• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : الجذور النفسيّة للمعتقدات والافكار والممارسات .
                          • الكاتب : زعيم الخيرالله .

الجذور النفسيّة للمعتقدات والافكار والممارسات

اغلب المعتقدات والافكار والممارسات البشرية ، لاتمتلك اسساً موضوعيّة لاثبات صوابيتها وحقانيتها . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو : اذا كانت معظم هذه المعتقدات التي عرفها الانسان واعتقدها ، والافكار التي تبنّاها ، والممارسات التي رسّخها التكرار ، وعززتها التقاليد والاعراف ، وكرّسها العقل الجمعي ، لاتمتلك اسساً موضوعيّة ، فهل هناك اسسٌ اخرى تستمد منها مبرراتها ؟
نعم ، هناك اسسٌ اخرى ، تشكل ارضيّة لهذا الاعتقاد والتبنّي والسلوك ، وهذه الاسس هي الاسس السيكولوجية .
الالحاد -على سبيل المثال- الذي ينتشر في بلداننا انتشار النار في الهشيم ، لانجد له تبريرا موضوعيا ، وليس هو نتاج دراسات جادة ، اوصلت الذين ينكرون وجود الله الى هذه النتيجة . واذا فتشنا في اعماق نفس الملحد ، لوجدنا ان الجذور النفسيّة للالحاد ؛ هي التي تمثل الاسس والارضيّة لبروز هذه الظاهرة .
ولقد رصد القران هذه الظاهرة ، ظاهرة الجحود ، وبيّن جذورها النفسية ، يقول الله تعالى : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ۚ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ) النمل:14
اي ان الايات التي جاء بها موسى عليه السلام من ربه ، هي ايات حقة تدل دلالة لالبس فيها على ان موسى مرسل من ربه . وهذه الايات هي التي واجه بها موسى فرعون ، وان فرعون كان يعلم ان منزل هذه الايات هو الله تعالى ، ولكنّه الظلم والعلو والتي هي عوامل نفسيّة للجحود ، يقول الله تعالى على لسان موسى (ع) وهو يخاطب فرعون:
(قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ) الاسراء : الاية : 102 . العلو والظلم سبب الجحود ، وهذه اسباب نفسية ، وليست اسباب موضوعية . الظلم سبب الجحود كما جاء في قوله تعالى :
( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ۖ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ )الانعام : الاية : 33 ، والظلم سبب نفسي لاعلاقة له بالموضوعيّة من قريب او بعيد . وكذلك الكفر سببه التعصب الى القوم والدين . فبنو اسرائيل الذين هاجروا الى شبه الجزيرة ، وسكنوا المدينة ، ليكونوا اول المؤمنين بالنبي (ص) ، الذي سيبعث في جزيرة العرب ، ليكونوا اول الناس ايمانا به وتصديقا .يقول الله تعالى :
(وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) البقرة : الاية : 89 ، في حين ان بني اسرائيل يعرفون النبي بصفاته وبالتفاصيل التي جاءت في توراتهم ، ويعرفونه كما يعرفون ابناءهم حسب التوصيف القراني ، ولكن الانكار سببه سبب ذاتي نفسي ، وهو كتمان الحق ، يقول الله تعالى :
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ۖ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) البقرة : الاية : 146 . وحتى ابليس كان سبب رفضه السجود لادم ، ليس لعلة معرفية ، فابليس يعرف ان هذا المخلوق مكرّم عند الله ، ولكنه رفض استكباراً وعلواً ، وهذه مشكلة نفسيّة عند ابليس لا قضية معرفية تمتلك اسسا موضوعية . يقول الله تعالى :
(قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ) الاعراف : الاية : 12 . وكتمان الشهادة ممارسة اسبابها ذاتية نفسية ، وليست موضوعية تتعلق بالحق والباطل ، والله يشير الى قضية كتمان الشهادة في كتابه الكريم :
(وَإِن كُنتُمْ عَلَىٰ سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ ۖ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ۗ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) البقرة : الاية : 283 . وهناك ظاهرة اخرى اضافة الى كتمان الحق ، وهي الباس الباطل لبوس الحق للتضليل ، وحجب الحقيقة عن اعين الناس ، يقول الله تعالى :
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ال عمران : الاية : 71 . ، وقد اعتبر القران الكريم كتمان الحق جريمة ؛ يستحق صاحبها لعنة الله ولعنة الناس ، يقول الله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَىٰ مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ ۙ أُولَٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) البقرة : الاية : 159 .
وفي الختام ، ان اغلب الناس في اعتناقهم للافكار ، وتبنيهم للمارسات ، لاينطلقون من اسس موضوعية ، كالحق والباطل ، وانما من اسس نفسية يحكمها التعصب ، والتقليد ، والمواقف المسبقة ، والحب والبغض ، فالبعض يقف مع الصديق حتى ولو كان على باطل ، ويقف موقفا ضد العدو وان كان على حق ، والقران حذّر من ذلك بقوله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة : الاية : 8 .

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=129438
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2019 / 01 / 19
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13