يقول شوقي مخاطبا النبي الأعظم (ص) :
أتيت والناس حمقى لا تمر بهم
إلا على صنم قد هام في صنم
في الكتاب الموسوم " الخالدون مائة أعظمهم محمد" لمايكل هارت وترجمة أنيس منصور , يضع الكاتبُ النبيَّ الأعظم أولا في قائمة العظماء لإيمانه بجودة و بنوعية النجاح في حياة الرسول (ص) , ويلخص شعر شوقي الثيمة الحقيقية لذلك , فقد كان ذلك النجاح منقطع النظير بناء على النتائج المترتبة على ما قام به من نحت جديد للمجتمع الذي يعج بالأصنام التي تهيم بمثيلاتها في ضل غياب روحي وحضور فعال للغباء المتوارث , رجل واحد كان الحد الفاصل بين ما قبل وما بعد , في الحقيقة تأثير سحري وفعال , ولو ننظر الى الامر من الجوانب المتعددة للهرم المرئي نجد أن ذلك ضرب من المستحيل وصورة من صور الاعجاز التي تحرك فينا شيئا من تفكير فيما لو فرغنا من وجود مستلزمات التفكير عندنا , فانْ تصارع شخصا فذلك أمر طبيعي , شخصين ثلاثة لا يمكن أن يكون الأمر الا عاديا فيما لو اعتبرنا ان الصراع مصطلح يُطلق اضطرارا كتسمية لكل تتقاطع في وجهات النظر والتوجهات والتطلعات الفكرية والعقائدية , ويبدأ الامر بالزيادة الطردية في صعوبته حسب متوالية منتظمة مع الزيادة العددية في عدد الاشخاص اللذين تختلف معهم وتوجهاتهم وتعلم ان عليك مهمة أخرى مضافة الى مهمة التعايش المنشود , هي مهمة رسالية , ونتستشف من ذلك ان التعايش السلمي هو الحل الأمثل لعلاج المجتمع على صعوبة واستفحال امراضه , وذلك تماما ما قام به النبي الأعظم حيث قام وهو كالشمس تبث ذلك الدفء الذي صار المحرك الأساسي للنفوس نحو مصدر الشمس الأوحد ,
وفي الوقت الذي نؤمن فيه أيما ايمان –او نتظاهر بذلك - ان الحسين عليه السلام كان وما يزال الامتداد المحمدي على مر العصور بايراث الارض لصالح بعد صالح والايمان بقبلة واحدة هي الحسين عليه السلام
وبعدما نتستذكر صور المجتمع الجاهلي ونسمع تلخيصه في قول شوقي تنفر نفوسنا نفورا من تلك الصور الرهيبة لمجتمع يعبد فيه المئات فلانا وفي عين الوقت تجد ان فلانا يعبد صنما أو يعبد ثوره , وفي هذه الهاء الدالة على الملكية نضع ايحاءً مهما فنحن اليوم نمر بخريفنا الألف والنيف – ان رفعنا عن القول الواقعية ولم نقل شتائنا-
نتسائل سؤالا بحاجة الى الوقوف قبل الاجابة :
ترى هل نعرف الحسين ؟
لو فرضنا معرفته , كم تحركنا بناءً على تلك المعرفة ؟
الحسين عليه السلام تجريبا حقيقيا في دنيا التراجيديات المتوارثة فهو الدمعة الباسمة والبسمة الدامية , شيء يسري في المجمتع كالدماء وهي تجوب الانسجة عبر الأوعية الدموية , فيندرج تحت طائلة الفهم الحسيني ذلك الادراك المتهجد في النفوس وما ينطلي على الادراك من بناء السلوكيات الفردية كعينة للسلوك الجمعي , وما يجب ان يتمتع به الفرد من آليات الاقناع السلمي والتعايش المتحاب في حال اختلاف وجهات النظر وهذا يقودنا الى سؤال :
- هل نستحق الحسين (ع) وهل بإمكاننا ايصاله الى ابعد منا على اعتبارنا امة ورثت ما عجزت عنه الجبال ؟
ومن باب الواقعية يكون الجواب : لا كوجهة نظر مبنية على أساس التجربة التي تُرى من خلال مجتمع يقوده اختلاف وجهات النظر الى الصراعات الدامية , وأغرب من ذلك ما نراه فيمن يعتبر نفسه يحمل ذلك الدفء , مستنبطا اياه من الشمس الحقيقية بعيدا عن ذلك الجرم السماوي , فهو يحمله كنار حارقة معتقدا ان كل من لا يوافقه الرأي فهو على ضلاله من أمره , وفي الحقيقة يجب اعادة النظر في مصدر الظلالة هذا , فلو انطلق صاحبنا من حرصه على صاحبه لفهم معنى ما ابتكره الرسول والحسين من بعده من آليات لاقناع المقابل بعيدا عن الوسائل الجاهلية في الدعوة لما قد يكون صحيحا فعلا ولكنه كجوهرة في يد فحام ,
ومما يتهافت على الذهن كتقديم لسؤال آخر :
ونحن اليوم نرتدي السواد استذكارا للحسين عليه السلام , نرتديه كأفكار اسلافنا ممن ذكرهم شوقي , نرتديه للفخامة الكاذبة , ضيقا كوسائلنا وحيلنا يكاد ان يتفجر عن كوم من الدرن الابيض , ترى هل هذا استذكار حقيقي ؟ , وهل نحاول ادخال ما عجز عنه غيرنا بعفويتنا وسذاجتنا عنوة وربطه مع الذكرى لتشويهها وجعل من يتصيد يقتنص من فعلنا حصادا دسما ويمسك به قابضا عنق القضية ,
وفي الوقت الذي لا يستطيع الواحد منا تغير نفسه ,كيف به ان يغير من يعتقد ان رأيه يفوق آرائهم صوابا , كانسان حريّ به ان يكون انسانا ورسولا ,
ومع التطور الحاصل في الزمان والمكان وتغلل المبادئ الحسينية المتماشية مع ذلك التطور فهي كما قلنا التجديد الحقيقي على امتداد الحياة وما قبلها , نجد ان الاصنام الحجرية قد طرأ عليها شيء من تجديد فالصنم الحجري صار اليوم اصناما ترتدي الاسود الكالح الذي يئن تحت قوة دفع الجسد , وكأنه لٌبس تحت الجلد , ولكنه المفارقة المبكية انه لبس حدادا على الحسين !!
وكما تطورت الاصنام واخذت منحى عصري صار من يعبدها متحضرا بعض الشيء , فهو يقدم لها نزف انسانيته قربانا تحت " الكعب العالي " الراقص فوق اشلاء كل ما كان يؤمن به العبد من صداقة وهدوء وتفهم و الخ
والسؤال المهم :
- كم صنم بيننا اليوم ؟
- كم بلغ عدد من يعبدون الاصنام الحديثة ؟
ولكي نعرف الجواب على ما ذكر وما سيذكر من أسئلة علينا النظر الى سلوكياتنا بمرآة واحدة فقط !