هناك عدد من القبور في منطقة كوت الزين والمطوعة (30كم) جنوب البصرة، كالقبر المنسوب الى زيد بن صوحان، وآخر الى عبد الله بن عقيل، وثالث الى سهل بن عبد الله، وصالح بن علي ......
والمنطقة عموما تحضى بنوع من القداسة عند عامة الناس حيث يظن البعض، بل الكثير أنها كانت مسرحا لوقعة الجمل أو على الأقل معسكرا لجيش الإمام علي ع، فمن أين جاءت هذه القداسة وهذه الكثرة من القبور.
لمحة لتاريخ المنطقة
منطقة جنوب البصرة وكلا ضفتي شط العرب ظهرت بالتدريج من تحت مياه الخليج بسبب تراكم الطمى والغرين وأصبحت بمرور الزمن أراض يابسة.
خلوة الزهاد والعباد
ولما كانت هذه المناطق بعيدة عن البصرة في ذلك الزمان –أعني الثلث الأول من العصر العباسي-، وخالية من السكان، توجه إليها الزهاد والعباد طلبا للخلوة والتفرغ للعبادة، وأقيمت فيها الرباطات –أي الأماكن الخاصة التي يرابط فيها الزهاد للعبادة-.
وكانت جزيرة عبادان أولى هذه المناطق التي أمَّها العبَّاد والزهاد، وأقيم فيها مقام يسمى مقام الخضر وهو موجود الى اليوم والى جانبه مقبرة كبيرة، حتى أن الجزيرة كانت تسمى جزيرة الخضر قبل تسميتها بعبادان.
والراجح أن سبب التسمية هو سكن العُبَّاد فيها، فقيل فيها جزيرة العبَّاد، ثم سميت عبادان على طريقة أهل البصرة في تسمية مناطقهم حيث يضيفون ألف ونون لاسم المنطقة، وهذا المعنى متداول حتى اليوم كحمدان وعويسيان ومهيجران...
وكذلك منطقة غرب شط العرب المقابلة لها اكتظت أيضا بالزهاد والعباد، فأقام فيها سهل بن عبد الله التستري المتوفى سنة 285هـ، وهو عالم صوفي ومفسر وأحد الزهاد المعرفين.
ويظن عامة الناس أنه من أصحاب الإمام علي ع ويخلطون بينه وبين الصحابي سهل بن حنيف، وسهل بن حنيف توفي في الكوفة سنة (38) هجرية وصلى عليه أمير المؤمنين (ع) ودفن هناك كما نص على ذلك كتاب السير والتاريخ.
وكذلك الحال بالنسبة لباقي القبور كعبد الله بن عقيل وصالح بن علي فهؤلاء في الحقيقة ربما كانوا من الزهاد والعباد الذين ماتوا في تلك الرباطات ودفنوا فيها، ولا علاقة لهم بأهل البيت ع لا من قريب ولا من بعيد، فعبد الله بن عقيل الذي يزعم العامة أنه ابن أخي الإمام علي بن أبي طالب لم أجد له ترجمة في أي كتاب.
وأما عبد الله بن عقيل بن أبي طالب فقد قتل مع الحسين ع يوم العاشر من المحرم وكل المقاتل تنص على ذلك، فهو مدفون في كربلاء مع أصحاب الحسين ع.
وكذلك صالح بن علي لا يعرف من هو، ونسبته الى الأئمة ضرب من الخيال، نعم قد يكون من جملة أولئك العباد الزهاد الذين اتخذوا المنطقة مكانا للصلاة والعبادة.
أما القبر المنسوب لزيد بن صوحان فهو وهم واشتباه أيضا، فزيد من شهداء معركة الجمل التي وقعت في الخريبة قرب البصرة القديمة (الزبير حاليا)، وشهداء معركة الجمل مدفونون جميعا داخل سور البصرة كما نص على ذلك الرحالة الشهير ابن بطوطة.
وعندما ذكر الشيخ محمد حرز الدين في كتابه (مراقد المعارف) قبر زيد بن صوحان جنوب البصرة لم يذكر ذلك من مصدر تاريخي، بل أخذه من ألسنة أهل المنطقة، وواضح أن هذا ليس بدليل على نسبة القبر للصحابي المذكور، فعامة الناس ليسوا من أهل الاختصاص ليكون قولهم دليلا في هذه المسائل، ولا أدري كيف فاته أن القبر المنسوب لزيد بن صوحان في كوت الزين يبعد عن موضع وقعة الجمل بما يقرب من (50) كم تقريبا.
وربما يكون هذا القبر لأحد أحفاد زيد بن صوحان، أعني جعفر بن محمد الصوحاني الابن الخامس لزيد بن صوحان، وكان من الزهاد والعباد المعروفين في بغداد منتصف القرن الثالث الهجري، ثم التحق بصفوف ثورة الزنج في البصرة، ومعلوم أن ثورة الزنج بدأت في هذه المنطقة وتحديدا في قرية الجعفرية نسبة الى والي البصرة جعفر بن سليمان العباسي، وهي ناحية السيبة حاليا والتي تقع على مسافة (10كم) تقريبا جنوب القبر المذكور، فمن القريب جدا أن يكون القبر له وليس لجده الخامس زيد بن صوحان.
وهناك قرينة أخرى وهي ما ذكره الطبري من أن قرى شمال ناحية السيبة الحالية، كان يسكنها في ذلك الزمان أقوام من ربيعة كبني عبد القيس وبني عجل بن لجيم، ومن الطبيعي أن يعتز بنو عبد القيس بهذا القبر لكون صاحبه منهم، وربما دفن جعفر بن محمد الصوحاني في قريتهم.
والمطوعة لا تخرج من هذا السياق فأصلها (مطاوعة) جمع (مطوع) وهو رجل الدين عند الأخوة أهل السنة (ملا)، أي الذين يتطوعون لخدمة الدين، وربما كانوا يسكنون هذه المنطقة أيضا طلبا للخلوة بالدعاء والعبادة.
كما شهدت منطقة كوت الزين معركة كبرى أوائل الاحتلال البريطاني للعراق بين العشائر العراقية المقاومة للاحتلال والمحتل البريطاني تكبد الثوار العراقيون فيها خسارة كبيرة بالأرواح حيث قتل ما يقرب من ألفي مقاتل عراقي ودفنوا في هذه المنطقة.
والخلاصة: القداسة التي تضفى على هذه المنطقة وكثرة القبور جاءت كما ذكرت من أن المنطقة كانت محلا لإقامة الرباطات الخاصة بالزهاد المتعبدين، إضافة الى قبور الثوار العراقيين.
|