حذّرت المرجعيّةُ الدينيّة العُليا من السلوكيّات المنحرفة البعيدة عن منهج ومسار أئمّة أهل البيت(عليهم السلام) التي ستنعكس سلباً عليهم، ولا تُحسب على الشخص صاحب هذا السلوك وإنّما تُحسب على قدوته من الأئمّة(سلام الله عليهم)، لذلك يجب الابتعاد عن هذه السلوكيّات وتجنّبها.
جاء ذلك خلال الخطبة الثانية من صلاة الجمعة المباركة التي أُقيمت في الصحن الحسينيّ الشريف هذا اليوم (3شعبان 1439هـ) الموافق لـ(20نيسان 2018م) والتي كانت بإمامة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي(دام عزّه) وهذا نصّها:
أيّها الإخوة والأخوات نحن الآن في الجزء الثاني من مقوّمات التشيّع الصحيح والاتّباع الصادق لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، وسبق أن ذكرنا أنّ في زمن الأئمّة(عليهم السلام) أنّهم وجدوا بعض شيعتهم لديهم قلّة وعي بحقيقة وجوهر التشيّع أو سوء فهم أو غفلة أو اشتباه أو سوء في التطبيق، هذه الأمور إن تُركت ستشكّل خطراً على صيانة وحفظ جوهر حقيقة مذهب أهل البيت، لذلك كانوا كثيراً ما ينبّهون شيعتهم وأتباعهم الى بيان حقيقة وجوهر التشيّع، ما هو التشيّع في حقيقته وجوهره بيّنّا أنّ هناك مقوّمات أربعة لابُدّ من الجمع بينها جميعاً وهي: العقيدة الصحيحة والعبادة المشروعة والشعائر المأثورة والعمل الصالح والأخلاق الفاضلة، أربعة أمور هذه نستفيدها من خلال أحاديث أهل البيت(عليهم السلام).
إنّ من جَمَعَ بين هذه الأمور الأربعة صحّ أن يطلق عليه شيعيّ صادق في اتّباعه لأئمّة أهل البيت، وإن أخلّ بواحدٍ منها فإنّ هناك خللاً في حقيقة تشيّعه وجوهر اتّباعه لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، لذلك وردت الأحاديث الكثيرة خصوصاً عن الإمام الباقر والصادق(عليهما السلام)، فهم يبتدئون وينبّهون تارةً الإمام يُسأل وتارةً الإمام يبتدئ لكي ينبّه على هذا الأمر، وينبّهون في كثير من أحاديثهم فضلاً عن سيرتهم الى أهمّية الالتفات والوعي والتنبّه لحقيقة وجوهر مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، وما هو الاتّباع الصادق لأئمّة أهل البيت(عليهم السلام)، ونحن ذكرنا بعض المقوّمات والمؤشّرات التي تدلّ على ذلك وسنذكر هنا بعضاً آخر ونلتفت الى هذه النقطة، أهمّية انعكاس السمعة الحسنة على العنوان العام والحذر من السلوكيّات المنحرفة.
التفتوا إخواني تارةً الإنسان يرتكب فعلاً سيّئاً أو كلاماً غير مقبول، هذا ينعكس عليه شخصيّاً ويضرّه شخصيّاً، وتارةً ربّما يرتكب تصرّفاً أو سلوكاً مشيناً أو كلاماً غير مقبول ينعكس ويضرّ بالعنوان العامّ ويضرّ بجميع أتباع العنوان العام، هذا خطير جداً، ونحن الآن نتحدّث عن الأمر الثاني، لاحظوا إخواني نحن الآن أتباع أهل البيت في أغلب المجتمعات التي يعيشون فيها ويتعاشرون فيها إنّما يعيشون مختلطين مع أصحاب مذاهب أخرى وأصحاب ديانات أخرى، والمشكلة هنا الغالب من الناس إنّما يجدون تصرّفات وسلوكيّات وأخلاق هؤلاء الأتباع مرآة عاكسة لما أدّب به أئمّة هذا المذهب أتباعهم، تارةً الإنسان يأتي الى هذا الفكر الى هذا المذهب الى هذا الدين يقرأ أفكاره ومنهجه وما فيه من مناهج للحياة، ويحكم على ضوء قراءته لهذه الأفكار والمناهج مع قطع النظر عن سلوكيّات أتباع هذا المنهج سواءً أحسنوا أم أساءوا، ولكن الغالب من الناس لا يأتون الى نفس المذهب والدين والفكر لكي يحاكموا هذه الأفكار والمنهاج، لكي يقولوا هذا حقّ وهذا باطل، هذا صحيح هذا خطأ، إنّما يأتون الى السلوكيّات والتصرّفات لنفس الأتباع ويجعلون هذه السلوكيّات والأخلاق هي المرآة التي تعكس أدب وأخلاق ومنهج قادة هذا المذهب.
هنا نأتي ونطبّق هذا المعنى بالنسبة لسلوكيّات وأخلاق وتصرّفات أتباع أهل البيت، أحياناً إذا صدرت تصرّفات وسلوكيّات مشينة وأخلاق غير مقبولة ولا تكون موضع رضا وقبول بحسب العرف الاجتماعي المقبول لدى الآخرين، أو تصدر منهم إساءة أو فعلٌ فيه طعن وفيه أمور أخرى غير مقبولة هذا سينعكس سلباً ليس عليهم فقط بل سينعكس سلباً على قادتهم وعلى الكيان العام والعنوان العام، هذا فيه الكثير من الخطورة مثل هذه التصرّفات المشينة التي تنعكس شيناً على العنوان العام، ماذا تجلب؟ تجلب البغض والكراهية والحقد وتجلب السمعة السيّئة وغير الطيّبة للقادة، وتجلب أيضاً مثل هذه الأمور للعنوان العام الذي قد ينعكس على نوعيّة التعايش، أنا حينما أرى هذه المجموعة تتصرّف تصرّفات سيّئة وأخلاق مشينة لا يبقى لديّ احترام لهم ولا يبقى تقدير لهم، بل ربّما يلجأ البعض الى التعايش معهم بعنف يردّ عليهم بعنف خصوصاً إذا ما كان كلامهم فيه إساءة أو فيه شتم أو فيه تجريح، ينعكس على شكل التعامل فيه العنف وفيه الأمور التي تضرّ بالتعايش السلمي.
لذلك أئمّة أهل البيت ماذا يقولون في أحاديثهم التي سنذكر بعضاً منها؟ يقولون: إنّكم تُنسبون الينا ويضربون مثلاً هذا الولد لديه أبٌ صالح أبٌ صاحب أخلاق حميدة صاحب دين، ولكن لديه ولدٌ طالح أخلاقه سيّئة لديه شرّ لديه تعامل سيّئ مؤذي ضارّ لبقيّة أفراد المجتمع، وإن كان أبوه صالحاً لكن هذا سينعكس ليس على سمعة الولد بل على سمعة الأب أيضاً، وتلوّث سمعته وبالتالي لا يجني هذا الولد على نفسه فقط بل يجني على أبيه، لذلك الواحد منكم إذا صدر منه تصرّف سيّئ أخلاق سيّئة كلام سيّئ موقف سيّئ لا ينعكس على نفسه فقط بل ينعكس على العنوان العامّ الذي يشمل الأئمّة(عليهم السلام) ويشمل المجموع الكلّ والذي يعدّ بمئات الملايين، لاحظوا أنّ هذه الانعكاسات السلبيّة أشار اليها الإمام(عليه السلام) تارةً إنسان يتصرّف فيضرّ بسمعته فقط وتارةً يضرّ ربّما بسمعة عائلته وعشيرته والمجموعة التي ينتمي اليها، وبالتالي المجتمع يتعامل مع هذا العنوان العامّ على ضوء تصرّف هذا الشخص وينعكس سلباً على العنوان العام فيضرّ جميع المنتمين الى العنوان العام ولا يضرّ نفسه فقط، لذلك الأئمّة(عليهم السلام) في بعض الأحاديث كما ورد هنا في هذا الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام)، يقول في مقابل هذا الأخلاق الطيّبة والمعاملة الحسنة والكلام الطيّب الاحترام للآخرين ينعكس سمعةً حسنة على العنوان العام الذي يجمع عنوان القادة والأئمّة ويجمع عنوان أتباع أهل البيت بمجموعهم كلّهم فيكون هناك الاحترام.
لاحظوا إخواني خُلُقكم حسن معاشرتُكم طيّبة كلامُكم طيّب مع أصحاب المذاهب الأخرى وأصحاب الديانات الأخرى ينعكس محبّةً لقادتكم وأئمّتكم وينعكس احتراماً لكم ولقادتكم وينعكس تعايشاً سلميّاً مبنيّاً على الاحترام والمودّة والتواصل والتعاون للعنوان العام، لاحظوا إنسان بتصرّفه أحياناً ينفع ملايين وأحيانا إنسان واحد بتصرّفه السيّئ يضرّ ملايين، لابدّ أن نلحظ هذا الأمر وما هي انعكاسات بعض التصرّفات خصوصاً في مجتمع مختلط متعدّد المذاهب والأديان، لذلك الإمام الصادق(عليه السلام) يبيّن هذا المعنى ويقول: (فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق الحديث وأدّى الأمانة وحسن خلقُهُ مع الناس..) أي عنده ورع عنده تقوى عنده صدق عنده أمانة عنده حسن خلق مع الناس الذين هم أصحاب مذاهب أخرى أصحاب ديانات أخرى وأصحاب معتقدات أخرى (..فيسرّني ذلك..) أي يُدخل السرور على قلب الإمام (..ويدخل عليّ منه السرور، ويُقال: إنّ هذا أدب جعفر..).
الناس ماذا يقولون حين يجدون هذا المنتمي لمذهب أهل البيت في أخلاقه طيب وحسن وفي كلامه كذلك؟ يقولون: هذا ما أدّب به جعفر شيعته، فينعكس على سمعة القادة للمذهب والأئمّة، وإذا كان على غير ذلك تصرّفاته سيّئة أخلاقه سيّئة مصدر شرّ مصدر أذى وكذب وخيانة وغش واحتيال وغير هذه التصرّفات السيّئة، فيقولون: هذا من أتباع جعفر هكذا أدّبكم جعفر؟! هكذا أدّبكم الصادق؟! هذا كلام الآخرين هذا كلام الناس، إذا وجد كلّ واحد منكم هذه الأخلاقيات وهذه المعاشرة لا يقول: أنت صاحب هذه الأخلاق بل ماذا يقول؟ هكذا أدّبكم الصادق؟! هكذا خلّقكم بهذه الأخلاق؟! لاحظوا بماذا يقيس؟ يقيس الأخلاق والأدب بما أدّب به الإمام بما أدّب به القائد، (..وإذا كان على غير ذلك دخل عليّ بلاؤه وعاره) الإمام حاشاه ليس لديه هذا العار، لكنّه يقول عار هذه الأخلاق السيّئة ينعكس عليّ عاره يكون ثلمةً في سمعة أهل البيت وقبل هذا أدب جعفر هكذا.
لاحظوا بهذه الصيغة هكذا أدّبكم جعفر هكذا خلّقكم هكذا قال لكم، تعاملوا مع بقية الناس فينعكس سمعةً سيّئة الإمام هكذا يشير، تارة أنت وحدك تتصرّف تصرّفاً سيّئاً لا ينعكس عليك ولا يضرّك لوحدك بل يضرّ القادة ويضرّ الأئمّة ويضرّ العنوان العام فيضرّ كلّ هذا المجموع بملايينه، فلابدّ للإمام أن يحذّر ويقول انتبهوا راقبوا أنفسكم احذروا من الأخلاقيات والتصرّفات السيّئة أو الكلام الذي يصدر منكم، انتبهوا لا تكون فيه هذه الآثار الضارّة، ثمّ الإمام الصادق يشبّه هذه القضيّة بالرجل الصالح ولديه ولد سوء يقول: (إيّاكم أن تعملوا عمل سوء يعيّروننا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم له زيناً ولا تكونوا عليه شيناً).
ثمّ يبيّن كيفيّة التعامل مع بقيّة الناس الذين يختلط ويتعاشر معهم أتباع أهل البيت من أصحاب المذاهب الأخرى صلوا عشائرهم وتواصلوا معهم اجتماعيّاً أشعروهم بقيمتهم ومكانتهم ومنزلتهم لديكم بهذه التصرّفات العمليّة، (صِلوا عشائرهم وعودوا مرضاهم واشهدوا جنائزهم ثمّ كونوا قدوةً إليهم، فلا يسبقوكم الى شيءٍ من الخير أنتم أولى به منهم) ثمّ أيضاً من الأمور المهمّة من مقوّمات التشيّع الحقيقي والصحيح والاتّباع الصادق هو مسألة التكافل الاقتصادي والمعيشي وعدم السماح بحدوث التفاوت الطبقي.
لاحظوا إخواني الإمام الصادق(عليه السلام) يسأل الذين يأتونه من مختلف المناطق من الكوفة من بقيّة البلدان، الإمام يُبادر يسأل كيف خلّفت إخوانك في أيّ حال حالهم الاجتماعيّ المعيشي غير ذلك من الأمور كيف خلّفت إخوانك؟ طبعاً يحسن ويثني ما شاء الله وبحمد الله تعالى هؤلاء الأتباع لديهم الولاء ولديهم كذا وكذا فأحسن وأثنى وأطرى عليهم هذا الذي جاء الى الإمام(عليه السلام) مدح شيعة الإمام في تلك المناطق، ثمّ يسأل الإمام يختبر ينبّه، هل أنّ هذه المعايير التي لدينا هي المعايير الصحيحة التي نقيس بها صدق الاتّباع والولاء لأهل البيت أم هم الأئمّة لديهم معايير خاصّة يلفتون نظرنا اليها؟ الإمام لا يترك الأمر هكذا يقول ويسأل، كيف هي عيادة أغنيائهم على فقرائهم؟ قال: قليلة. قال: كيف مشاهدة أغنيائهم على فقرائهم؟ قال: قليلة. قال: كيف صلة أغنيائهم بفقرائهم؟ قال: قليلة.
لنتأمّل قليلاً في العبارة والسؤال الدقيق للإمام(عليه السلام)، انظروا سؤال الإمام(عليه السلام) ما سأل عن الفقراء عندكم إذا جاءوا الى الأغنياء وطلبوا حاجة وقضوا حاجتهم وأعطوهم من المال، ما قال له ذلك ما سأله هذا السؤال، ما قال إذا كان الفقراء قد جاءوا الى الأغنياء وماذا فعل الأغنياء؟ بل قال الأغنياء كيف هي عيادتهم وصلتهم بالفقراء، يعني هل أنّ الأغنياء هم الذين يبادرون ويأتون الى الفقراء ويسألونهم فإن كانت لهم حاجة ابتدأوا وسارعوا لقضاء حوائجهم، هناك فرقٌ بين الأمرين لماذا الإمام ينبّه الى هذا؟ يريد أن يحفظ ماء الوجه يريد أن يحفظ كرامة الفقير، يقول كيف صلة أغنيائهم لفقرائهم كيف عيادة أغنيائهم لفقرائهم وما سأل الفقراء يأتون الى الأغنياء، فيجيبه يقول: قليلة.
لاحظوا يقول ذلك الرجل: إنّك لتذكر أخلاقاً قلّما هي عندنا. يعني أيّها الإمام الصادق أنت تذكر أخلاقاً قليلاً ما نجدها عندنا، الإمام(عليه السلام) يقول هنا: هذا المعيار الذين تختبرون به أنفسكم أنتم الآن أتباع أهل البيت فالله تعالى فضّل بعضاً على بعض، البعض متمكّن عنده رزق مرفّه والآخر فقير، هناك ميسور وهناك معسر، هناك غني وهناك فقير، هناك مرفّه وهناك مخنوق في عيشته، اثنان يتعايشان متجاوران سويّةً ينتج عن هذا التفاوت الطبقيّ الذي يشعر معه هؤلاء المحرومون بالظلم والغبن وعدم الاهتمام من الآخرين، ممّا ينتج عنه حالة من العداوة والبغضاء والشعور بالظلم، ممّا يؤدّي الى الصراع بين أفراد المجتمع، لذلك الإمام(عليه السلام) ينبّه يقول كيف تزعم أنّ هؤلاء شيعة؟ كأنّه يريد أن يقول للراوي ارجع إليهم، قل لهم هذه أخلاق شيعتي، التفتوا اليها وتحلّوا بهذه الأخلاق لكي نصل الى منظومة التكافل الاجتماعيّ، يعني المجتمع يكفل بعضه البعض، وهذا أقوى من التكافل الحكومي وغيره، وأيضاً من الأمور الأخرى للحفاظ على روح الجماعة وقوّة العلاقات الاجتماعيّة إن شاء الله نكمله في الخطبة القادمة، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
|