شعرت بالسعادة العارمة، وأنا أسير على ضفاف نهر لا مثيل له في الكون، يتسع كلما تقدم ويرتفع الى أعلى، يصعد الى السماء، والسير على ضفافه يشبه الطيران الى سماوات اللهفة، كنت أخشى على سلاحي من أن يسقط من يدي، احتضنته بقوة، غسلت وجهي، فشعرت براحة منشرحة الصدر، نظرت الى الأرض، رأيت جميع القرى والمدن التي قاتلت فيها، تلك اللطيفية، والشاخات، وهذه جرف الصخر. تفرست بالمشهد، فرأيت عزيز بلد، ومكيشيفة، وزلاية، وتلال حمرين، وصحراء الصينية، والصقلاوية.. صعدت مع النهر، استوقفني رجل بابتسامة هادئة عليه سيماء الوقار: أتذكر أني خفت، لكن سرعان ما هدأت واطمأننت لهذا الوقار المتجحفل في وجهه، قال لي: لا تقلق يا بني، وأحنى قامته لي مد يده نحو مفصل الركبة، فأخذ قدمي بين يديه. ارتبكت كثيراً، حاولت أن أسحب قدمي من بين يديه، لكن لا فائدة، راحت قدمي مني وحملها الى النهر ليغسلها بيديه، صحت من أكون أنا لتغسل بيديك قدمي، انتبهت حينها الى مسألة مهمة، هي أني واقف ثابت لم أتململ في وقفتي، ولا أعرف كيف توازن جسدي، ولم أقع على الأرض، وإذا بي أسمع صرختي، فتحت عيني فرأيت مجموعة من الأطباء يحيطوني من كل جانب، وأنا ممدد في سريري، وسحب نظري منظر الدم على مباضعهم، أحسست حينها أن شيئاً ما مني قد بتر، لكن أي عضو لا أدري؟ ربما رأسي.. لا أعتقد.. فرأسي لا عطب فيه، حركت حينها يدّي انها بخير لكن قدمي.. انها قدمي اليمنى، ويعني اني حرمت من مزايا كثيرة مثل: المشي الركض والقتال يعني اني سأكون بلا حراك، نظرت الى اقصى الصالة، رأيت رجل النهر الوقور، وهو يغسل قدمي المبتورة من النهر الصاعد الى السماء ويبتسم لي برضا وسلام.
|