• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : القوميات غير العربية في الوطن العربي .
                          • الكاتب : د . عبد الهادي الطهمازي .

القوميات غير العربية في الوطن العربي

ظاهرة تداخل القوميات بعضها مع البعض الآخر، وتعلم لغة القومية الأخرى وعاداتها وتقاليدها أمر متعارف في تاريخ البشرية، وليس في ذلك عارا ولا منقصة، فالناس لآدم وآدم من تراب، والناس سواسية كأسنان المشط. (شرح نهج البلاغة: 17/114، العلل لأحمد بن حنبل:1/10)، فالتزمت والتفاخر بالانتساب لقومية معينة والذي شاع في زماننا هذا أمر لا مبرر له.
والوطن العربي مثله مثل أي منطقة أخرى في العالم تعرض الى موجات هجرة من غير العرب استوطنت فيه، ثم تعلمت اللغة العربية واندمجوا مع العرب، والشواهد على ذلك كثيرة جدا.
فعندما جاء المسلمون لفتح العراق كان العراق مقتسما بين احتلالين، فالساسانيون الفرس كانوا يحتلون الجزء الجنوبي من العراق، بدأ من تكريت والأنبار شمالا وانتهاءا بالبصرة جنوبا، وأردشير الأول هو الذي بنى مدينة تكريت، ثم اتخذ سابور الثاني ذو الأكتاف المدائن عاصمة له، وطارد العرب حتى احتل بلاد الجزيرة الفراتية، وبنى مدينة الأنبار، وكانت تسمى في العهد الساساني فيروز شابور، أي سابور المنتصر. (انظر: الدول الفارسية في العراق:ص31 وما بعدها، بلدان الخلافة الشرقية: لسترنج:17، تاريخ الأنبار:13)
وبسبب موقف سابور المعادي للعرب، التمس العرب ملك الروم قسطنطين الأكبر مهاجمة الملك الساساني، فزحف الجيش الرومي بمساعدة العرب من قبيلة أياد وتنوخ وتغلب والنمر وغيرهم، واحتل عاصمة سابور المدائن، لكنه تمكن من استرجاعها فيما بعد، إلا أنه خسر بلاد الجزيرة والموصل وتكريت فاحتفظ بها الروم، فجاء الإسلام والعراق مقتسم أعلاه للروم وأسفله للفرس. (المصدر السابق:35، وانظر: ترجمة ربعي بن أفكل في كتاب قبيلة عنزة لكاتب المقال) 
ومن المؤكد أنه كانت لهاتين الدولتين رعايا في العراق، فلم يكن كسرى يجلس لوحده في المدائن، بل كان العراق مليئا بالمسالح الفارسية خصوصا في الجهة الغربية منه لصد هجمات العرب، وكان للروم جيش قوي أيضا قاوم المسلمين الفاتحين، ولولا تحالف العرب النصارى مع المسلمين حمية لقومهم وخذلانهم الروم لما تمكن المسلمون من فتح تكريت بيسر (انظر: الكامل في التاريخ:3/368). 
فوجود جالية رومية وفارسية في العراق أيام الفتح أمر غير قابل للإنكار، نعم ربما فر القسم الأعظم منهم الى أعماق أراضي الفارسية والرومية، بسبب المعارك التي دارت آنذاك، إلا أن القول أنه لم يبق منهم أحد في العراق أمر مجانب لحقائق التاريخ.
وفي أثناء معركة القادسية استسلمت فرقة من الجيش الفارسي، قدر المؤرخون عددهم بأربعة آلاف رجل، فاستسلموا وأسلموا، وشهدوا بعض الفتوح مع المسلمين، فأباح لهم عمر بن الخطاب الاحتفاظ بتشكيلاتهم العسكرية ورؤسائهم، وعاملهم معاملة المقاتلين العرب في العطاء. (الكوفة وأهلها في صدر الإسلام:403)
يقول ماسينيون في خطط الكوفة ص20: كان نقيبهم يسمى ديلم فسموا حمراء ديلم. وكانت خططهم عند السبخة شرق الكوفة على ضفة نهر الفرات، وتحديدا في المنطقة التي تسمى الآن مقام النبي يونس ع، ودخلوا في ولاء قبيلة بني عبد القيس. (وانظر: الكوفة وأهلها:411)، وقيل في ولاء بني تميم. (فتوح البلدان:2/295). 
وقال البلاذري في فتوح البلدان:2/343، أن زيادا سير بعضهم إلى بلاد الشام بأمر معاوية، فهم بها يدعون الفرس.
ولم يكن العراق بدعا عن بقية أجزاء الوطن العربي في وجود جاليات أجنبية فيه، فقد كانت هناك جاليات فارسية في البحرين، وفي اليمن حيث كانت هاتان المنطقتان خاضعتين للحكم الساساني، ويعبر عن الجالية الفارسية في اليمن بالأنباء، والنسب إليهم إبناوي، وهم الى اليوم يعترفون بأصولهم الفارسية. (الأنساب للسمعاني:1/122)
كما كان الأحباش يحتلون اليمن قبل الاحتلال الساساني، وقصة إبراهة الحبشي مشهورة في التاريخ، ومن المقطوع به أن الكثير من طبقة العبيد في الجاهلية كانوا من السود.
بل النسابون العرب قسموا العرب أنفسهم الى عاربة ومستعربة، فعاربة يعني أصيلة في التعرب، ومستعربة يعني أنها لم تكن عربية ثم تعربت. ولدينا في تاريخنا العربي شواهد كثيرة على تحول أهل لغة أو قومية الى قومية ولغة أخرى، فقد هاجرت عشرات القبائل العربية مع الفتوح الى إيران، فسكنوا أصفهان، وقم، وكاشان، وخراسان، وغيرها من المناطق، ثم ذابوا في المجتمع الإيراني وصاروا فرسا، فإنك تجد في قم مئات الأسر التي تنتسب الى قبيلة أشعر القحطانية، فالأشعريون هم الذين أسسوا هذه المدينة، ولكنهم اليوم لا يتقنون كلمة عربية واحدة. 
واستكردت بعض القبائل العربية، أي صاروا أكرادا، كقبيلة بلباس الكردية التي يقول العزاوي أنهم من مخزوم من ذرية خالد بن الوليد. (عشائر العراق:2/102)
ويذكر النسابون أن قبيلة إياد بن نزار أو بن معد على رأي بعض النسابين هاجرت الى بلاد الروم (تركيا حاليا)، وذابوا في المجتمع التركي. (أنساب الأشراف:1/27، معجم قبائل العرب:1/53)
ومصر مكونة الى الآن من عنصرين، وهم: الأقباط سكان مصر الأصليين، والعرب الفاتحين. 
وكان المغرب العربي كله لقبائل البربر (الأمازيغ)، فهاجرت مجموعات من سليم بن قيس وهلال بن عامر وغيرها من القبائل العامرية، فاختلط العنصران، وصار الجميع يتكلمون اللغة العربية. 
فالمغرب العربي: ليبيا، وتونس، ومصر، والجزائر، والمغرب، ليسوا عربا خالصين بل هم عرب وبربر. (انظر: قبيلة بني هلال لكاتب المقال: ص42 وما بعدها)
ودخل العرب الأندلس، وهاجر إليها الكثير من العرب، والبربر، ثم سقطت بلاد الأندلس بيد النصارى، واندمج العرب والبربر في المجتمع الاسباني الى اليوم. (انظر: تاريخ الطبري:3/314 )
وهاجرت بعض بطون ربيعة الى شرق السودان، واختلطوا بقبائل البجة السودانية، وتزاوجوا فيما بينهم، واكتسبوا السمرة السودانية بسبب طول الإقامة والمصاهرات. (انظر: قبائل ربيعة بن نزار لمحة موجزة، لكاتب المقال: ص57 وما بعدها)
وكانت حدود الشام وساحل بحر الروم –الابيض المتوسط- يغلب عليها العنصر الروماني، وقامت في فلسطين والأردن مملكة الأنباط، وهم عرب لكن ألسنتهم تبدلت الى الآرامية، يضاف إليهم سكان البلاد الأصليين من السريان والآراميين. (تاريخ التمدن الإسلامي: جورجي زيدان:5/14 وما بعدها) 
وكانت الموصل محتلة من قبل الفرس الأخمينيين، وكان سكانها منقسمين بين عرب وفرس. (الموصل عبر التاريخ: أزهر العبيدي:10)
واعتمد الخلفاء العباسيون من المعتصم ومن بعده على العنصر التركي، وكان الأتراك أخوال المعتصم، فاستجلب عدة آلاف من فرغانة وأشروسنة يستقوي بهم، فتكاثروا في بغداد حتى ضاقت بهم، فاضطر أهلها لرفع شكوى للمعتصم، قرر على أثرها الخروج بأتراكه من بغداد فبنى لهم مدينة سامراء، وابتاع لهم جواري تركيات فتكون منهم مجتمع كبير في سامراء، رغم أن أكثرهم كانوا يدينون حتى ذلك العهد بالمجوسية والوثنية. (تاريخ التمدن الإسلامي:4/179) 
ثم دخل العراق تحت الاحتلال العثماني لمدة أربعة قرون، وكانت فيه بطبيعة الحال جالية تركية كبيرة جدا، عاد بعضهم الى بلادهم بعد سقوط الدولة العثمانية، وبقي آخرون استعربوا وذابوا في المجتمع العراقي، ومن أشهر الأسر التركية: أسرة سليمان باشا، الذي أصبح حفيدة الثامن حكمت سليمان رئسيا لوزراء العراق سنة 1936م، وآل الأورفلي، وآل الدملوجي الأسرة الموصلية الذي كان جدهم ضابطا في الجيش الانكشاري العثماني.
وشكل عبيد الله بن زياد في البصرة جهاز شرطة مكون من ألفي مقاتل تركي أتى بهم من بخارى، وكانت لهم سكة خاصة بهم يقال لها سكة البخارية، وكانت الوظيفة الأساس لهؤلاء الأغراب عن المدينة قمع الثورات الشيعية. (انظر: دراسات في تاريخ المدن العربية والإسلامية: د/عبد الجبار ناجي:166، وانظر: قبيلة عبد القيس لكاتب المقال ص45)
ويملئ دول الخليج البلوش، وهم قوم من الفرس يسكنون إقليم بلوشتان جنوب إيران وباكستان، ولا نجد من يغمز في نسب أبناء الخليج ويدعي بأن أصلهم بلوش، مع أن حكام أغلب دول الخليج ليس لهم نسب واضح فضلا عن عامة الناس. (انظر: قبيلة عنزة لكاتب المقال ص21، وآل خليفة ملوك البحرين، النسب والتاريخ: لكاتب المقال ص5 وما بعدها)
فإذا كان البناء على أن العربي يجب أن يكون منحدرا من عدنان وقحطان، فيجب أن نخرج عدة دول من جامعة الدول العربية، فنحن نجزم بأن أبناء السودان والصومال وإرتريا وجيبوتي وموريتانيا ليسوا من العرب في الأصل، بل تعلم آباؤهم وأجدادهم لغة العرب، ثم اندمجوا في المجتمع العربي، وعليه: فيجب أن يقال أن هذه دول ناطقة بالعربية وليست دولا عربية! أفهل يلتزم بذلك أحد؟




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=130738
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 02 / 27
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 29