هذه الصياغة الخاطئة لجيل الغد، يتواصلون تحت قهر التربية السّيّئة..هم ضحاياها حيث هناك مسؤولون عن التربية..البيئة الاجتماعية للتربية..القيم المزيّفة التي نسمّيها ثقافة جيل جديد..تشبه هذه التربية كذبة الربيع العربي..حين تفشل عملية التواصل تنتج توحّشا في الخطاب..التطبيع مع لغة كانت لغة الزواريب العميقة لكنها ستصبح لغة البيوت والفضاء العمومي والحركات المطلبية..في هذا الحراك حسابات تفوق السّاعة ولكنها قضايا السّاعة..حينما نمجّد الرّداءة يكون المصير هو هذا: تلاميذ أنتجتهم المدرسة والبيوت والمجتمع عبّروا عن مطالبهم بمخرجات التربية والمدرسة..هم من هنا.. لم يسقطوا من المرّيخ..لأنّ التواصل هنا ميّت وغير جدّي..التلاميذ لم يفعلوا سوى أن فضحوا الهشاشة التي هم ضحاياها، وفي مقدمتها البنيات التربوية سواء ما يتعلّق بالاختيارات: البنية الفوقية والمنظومة القيمية أو ما يتعلق بالمؤسسات: البنية التحتية المؤلفة من المدرسة، والهيئات ذات الطابع التعبوي والتربوي، التلفزيون ومغالطات التربية على قيم سيتقيّؤها الجيل القادم في صورة وعي ضحل وهشاشة تربوية..جيل الظّمأ التربوي.. كل شيء يخرج من التلفزيون..وسيط تربوي فاشل سينتهي بالكارثة على كل الجيل..جيل لا يسمع بيتهوفن بقدر ما يستمع إلى أشياء رديئة من الصباح إلى الليل وهو العنوان العريض للأصالة..يخضع لبرامج تنمّي غريزة التّفاهة..التلفزيون آلة تربوية لا يمكن أن تزفّ إلى أعماق البيوت الـ "صلاكط" و الأغبياء..التطبيع مع الفنّ الرديئ ومع الجريمة ومع اللغة البائسة..هناك تلفزيون هو في الحقيقة برميل بارود تربوي..جيل لم يعد يجد في التلفزيون الأفكار الكبرى..تدانى التلفزيون وتدلّى ليكون وسيطا بين ثقافة الانحطاط والجمهور.. جيل لا يخضع لأي برنامج في التعبئة الوطنية بالمعنى العميق، فالوطنية غذت مزايدة وتملّقا وكلفا ميديائي وليست فنّا، أي الوطنية بوصفها فنّا أوّلا وقبل كلّ شيء.. إنها الأحزاب السياسية أو تلك المنظمات المفيوزية التي لا تصدق أبدا..أين دور الكشافة الذين على الأقل يضبطون لسان الأطفال ويعلمونهم التصرف المسؤول..أين القيمة المركزية التي سنقف عليها خارج هذا الإلتباس..ما هي البيئة الكاملة التي تدعم العملية التربوية؟..لم يكن هناك أي شيء مفاجئ هنا..بالفعل، إنّ الخبير التربوي هو أكثر النّاس وعيا بهذه المعضلة..المدرسة لم تعد فرصة تربوية بل منتجا لتلاميذ خارج منظومة القيم..حرق العلم الوطني تقليد في زمن الاحتجاجات العدمية..لأنّ هناك أسبابا وجب البحث عنها في الوعي والشروط الاجتماعية والنفسية والثقافية..من أين يا ترى سيتعلم الأطفال الوطنية؟ تلفزيوناتنا تخضعنا إلى باراديغم في الوطنية يقرن بينها وبين الرداءة..ألا توجد كفاءات واستراتيجيا لإعادة هندسة الأذواق واستيعاب حاجة المتلقّي؟ ثم ماذا قدمت حكومة سرّاق الله للتربية..أولئك الذين اغتنموا فرصة التدبير الحكومي فجعلوا من قطاع التربية فرصة للاستثمار في المدارس الخاصّة على حساب المدرسة العمومية، ماذا فعلوا لهذا الجيل؟ لو أنهم ركزوا على التربية فقط لكنّا إزاء مخرجات تربوية نوعية، لكنهم لا يملكون بديلا حتى في التربية..لقد حازوا على حقائب وزارية مختصّة وتسربوا إلى مديريات وأكاديميات التربية والتكوين، لكن بلا جدوى..الانتهازية لا تحقق نقلة تربوية نوعية..لقد ابتعثوا أبناءهم للدراسة في الخارج بعد أن كانوا اختاروا لهم التكوين خارج المدرسة العمومية..الوجه النيوليبيرالي لسرّاق الله..الطبقات الشعبية هنا مجرد رصيد انتخابي وليست هدفا للإصلاح والتنمية..فشلوا في التربية والتنشئة حين كانوا مجرد دعاة يمتطون أعواد المنابر وحين أصبحوا في التدبير الجماعي وفي البرلمان وحين استولوا على قطاع التربية والتكوين، ماذا يحتاج هؤلاء لكي يصلحوا ما أفسده الدّهر..لقد أفلسوا في التدبير وإن اغتنوا بالتدبير.. إنّ الحراك دليل على حياة الأمم، لكنّ الحراك الذي يحمل ملامح التّخلّف يعيدنا إلى الوراء..ما يفعله التلاميذ قد يكون صادما ولكنه بريئ وبلا حسابات كبيرة، هم ضحايا أيضا، من يسمع لهم، من يمنحهم فرصة..كلام بعضهم صحيح: قدموا لنا كل شروط الأوربيين وليس فقط ساعة..الشوارع مليئة بقطاع الطرق..العنف اليومي على الطرقات..من يحميهم..علينا أن ننصت للتلاميذ ولا نتطاول عليهم بسلطة الأعمار..هؤلاء فقراء أولاد المدرسة العمومية..لقد عبّروا بوضوح..انتابت الاحتجاجات بعض التصرفات التي هي طبيعية في الحركة التلاميذية، لكن ألا يستحق سرّاق الله أن ينبري لهم التلاميذ..وبلغة التلاميذ..وشقاوة التلاميذ...لقد أصبحت العدالة والتنمية في مواجهة التلاميذ والمرأة والعمال وغدا سيبارزها الرّضع والأطفال..العدالة والتنمية تدير الحكومة بحقد ورواسب التربية السّيئّة..حكومة جبانة..ولن يوقف تفاهتهم إلاّ التلاميذ..وباللغة التي يرونها مناسبة.. لقد باتت المشكلة واضحة: مشكلة تربوية أنتجت سيلانا في الجريمة والعدمية والفوضى..نحتاج إلى تربية...ليس التلاميذ فحسب بل المدرسة نفسها في حاجة إلى مدرسة..الحكومة تحتاج هي الأخرى إلى تربية....
|