الرواية تستلهم ركيزة التوثيق لمرحلة من مراحل العراق السياسية , وصياغتها في اطار البناء الروائي بالتقنيات المعاصرة الفن الروائي . الذي يتجلى بوضوح , في براعة المتن السردي في آفاقه الواسعة في الخوض في المنظور الروائي . الذي يستند على براعة التوثيق للواقع الاجتماعي والسياسي وتفرعاتهما , ليدخلا , كمحاور اساسية , في المتن الروائي . الذي يرتكز على معطيات واقعية وموضوعية , من الحقائق والوثائق التي افرزتها تلك المرحلة آنذاك ( العهد الملكي ), في ظواهرها البارزة للعيان , في الواقع الحياتي والمعاشي . في جوهر احداثها في الصراع السياسي والطبقي . بين السلطة الملكية القائمة على العسف والاضطهاد والتبعية الاستعمارية . واليسار العراقي المتمثل بالحزب الشيوعي العراقي , الذي ينطلق بالضد من هذه المنطلقات الغاشمة التي لا تخدم الشعب والوطن . لذلك ان الفضاء الروائي , يدخل في تفاصيل هذه المعطيات , وتأثيرتها على الوضع العام , في المشهد الواقعي والحياتي . في تفاصيل تداعيات الصراع السياسي , وتسليط الضوء الكاشف عليه في رواية ( العربانة ) , في سرد توثيقي لتاريخ الصراع الناشب بين الجانبين , وتتبع مسار نضالات الحزب الشيوعي في الواقع العراقي , من خلال النضال الشرس , في الدفاع عن الوطن واستقلاله , والذود في الدفاع عن المحرومين والمسحوقين , من الشرائح المجتمع الاساسية , والوقوف بصلابة في وجه الظلم والاستغلال , الذي تتبعه نهج السلطة الملكية آنذاك , وازلامها من الاقطاع والرجعية , الذين أتخذوا من الفلاحين والفقراء , عبيد وخدم اذلاء, في ممارسة ضدهم الظلم والجور والمعاناة والاستغلال , بأن يكون الفلاح وعائلته , حصة شرعية من ممتلكات الاقطاعي الخاصة , يتصرف بها , بمايشاء ويرغب , في اباحة كاملة , ليمارس عليها الانتهاك والاحتقار , واستغلال الجهد العضلي والبدني الى اقسى حد , ليرمي لهم كفاف العيش , ليسد رمقهم من الجوع . وما معاناة الفلاح ( مظلوم ) إلا صورة لبشاعة الاستغلال . الذي اضطر الى الهروب لينجو بحياته وحياة عائلته . من الاستغلال الفظ والبشع . لذا فأن مجريات رواية ( العربانة ) هي تنتمي الى بيئتها وحاضنتها الاجتماعية . والى زمنها المحدد , في بدايات الخمسينات من القرن الماضي . ومكانها , الانتقال من ريف مدينة ( النجف ) الى مركزها المدني . والرواية تتابع في تفاصيلها , مسار تسارع وتيرة الاحداث في الشارع العراقي , الذي يقوده الحزب الشيوعي , ومن المنطقي ان يكون لرواية , وجهة نظر ايدلوجية مرتبطة بنضال الحزب الشيوعي , وتطرح نفسها بقوة , في عالم روائي متكامل , يتقصى محصلات الواقع وانتاجيته العقلية والثقافية , ودرجة الوعي والادراك , وكذلك تأثيرات العشيرة وناموسها واعرافها وتقاليدها , التي تلعب دوراً حيوياً في المجتمع والواقع المعاشي . وأن الرواية تفتح آفاق عالمها الروائي , على الحقائق والوثائق التاريخية , لنضال شعب , جسده بجدارة نضال الحزب الشيوعي , من خلال الشخوص المحورية في الرواية . فهناك تناسق منسجم في العلاقة , بين تحرك هؤلاء الاشخاص ومجريات الواقع وافعاله , في تحركها في المسار السياسي . لهذا تقدم الرواية , انموذج البطل الايجابي في المنظور الروائي , اي انه يمتلك القدرة على التحرك والتفاعل , وتنامي قدرات الوعي والادراك لديه , ومحاولة فهم الواقع ومعطياته المكشوفة . وما شخصية ( مظلوم ) إلا أنموذج للبطل الايجابي , في صراعه مع الواقع وتكيفه , بعد هروبه من الريف من جور وظلم الاقطاع . وحط الرحال به في مركز مدينة ( النجف ) , وتنامي الوعي عنده , من خلال التحولات في التجربة الحياتية الصعبة , في كفاحه اليومي , في توفير اقراص الخبز لعائلته .
× مسار احداث الرواية :
تبدأ احداث الرواية , من يوم سقوط نظام ( صدام حسين ) واحتلال الفوضى خناق الحياة بالهرج والمرج , وانفتحت زنازين السجون وسراديبها فجأة . ليجد السجين السياسي ( كفاح ) فجأة نفسه في عرض الشارع في هيجانه المجنون , وحالة الاضطراب في حالة الشارع , وحرائق والدخان تملئ الارض وعنان السماء , فيصبه حالة من الذهول والاضطراب , والغرابة المجنونة لما يحصل من هياج وفوضى , بهذا اللغط العجيب والغريب عند الناس , واكثر غرابة وجود العلم الامريكي يجول بحرية في الشوارع , مرفوع على سارية المدرعات التي احتلت الشوارع والطرقات . تساءل بغرابة عما يحصل ؟ وماذا يجري ؟ وماذا يحدث ؟ , ومن القاتل ومن المقتول ؟ , ومن اعتلى السلطة , ومن سقط ؟ وهل عاد القطار الامريكي من جديد ؟ ولكن كيف عاد ؟ ففي المرة الاولى جاء بالبعث واعوانه في الحكم , فمن يحمل هذه المرة الى السلطة ؟ , ومن يحكم العراق الآن بالقطار الامريكي الجديد ؟ هذه الاسئلة تسبب الصداع والغثيان , ويفقد السيطرة على وعيه ويضبط اعصاب المتهيجة , وهو يرى العالم الخارجي لاول مرة بعد غياب في متاهات السجن لمدة 24 عاماً , هذه حالة السجين ( كفاح ) الذي زج في زنزانة انفرادية مغلقة لمدة 24 عاماً . منقطعاً تماماً عن العالم ومحيطه الخارجي . وهكذا وجد نفسه وسط الهياج , وهو في حالة يرثى لها , لحيته الطويلة , وثياب الممزقة , وهيئته الغريبة , كأنه شبح انسان غريب , او انه مجنون هرب من المستشفى مع الفارين . لا يعرف ماذا يفعل وسط هذه الفوضى العارمة , وهو في حالة متعبة ومرهقة . ويراجع شريط ذاكرته في ( فلاش باك ) ونعرف بأنه كان استاذاَ في الكلية , يدرس الادب العربي , وشاعر معروف ومرموق المكانة , وله منزلة محترمة في الاوساط الادبية والثقافية . وتعرف على أستاذة النقد الادبي في الكلية ( احلام ) وارتبط بعلاقة حب معها , انتهت بعقد الزواج , طال لمدة سنة واحدة , وزج بعد ذلك في السجن بتهمة الانتماء الى الحزب الشيوعي . ثم تلحقه في السجن زوجته ( احلام ) وكانت حامل , وبنفس التهمة , وضاعت اخبارها تماماً , . ولكن عرف بعد ذلك , انها اعدمت بعد ممارسة اساليب التعذيب الوحشية عليها . و( كفاح ) ينتمي الى عائلة ريفية . هجرت الريف من جور وظلم الاقطاعي , الى مركز مدينة ( النجف ) . واشتغل ابيه ( مظلوم ) بعد ذلك في مهنة بيع ( اللبلبي والباجلاء ) يدور في عربانته في الشوارع .ولهذا قلد مهنة ابيه بعد خروجه من السجن في بيع ( اللبلبي ) يدور في العربانة في الشوارع ومسطر العمال , الى ان داهمه الانفجار, وفقد الوعي , لكن يسمع صوت يناجيه بمرارة , كأنه صوت أمه ( يمه كفاح . يبعد عيوني كفاح . يمه هاي اشصار بيك . يبعد أمك وابوه ؟ يبعدعيوني يمه . ولك يمه وين جانو أمضيعيك . يبعدعمري . يمه الله لا يرضه على من كان السبب .. ) ص32 . ويسلط الضوء على حياة عائلته , ومشقة والده المضنية في ايجاد عمل , يسد رمق جوع عائلته , حتى وجد ( العربانة ) لبيع ( اللبلبي والباجلاء ) يدور بها في الشوارع . ويختلط بعد ذلك بشخصيات تمثل الحزب الشيوعي . ومنهم الاستاذ ( منير ) فقد ساعده كثيراً في تخفيف اعباء الحياة الصعبة , وقدموا كل العون له , لكي يقف على قدميه في مواجهة مشقات الحياة , وتخفيف الصعوبات التي تعترضه , وخلق العزيمة والمثابرة في مواصلة الحياة . حتى اخذ يتلمس الوعي والادراك تدريجياً , ويتفهم حقيقة الاضطهاد الاجتماعي , ومدى ظلم عرف العشيرة وناموسها , الذي يركز على انتهاك المرأة ونزع كرامتها وحقوقها الانسانية , دون وجه حق , ومنها الزواج ( الكَصة بالكَصة ) , الذي يكرس الحرمان والخضوع الذليل , ان تكون المرأة سلعة . لذلك جابه بعزيمة صلبة هذا الظلم الذي يقع على المرأة , بعرف الزواج ( الكَصة بالكَصة ) تزويج بنات العشيرة على شباب العشيرة , فكانت المواجهة حادة في ديوان العشيرة , ومع رئيس العشيرة , بالرفض القاطع لهذا الاسلوب الظالم في التقسيم والاجبار على الزواج دون ارادتها ورغبتها , وقدم ادلة حياتية مقنعة في الاجحاف والحيف ضد المرأة وهي صغيرة السن , في اسلوب كلامه وطريقة حديثه بالاقناع . حتى أن احد افراد عشيرته خاطبه قائلاً ( - والله ابو مطشر يبين بيع الباجلة هواي مغير من طبايعك . جالون تبيع الذهب جان صرت بمجلس النواب ) ص131 . وامتلك القوة في مجابهة صعوبة الحياة , بالتحدي والمثابرة , في تجربته الجديدة في المدينة . في سبيل توفير رمق العيش لعائلته . فكان يعود في المساء الى بيته متعباً ومرهقاً ومأزوماً , وبعض الاحيان يعود مفلساً و لا يملك حتى تكلفة اقراص الخبز الى عائلته , اضافة انه في بعض الاحيان , يقع في مطبات في التلاعب والغش والسرقة . لكن اصدقاءه الشيوعيين يقدمون الدعم والمساندة , وفق الامكانيات المتوفرة لديهم . حتى في احد الايام وقع في اغراء امرأة ( غنودة ) الغجرية . زوجة احد وجهاء السلطة ( معيوف ) . فقد مارست عليه الاحتيال بشراء ( الباقلاء ) والدخول الى بيتها واغرته بشهوة الجنسية والمضاجعة , حتى استسلم لها بكل جوانحه , لكنها بعد ذلك اخذت كيس فلوسه ( جيس الفلوس ) وحين رجع اليها متوسلاً اعطاءه نقوده , انكرت وطردته . لكن بعد ذلك تقع في غرامه وتشتاق اليه , حتى انها ساعدته في الخروج من السجن وساعدته مالياً . وسردت له حكاية حبها وعشقها الى ( شياع ) وفقد كانت غجرية مملوكة خصوصياً الى احد الاقطاعيين , ولا يقربها احداً من كان , وحين عرف بعلاقتها مع ( شياع ) قتله بر صاصات مزقت جمجمته , وبعد ذلك لفق تهمة مزورة على العاشق القتيل , بأنه كان مسجوناً سياسياً خطيراً , هرب من السجن , وحين وجده رفض الانصياع , وعودته الى السجن .وظلت ( غنيدة ) الغجرية تشتاق اليه بهيام العشق والهوى , ووجدت ظالتها ب ( مظلوم ) العاشق الذي يسد الفراغ الروحي واحبته واشتاقت اليه و حتى قدمت المساعدة له وانقذته من السجن بنفوذ زوجها او خليلها ( معيوف ) الذي تكرهه ولا تميل له , لكنها مجبرة في الارتباط به , وبعد خروجه من السجن وقفوا اصدقاءه الى جانبة في تدبير شؤون حياته , وخاصة الاستاذ ( منير ) الذي وجد فيه وجه الخير , لم يتوانى في تقديم المساعدة والدعم للمحتاجين , وكان يمدح اخلاقه النبيلة والمتفانية في حب ومساعدة الناس ( - أي والله والنعم من ’’ الاستاذ ’’ منير من أهل النخوه والطيب وما يقصر ويه كل محتاج ) ص116 . ويختلط بعلاقة وثيقة مع اصدقاء الاستاذ ( منير ) , لانهم اصدقاء الخير والنخوه , ويتفانون في تقديم المساعدة وادخال الفرحة والبهجة في نفوس المحتاجين , ويتفهمون معنى الانسانية والتضامن والتكاتف مع الاخرين , ولهم سمعة ومكانة مؤثرة في قلوب الناس , لذلك يمتلكون , السيطرة على تحريك الشارع , وزجهم في المظاهرات والاحتجاجات ضد السلطة السعيدية ( نوري السعيد ) الذي ينتهج اساليب قمعية في الحكم ,لكي يتمكن على اخماد المظاهرات والاحتجاجات المناهضة للسلطة الملكية . في ممارسة نهج القبضة الحديدية , في ارتكاب جرائم بشعة بحق ابناء العراق الاوفياء . الذين يطالبون برفع الحيف والظلم , والخروج من التبعية الاستعمارية , وتحصين الاستقلال الوطني . فكان ( مظلوم ) يسمع ويصغي الى احاديثهم , ويتلهف الى معرفة حقيقة الامور الجارية في الصراع السياسي , ويبدي اعجابه بالروح المتفانية للوطن , وحب الفقراء والمظلومين , ويحاول ان يطور ملاكات وعيه السياسية , ليخلق في نفسه روح النضال الوثابة , وكانوا اصدقاءه يبسطون الامور , بشكل سهل في طريقة الكلام حتى يفهم المضمون والجوهر والغاية والهدف , من اسلوب المظاهرات الاحتجاجات الشعبية ومعرفة حقيقة الجرائم التي ترتكب بحق الناس , في اعدام وقتل العشرات , من المناضلين من احرار العراق , وعن زج المتظاهرين في السجون والمعتقلات , انتقاماً من انتفاضة الشعب عام 1948 . التي هزت اركان السلطة الملكية , التي تماديت في اسلوب العنف في مواجهة الانتفاضة الشعبية بالحديد والدم ( عزيزي ابو مطشر هؤلاء ( الشهداء ) لا قتله ولا سلابه ولا نهابه . وانما كرسوا حياتهم من اجل ايقاف سلب ونهب ثروة الشعب والوطن . ووقف قتل وتعذيب وخطف ابناء الشعب الشرفاء . كل ما يريدونه سلام امن وحرية ورفاه الشعب , وخصوصاً من العمال والفلاحين وكل الفقراء والكادحين , لذلك ناصبتهم الحكومة العداء, وقررت قتلهم حفاظاً على حكمهم , والحفاظ على مصالح اسيادهم .... وان شاء الله تتبدل الحال وتستطيع ان تتعرف انت وغيرك على احدى التضحيات هؤلاء المناضلين وشجاعتهم وحبهم لناسهم ) ص121 . وفي احدى الايام تخبره زوجته , بأنه وصلها خبر , بأن احد افراد عمومته , قتل رجلاً من عشيرة اخرى , وعليه اخذ الحذر والحيطة والتخفي . حتى لايقع صيدة سهلة لعائلة المقتول بأخذ الثار . واخبر اصدقاءه بالخبر المؤلم , وقرروا نقله الى بغداد , وايجاد عمل له هناك , واختيار له اسم جديد ( غضبان ) واسم ابنه ( مطشر ) بأسم جديد ( كفاح ) بعدما اثبت جدارته في المدرسة ونشاطاته الجماهيرية , يديرها بعقل متفاني من الوعي والادراك .
× الجزء الاول ( العربانة ) من ثلاثية محطات
× المؤلف : حميد الحريزي
الطبعة الاولى : عام 2018
× الدار النشر والتوزيع فؤاد
× عدد الصفحات : 200 صفحة
|