يكثف هذه الأيام إقليم كردستان دعوته لعودة قوات البيشمركة والاسايش الى محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها بحجة عدم قدرة القوات الاتحادية السيطرة على العمليات الاجرامية التي يقوم بها تنظيم داعش في بعض المناطق من ديالى وصلاح الدين وكركوك . قادة الإقليم بحثوا موضوع إعادة القوات الكردية مع قادة التحالف الدولي والذي بدورهم اشادوا بأهمية القوات الكردية في ضبط الامن في هذه المناطق .
ولكن المتتبع للوضع الأمني في هذه المناطق التي يدعي الكرد انها أصبحت عرضة للهجمات الإرهابية تتركز في المناطق المتنازع عليها دون سواها , وان القلق من داعش على هذه المناطق مصدره الساسة الكرد .ففي يوم 20 من حزيران الجاري اتهمت مقررة مجلس محافظة كركوك الماس فاضل القوات الأمنية بعجزها عن تامين الحماية المطلوبة لجميع المواطنين , مطالبة بتشكيل غرفة عمليات مشتركة بمشاركة قوات البيشمركة و الاسايش . وفي يوم 26 من هذا الشهر , صرح الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار الياور , ان " الأوضاع الأمنية في المناطق المتنازع عليها سيئة للغاية ", موكدا " استعداد قوات البيشمركة للعودة الى كركوك وباقي المناطق لحمايتها بالتنسيق مع التحالف الدولي". وفي نفس اليوم اكد مستشار مجلس امن إقليم كردستان , مسرور البارزاني , لنائب قوات التحالف الدولي في العراق وسوريا , الجنرال والتر بايت , على ضرورة الإدارة المشتركة للملف الأمني للمناطق الكردستانية خارج إدارة الإقليم , فيما شدد على ضرورة عودة البيشمركة للمناطق المتنازع عليها. وفي نفس اليوم أيضا اعلن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني ارسال مذكرة احتجاج الى القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي , رئاسة الجمهورية , مجلس النواب , حكومة كردستان , و الامم المتحدة . غرض الاحتجاج " هو الاعمال الإرهابية مثل القتل والخطف من قبل تنظيم داعش الارهابية , التي تزايدت وتطورت في الآونة الأخيرة سرا و علانية في المناطق المتنازع عليها في كركوك على وجه الخصوص". وطالبت المذكرة " حكومة العراق وإقليم كردستان وبالتعاون مع الأمم المتحدة الاتفاق على تشكيل قوة مشتركة من البيشمركة والجيش العراقي والقوات المعنية , لحماية أبناء تلك المناطق ".
لاحظ ان كلا من الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يركزان على نقطتين في دعوتهما هذه وهي المناطق المتنازع عليها بضمنها محافظة كركوك و المطالبة بعودة قوات البيشمركة والاسايش الى هذه المناطق حتى يتم " السلم وتعيش المنطقة بأمن وامان". هذا مع العلم ان العمليات الإرهابية لم تنقطع عن بعض المناطق المتنازع عليها أيام سيطرة البيشمركة عليها , فلماذا هذا الإصرار الكردي على العودة الى هذه المنطقة ؟ يجيب عليها المكون العربي في محافظة كركوك, في بيان له يقول فيه " في هذه الأيام تتصاعد أصوات تنادي بعودة قوات البيشمركة والاسايش الكردية الى محافظة كركوك مرة أخرى ", مبينا , ان " هذه الأصوات تأتي ضمن خطة إعلامية منظمة وممنهجة تقوم بها جهات كانت تستحوذ على مقدرات المحافظة لسنوات طويلة وكانت تنتهج سياسات ذات طبيعة عنصرية تستهدف أرواح واموال المواطنين العرب في المحافظة قبل خطة فرض القانون" وأضاف البيان , "ان في تلك الفترة كانت تنتشر ظاهرة الجثث مجهولة الهوية في طرقات المدينة والاعتقالات العشوائية للشباب العربي وعمليات الاغتيال المنظمة للقيادات السياسية والعشائرية العربية , بالإضافة الى عمليات تغييب المعتقلين واستهداف مناطق غرب كركوك وهدم وتجريف القرى والنواحي العربية في هذه المناطق و تهجير وتشريد أهلها".
وعلق الحشد الشعبي , على الطلب امريكي بإعادة قوات البيشمركة الى محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها من "اجل منع حالات اختطاف المدنيين" , بانه تدخل امريكي سافر وان " الحشد الشعبي لن يسمح بتنفيذ هذا الطلب , وهو مرفوض من قبل جهات سياسية وامنية كثيرة". وأضاف المتحدث باسم المحور الشمالي للحشد الشعبي , علي الحسيني , ان " القوات الأمنية الاتحادية , لا تحتاج الى قوات أعلنت وبصمت على الانفصال عن العراق " , مشددا على ان " القوات المتواجدة في كركوك كافية لضبط الامن والاستقرار في المحافظة".
ان إصرار الكرد بالرجوع الى المناطق المتنازع عليها في هذه الفترة الزمنية يعود الى عوامل كثيرة ولا علاقة لها بما تتعرض له بعض المناطق المتنازع عليها من عمليات إرهابية ومنها:
أولا, ان نتائج استفتاء يوم 12 أيار وصعود التيار الصدري و الحشد الشعبي في المرتبتين الأولى والثانية قد قضى على حلم الانفصال الكردي حيث ان كلا المجموعتين معرفتين بتوجهاتهما الوحدوية والحفاظ على وحدة التراب العراقي.
ثانيا, صعود رجب طيب اردوغان هو الاخر قضى على حلم كردستان الكبرى , حيث ان أردوغان كان واضحا في رفضه المطلق من انفصال إقليم كردستان من العراق.
ثالثا, وصول الاكراد الى قناعة كاملة على ان الحكومة القادمة يمكن انبثاقها بدون الحاجة الى انضمامهم الى الكتلة الأكبر , حيث ان بقية الائتلافات بإمكانها تجميع اكثر من 180 صوتا حتى بدول دخول الكرد وبذلك لم يعد الكرد باستطاعتهم فرض شروطهم على الحكومة القادمة.
رابعا , الخلافات السياسية الكردية ومحاولة حزبا السلطة الاستحواذ على كسب ود الشارع الكردي من خلال دعوتهما حماية المواطن الكردي و القرى الكردية من الهجمات الإرهابية.
خامسا , استغلال الكرد الظروف الأمنية والسياسية والخدمية الغير مستقرة في العراق , حيث شحة المياه , عمليات الاختطاف في طريق كركوك , تسريب أسئلة الامتحانات , الانقطاعات المتكررة للكهرباء , التزوير في بعض المراكز الانتخابية وإعادة العد والفرز , محاولة تمديد عمر البرلمان الغير دستوري , انتعاش المجاميع الخارجة على القانون في بغداد والمحافظات الاخرى.
لقد اثبتت التجربة العراقية ان الاضطرابات الأمنية وانشغال القيادة السياسية بالخلافات كانت تسير في مصلحة الكرد , وان استعادة بغداد قوتها ووجود جيران أقوياء للعراق ضد الانفصال لا يصب في مصلحة الكرد وطموحاتهم , وبذلك فان الكرد استغلوا العمليات الاجرامية التي يقوم بها عناصر داعش وبمساعدة الكرد الانفصاليين في بعض المناطق ذات الأغلبية الكردية ذريعة لعودتهم الى المناطق التي كانوا يستحوذون عليها أيام انشغال القوات الأمنية الاتحادية بدحر تنظيم داعش . ومن اجل الوصول الى هذا الهدف يحاول الكرد الاستقواء بقوات التحالف الدولي لتحقيق هذا الهدف , حيث لا يخلو بيان كردي حول موضوع إعادة انتشار البيشمركة في المناطق المتنازع عليها بدون الإشارة الى مشاركة قوات التحالف الدولي في إدارة هذه المناطق امنيا , وبذلك يريدون ان يقولوا لواشنطن نحن الذين يحمون مصالحكم في الشرق الأوسط في حالة رفض بغداد.
|