كان صادق لا يفارق مسطر العمالة وسط ميسان التي عندما يجوع اهلها يأكلون أنفسهم ولا يمدون اياديهم مهما كانت حاجتهم..له خمسة اولاد ذكور يتطلعون كل يوم إلى يده وهو عائد عند المساء يحمل اكياسه الصغيرة وقلبه الكبير ..
وكانت أمه شديدة التعلق به تنتظره عند الباب اذا تأخر وكثيرآ ما يؤلمها قلبها اذا غابت الشمس ولم يشرق وجه صادق في الدار وتظل تأخذ الدار ذهابآ وايابآ وتقف مع احفادها منتظرة كف صادق ووجهه الميساني المتعب الذي رسم الأسمنت على يده ووجهه ندبة لكنه كان يتجاوزها بالإيمان الذي يحمله بداخله وكثيرآ ماتضيق بأمه السبل فتطلب من صادق ان يستخير الله لها في القرآن في امر تحتار عنده وكانت الاستخارة هي استجارة بالله لتلك المرأة التي رسمت السنون خارطة من التعب على وجهها..
وأكثر خطوط الحزن على وجه تلك المرأة يوم جاء صادق لأمه ليقول لها انه اشترى ذخيرة لسلاحه الخاص بعد أن صدرت فتوى الجهاد الكفائي وانه سيذهب ليقاتل دفاعا عن المقدسات وكادت المراة ان تفقد عقلها من شدة الخوف على ولدها والرفض لذهابه حتى انها اغلقت باب الدار وجلست خلفه وهي تقول له(ولك يمه صادق تريد تعوفني وتروح..ولك يمه والله اموت ..انته غير الهوة الاشتمه..مريتك وفريخاتك شلون بيهم يمه..)لطمت المراة وجهها وبدأت بالصراخ لكنه بقي مصر على قراره قائلا لأمه(يمه تقبلين يطبون على اخواتنا ويفجرون مراقدنا ويذلونا ..جا انتي مو تكولين انت ذخر..جا شلون ذخر ينام بسد امه والوطن محترك يا بعد طوايفي )!!
فقالت له الأم (زين يمه يا صادق اخذ استخارة واني اقبل شتطلع بس بروح ابوك اذا طلعت لا ..لا تروح )..فقال لها وهو يرى وجهها الحزين وقلبها المحترق مثل قصب الأهوار الذي أحرقته طغمة العفالقة في تاريخ العراق الاسود(هاي هيه يمه نستخير الله واني قابل بس انت هم بروح ابوي اذا طلعت زينه اروح وما تمنعيني )فقالت الأم(توكل واستخير الله )..
أمسك صادق القرآن بيده وقلبه يرتجف وعينه تتوسل بالسماء بأن تقبله مجاهدآ ويذهب للقتال والدفاع عن المقدسات ووضعت في هذه اللحظة امه يدها فوق القرآن وهي ترتجف مثل قشة في يوم عاصف..!!
كانت المفاجأة عندما فتح القرآن ودمعت عيناه وقال لأمه(تعالي واقرأي الايه ماذا تقول يا امي )!!
كادت الأم أن تصرخ بأعلى صوتها لولا انها تعزت بعزاء الله الذي أنزل السكينة على قلبها في تلك اللحظة وفتحت الباب لولدها وودعته وبعد أيام من التحاقه استشهد صادق في معارك جرف النصر وهو يذود عن وطنه ومقدساته..
كانت امه حزينة تقرأ آية الاستخارة والاستجارة التي قرأتها عندما فتح صادق القرآن مستخيرآ الله..
كانت الآية تقول (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتآ بل أحياء عند ربهم يرزقون )...!
|