• الموقع : كتابات في الميزان .
        • القسم الرئيسي : المقالات .
              • القسم الفرعي : المقالات .
                    • الموضوع : صراع السقوف العالية .
                          • الكاتب : ساهر عريبي .

صراع السقوف العالية

رغم مرور أكثر من ثمانية اعوام على سقوط النظام السابق, ورغم الدعم  العسكري اللامحدود للعراق  الذي قدمته أقوى دولة في العالم  في معركته ضد الأرهاب طيلة السنوات الماضية , ورغم إجراء عدة إنتخابات نيابية إنبثقت منها عدة حكومات, ورغم المؤتمرات والمبادرات والتوافقات, فلازالت الأزمة السياسية مستمرة ولا زال الصراع مستمرا بين الفرقاء السياسيين. وكانت اخر حلقات هذا المسلسل هو سعي بعض المحافظات للأعلان عن أقاليم , وإعتقال العديد من أعضاء حزب البعث المنحل, تبعه إعلان كتلة العراقية مقاطعتها لجلسات البرلمان العراقي , فيما باغتها رئيس الوزراء العراق بإعفائه لنائبه  صالح المطلك من منصبه , تبعه إصدار القضاء العراقي مذكرة إعتقال بحق القيادي الأخر في العراقية ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي.

ولا شك بان هذا الصراع الذي ظاهره تنافسا بين كتلتين سياسيتين إلا انه في الواقع يختزل صراعا بين مكونين عراقيين أساسيين ألا وهما المكون الشيعي والمكون السني ,وأما المكون الأساسي الثالث ألا وهو الكردي فهو ليس بالبعيد عن اجواء الصراع هذه وإن لم يكن طرفا مباشرا فيها.
فهو لديه نزاع أخر مع كلا المكونيين الأخرين حول المناطق المتنازع عليها وخاصة مدينة كركوك الغنية بالنفط.وعند البحث عن أسباب هذه الصراعات المستديمة فلايسعنا إلا إرجاعها لعامل واحد ألا وهو السقوف العالية لكل مكون.

فالمكون الشيعي الذي عاش حالة من التهميش والأقصاء والأضطهاد ومنذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة , لازال يحمل في ذاكرته مأسي العقود التي خلت وخاصة تحت ظل حكم حزب البعث والتي تؤرق كل من يتذكرها , ولذا فهو يعيش هاجس الخوف من العودة للماضي بكل ما يحمل ذلك الماضي من تراجيديا يصعب نسيانها . ورغم ان الشيعة اليوم يحكمون قبضتهم على مفاصل الدولة العراقية بمختلف فصائلهم وهو الأمر الذي لم يتحقق لهم منذ قرون , إلا أنهم لم يقنعوا بكل ماتحقق ولازالوا خائفين قلقين رغم ان جميع المحافظات الجنوبية قد خضعت لسلطتهم وكذلك العاصمة , إلا أنهم رفعوا سقف طموحاتهم , فهم يريدون بسط هيمنتهم على كل العراق لأن شبح الماضي يلاحقهم وانهم كلما بسطوا سلطتهم على كامل التراب العراق كلما هدئت نفوسهم وقرت.

وأما السنة الذين حكموا العراق طيلة العقود الماضية, فهم لازالوا يعيشون بعقلية الماضي ولا زالوا يراهنون على دعم عدد من الدول الأقليمية علهم يعودوا مرة أخرى لحكم العراق ولذا فهم ورغم دخولهم في العملية السياسية ورغم تقاسمهم السلطة مع المكونات العراقية الأخرى إلا انهم لازالوا يعيشون أحلام الماضي ولا زالوا ينتظرون ساعة الصفر التي تعيدهم قادة لهذا البلد. وهذا سقف من الطموحات  عال ويصعب تحقيقه في ظل هذه المتغيرات التي طرات في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط.

وأما المكون الكردي الذي حصل على حقوقه الطبيعيه بشكل لم يحدث في التأريخ الحديث وفي جميع الدول المجاورة التي يعيش فيها الكرد , فهم شركاء أساسيون في العملية السياسية ويلعبون دورا محوريا فيها ولهم إقليمهم الخاص بهم الذي لا يخضع لسلطة بغداد ,ورغم أن الدستور قد وضع خارطة طريق لحل المشاكل العالقة مع المركز وخاصة المتعلقة بمدينة كركوك , إلا أن الطموحات الكردية لأقامة دولة كردية تعتبر بنظر المكونات الأخرى سقفا عاليا يسعى الكرد لتحقيقه في الوقت المناسب وهو مايثير توجس وريبة الأخرين ويدفع الأمور في بعض الأحيان إلى حافة التشنج والتصادم .

ولذا فإن السقوف العالية لطموحات المكونات العراقية الأساسية تقف وراء حالة الصراع المستديمة في عراق اليوم ,فلو طرح السنة جانبا أحلام ومحاولات حكم العراق مرة اخرى والتي لاتغيب عن مخيلتهم , ورضوا بشراكة في الحكم حسب حجمهم  , لبعثوا في نفوس الشيعة شيئا من الأطمئنان والسكينة تدفعهم لأعطاء ثقتهم بهم ولتخلى الشيعة عن سقف طموحاتهم العالي في الهيمنة على كل الوطن خوفا من إنفلات الأمور وعودتها للسابق المليء بالمأسي والأحزان.

وبالمقابل فإن طموحات الكرد ستتوقف عند حدود الفدرالية فيما لو لمسوا من المكونين الأخرين رغبة في عدم العودة للماضي وعدم السعي للهيمنة وحينها  فلن يسعوا لأقامة دولة على أرض العراق التي يفتخر المرء بالأنتماء لها.إن سقف الطموحات العالية يرفع سقف الصراعات التي إن لم تلجم فإن أهون نتائجها الحروب الأهلية والأنقسامات الطائفية والعرقية وتفتت الدولة العراقية .

 

 




  • المصدر : http://www.kitabat.info/subject.php?id=12361
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 12 / 22
  • تاريخ الطباعة : 2025 / 03 / 13