هل هناك فرق بين الملاك الحارس والملائكة الحفظة؟
الحقائق على الجميع ان يعرفوها وخصوصا لمن يتصدى للمرجعية وقيادة الناس فإن لم تنهض به همته ، فلا بد له من مساعدين يبحثون لهُ في اي مسألة يُريد معالجتها وطرحها او نقاشها او الرد عليها وهذا من مستلزمات حفظ الشخصية ، واما تقحّم المسائل من دون فهم او علم بها فهو يدل على جهل وقع فيه الكثير ممن اعتقد أو توهم أن الوسادة ثُنيت له (1) أمثال السيد كمال الكاشاني ، والصرخي واضرابهم. ولربما وبسبب طلب الشهرة والاتباع وعندما لم يجد وسيلة لذلك يُقحم نفسه في نقد الكبار في قضايا ليست من اختصاصه لكي يُقال أن فلان الفلاني ناقش الشخصيات الفلانية، أو يعمد إلى تأسيس ما ذمّهُ القرآن من أحزاب لجذب الاتباع والناس عبيد الدنيا.(2)
الشيخ اليعقوبي لا يعرف التواءات رجال الدين المسيحي وكيف يكسرون أنف النصوص لتتوافق مع اهدافهم ولذلك وقع تلك الوقعة ــ ولربما اوقعهُ المطبلون له ــ حيث نشروا تحت عنوان : (الشيخ اليعقوبي يجيب على حيرة وشكوك كبير اساقفة الكانتربري). وفي عنوان آخر كتبوا : (مرجعية النجف تصحح بعض المفاهيم الخاطئة لكبير أساقفة كانتربري في لندن). ثم نشروا ما قاله الشيخ اليعقوبي وهو غافل عن أهداف بابا الفاتيكان أو كبير اساقفة لندن. (3) ولا أدري أين هي مرجعية النجف واين ما كتبته ، وهل اصبح الشيخ اليعقوبي يُمثل مرجعية النجف؟؟
الشيخ اليعقوبي في تعقيبه على كلام جاسبي واطرائه على بابا الفاتيكان كان في غير محله وقد غاب عن الشيخ اليعقوبي بأن زعامة الفاتيكان تقود كل الحروب الدموية على المسلمين في كافة أنحاء العالم وهي التي تقوم بتوزيع اوشحة (ليكن الله معنا) على الجنود الذاهبين إلى الشرق الأوسط.وهي التي تزعم أن الملاك الحارس يرافقهم في الحرب.
بابا الفاتيكان ذكر الحقيقة حيث قال : (يُعلمنا تقليد الكنيسة أن لكل منا ملاكًا يحرسه). (4) فذكر البابا أن عقيدة (الملاك الحارس). هي تقليد الكنيسة ولا علاقة لها بالكتاب المقدس يعني بوضوح إنه بدعة من بدع الكنيسة. لأن اصل الموضوع هو أن الملاك الحارس ، خاص بالأمة اليهودية يحرسهم في عملياتهم الحربية وغزواتهم واول ما وضعهُ الله لموسى ثم توارثه اليهود.
فعقيدة الملاك الحارس من العقائد الوحشية المرعبة في التوراة ولا قياس بينها وبين ما ورد في القرآن الكريم حول الملائكة الحفظة والتي ذكرها الشيخ اليعقوبي وأخذ يتأنق في تفسيرها وهي الآية القرآنية من سورة الرعد ، آية : 11 : ( له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله). فهذه الآية القرآنية لا يُمكن مقارنتها بما ورد من نصوص حول (الملاك الحارس) ابدا والتي وردت في التوراة ، ولا علاقة لها ايضا بالانجيل ولا بالمسيحية.بالصورة التي ينقلونها كما ورد في أقوال البابا التي تدل على جهله أيضا. فتفسيرات الشيخ اليعقوبي في وادٍ ، وما يقصده البابا في واد آخر من حيث حقيقة الموضوع ، مع العلم أن البابا اثبت جهلا حينما اطرى على ملاك الرحمة الحربي القاتل العدواني نصير اليهود فجعلهُ ملاك رحمة يحرس الناس وإنما هو قاتل للناس مخرّب للحضارات محتلّ لأرضهم.
ففي القرآن فإن تفسير الاية المذكورة يعني أن الله يرسل ملائكة لحفظ الناس بسطائهم وعوامهم وغيرهم من ان يقع لهم حوادث (5) ولكنها في التوراة تعني أن الله يرسل ملائكة تحرس اليهود في سطوتهم وعدوانهم على الناس. ولو استعرضت اعمال (الملاك الحارس) في التوراة والانجيل لرأيناه موكل بالخراب والتدمير والهلاك والحرق والابادة ابتداء من سفر الخروج وانتهاء بسفر رؤيا يوحنا في آخر الانجيل.ولذلك نرى بولص يتحاشا ذكره لانه كيهودي يعرف أن هذه العقيدة هي من مختصات اليهود.
مختصر هذه العقيدة ، ان اليهود يؤمنون بأنهم إذا شنّوا الغارات على الآخرين وقاموا بغزو القرى المجاورة فإن الله ــ رب إسرائيل ــ إما ان يكون امامهم محاربا معهم مهرولا بين أيديهم يحمل مشعلا ليلا ليُنير لهم الطريق ويحمل نهارا نبوتا ضخما ليطرد الشعوب من أمامهم، أو يرسل لهم ملاكا حارسا ينصرهم في معاركهم الظالمة ويحفظهم من القتل حيث يقول النص : (وأنا أرسل أمامك ملاكا، وأطرد الكنعانيين والأموريين والحثيين والفرزيين والحويين واليبوسيين.إلى الأرض التي تفيض لبنا وعسلا).(6) النص هنا يتكلم عن غزوا الآخرين وسلبهم ارضهم ، لأن اليهود يطلقون على ربهم بأنهُ (رب الجنود) المحارب.
وفي نصٌ آخر يوضّح فيه مهمة هذا الملاك الحارس فيقول : (ها أنا مرسل ملاكا أمام وجهك ليحفظك في الطريق، إن ملاكي يسير أمامك ويجيء بك إلى الأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوسيين، فأبيدهم.وأرسل أمامك الزنابير. فتطرد الحويين والكنعانيين والحثيين من أمامك. وأجعل تخومك من بحر سوف إلى بحر فلسطين).(7) فقضية الملاك الحارس تنتهي دائما باحتلال ارض الآخرين وقتل رجالهم ومصادرة كل املاكهم وإن لم يقوى الملاك على ذلك تُساعده جيوش الزنابير.
يضاف إلى ذلك أن الله عندما يرسل هذا الملاك الذي يبدأ بمعاونة اليهود في القضاء على الناس وسرقة املاكهم فإن الله يندم ويعتبر ذلك شرا منهُ على عباده كما يقول في النص : (وأرسل الله ملاكا على أورشليم لإهلاكها، وفيما هو يهلك رأى الرب فندم على الشر). (8) نص التوراة الخاص بالملاك الحارس يُصوّر الله جاهلا يُرسل ملاكه لهلاك الناس ثم يندم على الشر الذي فعله . وقد استوحت الروائية الامريكية دانيال ستيل موضوع كتابها (الملاك الحارس) من هذه العقيدة فسخرت منها فتقول : هل كان هناك ملاكا حارسا ؟ثم تحكي قصة شاب صدمته سيارة ليموت ، ثم تقول الكاتبة أين ملاكه الحارس.(9)
المشكلة الكبيرة التي على الشيخ اليعقوبي أن يفهمها هي أن المسيحية تزعم بأن الملاك الحارس (امرأة) من الملائكة ومن هنا اتفق رساموا المسيحية على رسم الملاك الحارس على شكل امرأة ذات جناحين وقد تهدل شعرها الاشقر الذهبي على كتفها ، وبهذا تكون المسيحية قد اتفقت مع المشركين في تسمية الملائكة بالاناث. وقد وجه القرآن نقدا شديدا إلى من يقولون ذلك حيث قال تعالى : (وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا اشهدوا خلقهم سنكتب شهادتهم ويُسألون).(10) وترسيخا لمبادئ الشرك والوثنية اطلق الغربيون على الممرضات (ملائكة الرحمة) انطلاقا من عقيدتهم في أن الملائكة (بنات) ومن هنا نرى اتفاق كل الرسامين الغربيين على رسم (الملاك الحارس) بهيئة امرأة جميلة يتدلى شعرها الأشقر على كتفيها وقد بان صدرها وساعديها.
المصادر:
1- فقط علي عليه السلام ثُنيت له الوسادة كما كان يقول : (لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم ، و أهل الإنجيل بإنجيلهم ، و أهل الفرقان بفرقانهم ، حتّى ينطق كلّ منها و يقول : إنّ عليّا قضى فيّ بما أنزل اللّه تعالى فيّ). بصائر الدرجات للصفار : 153 ح 4 ، و الثعلبي في تفسيره وعنه تذكرة الخواص : 16 ، و الفرات الكوفي في تفسيره : 69 ، و الحسكاني بروايتين في شواهد التنزيل 1 : 280 ، 281 ح 384 ، 385 ، و الجويني في فرائد السمطين عنه ينابيع المودة : 74 وغيرهم.
2- سورة الروم ، آية : 32. قوله تعالى : (الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون). وقد كان مقتدى الصدر وعمار الحكيم اكثر حنكة ودهاءا من الشيخ اليعقوبي فلم يستخدموا كلمة (احزاب) في تنظيماتهم فمقتدى اطلق على اتباعه (جيش المهدي ، سرايا السلام). وعمّار اطلق عليهم (تيار الحكمة). وهي في الحقيقة تشكيلات حزبية حالها حال الفضيلة.
3- في كلمة متلفزة للشيخ اليعقوبي بثت من على شاشة قناة النعيم الفضائية وتابعه مركز عطاء للأعلام ، مؤيدا فيها كلام البابا حول عقيدة (الملاك الحارس) الباطلة، وقد عزب على الشيخ أن ادوار امثال الاسقف والبابا هي تجهيل الناس واخراجهم من الدين ولا يوجد أدل على ذلك من انكار بابا الفاتيكان لجهنم والجنة ووصفه خلق آدم بأنه خرافة وغيرها من ثوابت مسيحية نسفها نسفا.
4- موعظة القاها البابا صباح يوم الخميس في كابلة بيت القديسة مرتا انطلاقا من القراءات التي تقدمها الليتورجية الكنسية حول عقيدة الملاك الحارس.
5- قال الإمام علي (عليه السلام): إن مع كل إنسان ملكين يحفظانه، فإذا جاء القدر، خليا بينه وبينه، وإن الأجل جنة حصينة. البحار: 5 / 140 / 8، كنز العمال: 1562.
6- سفر الخروج 33: 2 .
7- سفر الخروج 23: 20 .
8- سفر أخبار الأيام الأول 21: 15.
9- دانيال ستيل كاتبة وروائية امريكية أغلب رواياتها تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعا في العالم حسب جريدة النيويورك تايمز وقد بيع إلى الآن 500 مليون نسخة من رواياتها وترجمت إلى أكثر من 28 لغة.
10- سورة الزخرف ، آية : 19.

|