الشيخ (صلاح العبيدي) الذي نفى علمه بجميع تحرُّكات السيد جعفر، ومُشكِّكاً بصحة أنباء عودة الصدر السريعة.
حادث غرق العبارة في محافظة نينوى وما أحدثه من ألمٍ في نفوس جميع العراقيين ربما كان طوق النجاة الذي أجَّل مشروع السيد الصدر ومنح فرصة أخرى لحكومة عادل عبد المهدي للملمة أوراقها المبعثرة والسير بخطوات سريعةٍ قبل فوات الأوان، والسؤال الأكثر إلحاحاً: ما الخطب الجلل الذي أخَّــر إطلالة السيد مقتدى رغم عظم مأساة حادث غرق العبارة ؟!!!
|