اليوم تاريخ جميل 12.1.2012قررت ان ابدأ بعرض يوميات عراقية .
في بداية السبعينيات كان بيتنا في محلة العرب القديمة في مدينة اربيل , اتذكر جيداً معسكر فرق الجيش في المحافظة كان يبدأ بمحاذاة طريق الموصل القديم بالقرب من المسلخة القديمة وامتدادا ً الى الطريق المؤدي الى قصبة عينكاوة انذاك , حيث كان على الشارع الرئيسي مجموعة كبيرة من دور قرية نواب الضباط وحوانيت الجيش , كنا نذهب مع عوائلنا لنشاهد مراسيم اخواننا الشيعة في ايام المحرم والأربعينية , كنت ارى الدماء تسيل على وجوههم وصدورهم من شدة ضرب سلاسل الحديد مثل ايامنا الان. كنت ولازلت عاطفي لدرجة كبيرة ورغم صغر سني كنت اذرف الدموع مع المتجمهرين , كنت افهم القراء والمترددين لان الدراسة كانت بالعربية , ولم أكن اعرف تاريخ ومعتقدات الاخوة الشيعة , وكان لي اصدقاء باسماء حسن , حسين , علي , كاظم , ولم أسألهم يوميا ً هل أنتم شيعة أو سنّة .
في حياتنا اليومية والمدرسة والمحلة , كنا عربا ً , كوردا ً , تركمانا ً , وكنا نسمع صوت أجراس الكنيسة في محلتنا التي كانت خلف جامع باشا , رغم كل هذا وذاك لم نكن على اختلاف وكانت الحياة مستمرة , لاشيعة ولاسنّة , لامسلم أو مسيحي , بل حتى الأرمن كانوا قاطنين في محلتنا. حياة بسيطة , والناس أبسط من معنى الكلمة , مباديء الأحترام والتقدير بين الكبار والصغار , ومباديء حق الجار على الجار , والرزق الحلال , ومسؤولين في دوائر الدولة شرفاء ومخلصين للشعب والوطن .
لكن يلعن الله عز وجل البعثية منذ تأسيس حزبهم المشؤوم على الأمة العربية بشكل عام وشعب العراق بشكل خاص , حيث جاؤا لتفيذ مخطط طائفي وقومي بحت على أطياف العراق بلا هوادة ودون تفرقة . وانتشروا كالمرض الخبيث في جسد العراق . في البداية بدؤا بتصفية الحسابات فيمابينهم , والصراع على الكراسي وشهرة القومية والطائفية . خلال سنوات قليلة جدا ً أختفى خيرة رجال العراق , في مدينتي اربيل أتذكر كيف أنهم كانوا في بداية الآنقلاب المشؤوم يغتالون الآبرياء للترهيب وسط الشوارع , وكنت أسمع كيف أنهم لفقوا تهم الخيانة للوطن لبعض الأبرياء والعمال البسطاء ومن ثم أعدامهم بلا رحمة .
منذ بداية الانقلاب شرعوا الى التفرقة والفساد عن طريق تجربة الطائفية , وتلفيق التهم بين فئة واخرى من اجل العداء والاقتتال الطائفي , ولآن الناس كانوا بسطاء والبعض متخلفين في العلم والفهم , وتعصب البعض , اندلعت صراعات طائفية وأثنية وقومية , من جراء ذلك تحولت العراق الى مجموعات قومية وطائفية وأقلية وأثنية , ولأن اكثرية البعثية كانوا من السنة وسيطروا خلال عقود من الزمن على مدن الوسط والجنوب الشيعية بحكم الترهيب والاعتقالات والاغتيالات والاعدامات والترحيل الجماعي داخل وخارج العراق . بالاضافة الى السيطرة المطلقة على الوزارات ودوائر الدولة وحرمان الشيعة من كل هذا وذاك إلا نادرا ً , حيث كان هناك جحوش بعثية شيعية يساندون البعثية في مدن الجنوب .
بالطبع أدى كل هذا الى خلق نوع من العداء بين قطبي القومية العربية في العراق وخلال فترة حكم البعثية كان الثوار الشيعة في مدن الجنوب والاهوار بمحاذاة ايران قواعد انطلاق للعمليات الجريئة والبطولية , وخلال فترة الحرب العراقية الايرانية , كان الثوار الشيعة يحاربون الى جانب الجيش الايراني من اجل اسقاط النظام البعثي . لهذا أشتد العداء الطائفي بين الطرفين خلال عقود من الزمن بلا هواده . واثناء الانتفاضة الباسلة بعد غزو الكويت , وبمساعدة قوات التحالف بشكل علني لجيش القادسية المنهار والحرس الجمهوري الجريح تم السيطرة على مدن الجنوب وقاموا بأبشع جرائم الابادة الجماعية وقصف المدن الشيعية بلا رحمة بالأخص مراقد الأئمة الصالحين في النجف وكربلاء . هكذا عاد صدام والبعثية لحكم العراق من جديد لغاية عام 2003 .
بعد التحرير وتغيير الأمور , أنقلب الموازين لصالح الشيعة , عبر صناديق الانتخابات وسيطرة الشيعة على الأصوات بكل الطرق ومساعدة دول الجوار , بشكل علني او سري , ولايختلف اثنان في حقيقة ان عدد نفوس الشيعة العرب اكثر من السنة العرب في العراق . لهذا كلف ابراهيم الجعفري من حزب الدعوة لتشكيل الحكومة من بعد اول الانتخابات وتحصيل حاصل . بعد ذلك اصاب لعنة الصراع على الكراسي بين الشيعة ايضا ً وقام المالكي بالانقلاب على الجعفري وترأس حزب الدعوة ليستلم هو الحكومة العراقية لمرتين , ويعلن الولاء المطلق لأيران , ويسمح لهم بحكم العراق في الخفاء ويحطم الاحزاب السنية ويطلق العنان للآخرين .
بعد انسحاب الأمريكان , تفرغ المالكي وحلفائه لتصفية ماتبقى من القوة السنية وتحطيم معنوياتهم من خلال تلفيق التهم وكشف ملفات الارهاب والقتل والفساد لمسؤولين كبار من السنّة بعد السكوت عليها لسنوات طويلة. كل ذلك من أجل تثبيت دعائم بقاء الشيعة في كراسي الحكم لسنوات أطول , وبسط نفوذ أيران وسوريا في العراق بصورة كاملة .
في أخر اليوم تعلمنا شيء مهم , أن صراع الشيعة مع الشيعة , وصراع الشيعة مع السّنة , وعدم أيفاء الشيعة بألتزاماتهم الوطنية والقومية , أدى الى تمزيق العراق واعلان الأقاليم وربما الآنفصال , أو الآقتتال , أو أستمرار الأقتتال الطائفي والقومي لعقود أخرى من الزمن , بكل تأكيد الخاسر ألكبر العراقيين . وفي هذا الحال لايفيدنا لامؤتمر وطني ولاقومي , ولن يفيدنا لا الجامعة العربية ولا الأمم المتحدة ومجلس الأمن . لآن أصل الصراع بين الطوائف أنفسهم وهذه العلة الكبرى في العراق.
|