لا أكتب عن شخص وإنما عن ظاهرة جسّدها وحسبتها لن تحصل في البلاد , لأنها تتدهور على جميع المستويات والأبعاد , فما كنت أتصور أن تحظى البلاد بمسؤول يتكلم بنطق عربي سليم , فالذي تعودنا عليه أن المسؤولين والرؤوساء خصوصا وفي معظم الدول العربية , يتكلمون العربية بنطق أعوج , ويلقون خطاباتهم المؤذية للنفس والعقل والسلوك.
وقد كتبت مرارا عن ضرورة أن يتكلم الحكام والمسؤولون العرب بلغة عربية صحيحة , ويتعلمون كيف ينطقون ويتقنون العربية بنحوية تامة , وفصاحة مقبولة , ويأتون بعبارات بليغة ذات قيمة تهذيبية وتنويرية , لكنهم وبلا إستثناء يمارسون النطق المضطرب , فيرفعون المجرور وينصبون المرفوع ويجرون المنصوب , وغيرها من الأخطاء النحوية , التي تدهش السامع وتزعجه وتلوث ذوقه اللغوي المستقيم.
ولأول مرة , أكاد أقولها في تأريخ البلاد , أستمع لرئيس جمهورية يلقي خطابا بلغة عربية فصيحة ومتقنة , إلا من بعض الهفوات البسيطة هنا وهناك , والتي أتمنى أن يتجاوزها في المستقبل , مما يعني أن البلاد قد حظيت بمَن سيمنحها الأمل وينير لها سبيل الرجاء.
قد يقول قائل وكيف تقول هذا؟
والجواب , أن العقل السليم في النطق السليم , ولهذا فأن البلاد يترأسها رئيس يمتلك قدرات التفكير الصحيح والمنطق السليم , وإلا لما إستطاع أن يضبط عباراته ويتلفظ كلماته بنحوية بارعة وقدرة على التعبير الأمثل والأصدق للجملة والعبارة , فكان خطابه رشيدا وواضحا وجامعا وداعما لبناء شعب ووطن.
فآلة العقل اللغة , فبها نفكر ونتصور ونترجم ما يعتمل في دنيانا , وعندما تكون اللغة وافية والمفردات صحيحة ووفيرة فأن الأفكار تكون راجحة والقدرة على التعبير واضحة , والمهارات التفاعلية ناجحة , لأنها تنطلق من مواطن بصيرة طافحة.
ومن المعروف في مجتمعات الدنيا أن خطابات الرؤوساء والمسؤولين تكون مثالا في البلاغة والجزالة وحسن التعبير والقدرة على صب الأفكار في كلمات , ولهذا تجد العديد من مقاطع خطاباتهم في الكتب المدرسية , حيث يتم شرحها وتمثلها والإقتداء بها في إكتساب مهارات التصوير البلاغي الجزيل في اللغة التي يتكلمونها.
ويبدو أن هذه بشارة خير وسؤدد , فما دام الرئيس يجيد العربية الفصيحة الصحيحة في خطاباته , فمن المفروض أن يحذو حذوه مَن هم دونه في المسؤولية , وأظنه لنداء حضاري منير أن نتعلم كيف ننطق كلمات لغتنا ونلقي خطاباتنا بلسان عربي مبين.
تحية لكل غيور على لغة الضاد , ولكل مَن يدرك بأن الكلام مرآة العقل , و "تكلم حتى آراك" , وقد رأيتك بوضوح !!
د-صادق السامرائي
|